خيار حل السلطة الفلسطينية.. !!

جمال إمام –

gamalemm@gmail.com –

قبل أن يسدل العالم الستارعلى العام المنصرم فاجأ الفلسطينيون كل الأطراف التي شاركت في إجهاض مشروع القرار بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي في مجلس الأمن بعدم تمريره حتى بدون استخدام الولايات المتحدة لحق النقض بأنهم مستمرون في تدويل القضية الفلسطينية..

وأعلنوا أنهم سيعودون مجددا إلى مجلس الأمن الدولي ولم يكتفوا بذلك بل وقعوا الوثائق الخاصة بالانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية والانضمام إلى اتفاقية روما..

وهو ما يعني أن الفلسطينيين لم يعد لديهم ما يخيفهم وأن حبوب الشجاعة التي اعتقد البعض أنهم (تناولوها ) لم تكن من الصنف ( المضروب بل كانت أصلية أصلية )..!!

هل أصبح اللعب مفتوحا بعد أن طور الفلسطينيون أداءهم وتخلوا عن الحذر الدفاعي (بلغة كرة القدم) حتى أننا نرى كل الخط الخلفي يتقدم للهجوم (أيضا بلغة الكرة) مع نفاد الوقت بسرعة..

أعتقد أن التعبيرعن الصدمة من عدم اجتياز المشروع الدور الأول للتصفيات بتأمين تسعة أصوات لتمرير القرار كان دافعا قويا لرد فعل فلسطيني قوي قرر أن يمضي إلى النهاية حتى مع الخسائر التي يحققها والتي بدأت بالتهديد بوقف الولايات المتحدة المساعدات المالية التي كانت تقدمها للسلطة الفلسطينية بسبب معارضتها لطلب الانضمام إلى محكمة الجنايات الدولية بالإضافة إلى ما قامت به إسرائيل من وقف تحويل نحو 80 مليون يورو من الضرائب إلى الفلسطينيين..

والواقع أن ما دار في كواليس جلسة التصويت وخاصة فيما يخص الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة على إحدى الدول التسع التي كان يفترض بها أن تصوت لصالح القراروامتناعها عن التصويت (نيجيريا) بجانب تصويت أستراليا ضد مشروع القرار هز الثقة بقوة في المعايير الدولية لإقرار العدالة التي تميل بقوة لصالح إسرائيل..

ماذا يعني ذلك..

يعني أنه من الصعوبة بمكان أن يعود الفلسطينيون إلى طاولة المفاوضات وفق القواعد والمعايير التي كانت تجري عليها قبل خيار التوجه إلى التدويل..

يعززه ما أقدمت عليه السلطة الفلسطينية من تقديم طلب الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية (تم تقديم الوثائق بالفعل )..

وهو ما اعتبرته الولايات المتحدة ( خطوة تصعيدية ) لن تحقق أيا من النتائج التي تأمل فيها القيادة الفلسطينية وهو جانب مهم من الإشكالية التي تواجه الفلسطينيين على اعتبار أنها ضمن الخطوات الأحادية التي ترفضها الولايات المتحدة..

وإذا ما وضعنا التهديد الإسرائيلي بأن الخطوة الفلسطينية تؤدي إلى التأثيرعلى عملية السلام بافتراض أنها مجدية للفلسطينيين..

فإن النتائج المتوقعة بشأن المخاوف الإسرائيلية بإمكانية إجراء تحقيقات في جرائم حرب يتهم الفلسطينيون والعرب إسرائيل بارتكابها خلال حروبها على قطاع غزة وفي أثناء عملياتها العسكرية في الضفة الغربية المحتلة..

سيقابلها إطلاق يد إسرائيل في بناء المستوطنات اليهودية لتبتلع المزيد من أراضي القدس الشرقية المحتلة رغم الانتقادات الدولية المستمرة..

وعلى الرغم من أن إسرائيل ليست موقعة على معاهدة إنشاء المحكمة ولا تعترف بسلطتها القضائية عليها إلا أن (العيارالذي لايصيب ربما يحدث قلقا) خاصة وأن المحكمة الجنائية الدولية تملك سلطة إصدار أوامر اعتقال الأمر الذي يجعل سفر المسؤولين الإسرائيليين للخارج صعبا..

