لماذا تعثرت «جنيف 2» مرة أخرى؟

عمر كوش – كاتب سوري -

أظهر سلوك الوفد الحكومي السوري في مفاوضات جنيف -2 الحرص على سياسة الإنكار والتعطيل والمماطلة، التي ينتهجها على مدى عقود عديدة من حكم سوريا، حيث أن بشار الجعفري خرج على الصحفيين، بعد فشل مفاوضات الجولة الثانية، لينكر ما قاله الإبراهيمي، وراح يؤكد بالقول: «نحن وافقنا على مشروع جدول الأعمال الذي قدمه الإبراهيمي، ويبدو أنه أثار حفيظة الطرف الآخر، ويثير تأويلاته، وتفسيراته الخاصة، حول تطبيق مشروع جدول الأعمال».

وتبيّن من خلال جولتي التفاوض في جنيف أن السلطات السورية لم ترسل وفدها للتفاوض على تطبيق القرار 2118 وتطبيق بنود اتفاق جنيف -1، حسبما نصت الدعوة إلى مؤتمر جنيف -2، بل كي يراوغ ويماطل، في محاولة منه لتحويل قطار التفاوض عن سكة الحل السياسي، التي تفضي إلى قيام هيئة حكم انتقالية، لذلك اتسمت الجولة الأولى بانسداد أفق التفاوض فور البدء بمناقشة القضايا السياسية، حيث أن وفد النظام أراد تحويل مؤتمر جنيف إلى مؤتمر