ومع التأكيد على أن الفيتو الأمريكي (استخدمته الولايات المتحدة 40 مرة منذ 1975 لمنع الفلسطينيين من حقهم في تقرير المصير) والعقوبات (والتربيط) بانتظار العودة مجددا إلى مجلس الأمن الدولي أو خلال الستين يوما التي نص عليها القانون الدولي لتكون عضوية فلسطين سارية في المحكمة الجنائية الدولية ..

فإن البديل في العام 2015 قد يكون اللجوء إلى حل السلطة الفلسطينية وسط هذا التعقيد الذي يمر به الملف الفلسطيني حتى وإن ظل خيارا استراتيجيا وورقة ضغط لا يستهان بها تملكها السلطة الفلسطينية..

ليبقى البديل إذا فشلت مساعي إقامة الدولة الفلسطينية والاعتراف بها في الأمم المتحدة وسيكون لهذا القرار أبعاده وتداعياته على إسرائيل بالدرجة الأولى التي ستجد نفسها أمام نسف فكرتها في الدولة اليهودية وحل الدولتين وسيفرض نموذج الدولة الواحدة بشعبين نفسه على المشهد برمته..

وهو ما يعني أن إسرائيل ستكون مسؤولة بالكامل عن الشعب الفلسطيني في ضوء اعتبار السلطة الفلسطينية نفسها سلطة تحت الاحتلال..

كما أن المخاوف من حدوث انتفاضة فلسطينية هو أكثر ما يسبب ارتباكا ليس بالنسبة للحكومة الإسرائيلية ولكن بالنسبة للإسرائيليين كأفراد وربما تدفع هذه المخاوف الناخب الإسرائيلي لإقصاء نتانياهوعن رئاسة الحكومة في الانتخابات القادمة..

لأنهم سيعتبرون نتانياهو مسؤولا عن تدهور الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية على وجه الخصوص وعن انطلاق انتفاضة ثالثة سيدفع ثمنها المستوطنون الذين يحتلون أراضي فلسطينية في أماكن كثيرة في الضفة الغربية..

أما الأكثر تهديدا للأمن الإسرائيلي فهي المخاوف الجمة من مجرد تصور تحقيق التهديد الفلسطيني بحل السلطة الفلسطينية لأن في خيار دولة واحدة وشعبين ستكون الأكثرية للعرب الفلسطينيين على حساب اليهود وبالتالي فالتوازن الديمغرافي على المدى البعيد سيكون في صالح الفلسطينيين وقتها سيتحول اليهود إلى أقلية في غضون ثلاثة عقود على أكثر تقدير.. !!

أما على الصعيدين الإقليمي والدولي فإن مجمل المخاوف الإسرائيلية تصب في ارتفاع لغة الانتقاد اللاذع لمواقف الحكومة الإسرائيلية واتهامها بتقويض فرص السلام وزيادة التعاطف الدولي مع توجهات الفلسطينيين إلى تدويل قضيتهم..

وهي اتهامات وانتقادات ستسبب المزيد من الحرج للولايات المتحدة وللمواقف الأوروبية التي ستنقسم على نفسها (فرنسا تقود تحالفا يؤيد إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وصوتت في مجلس الأمن لصالح القرار الفلسطيني بينما انحازت بريطانيا وأستراليا إلى الموقف الأمريكي في رفض تمريره)..

والواقع أن الطرح الفلسطيني حول هذا الخيار له مبرره بعد أن جمدت إسرائيل عملية السلام برمتها ومضت في مشروع التهويد والاستيطان إلى آخر الشوط..

ماذا تنتظر من الفلسطينيين..

بعد أن وصلتهم الرسالة الواضحة والمحددة من استخدام واشنطن حق النقض رغم عدم حاجتها إلى استخدامه كما أشار صائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين وهي أن المسائل تُقرر بناء على أن «إسرائيل دولة فوق القانون وستستمرالولايات المتحدة في حمايتها».. !!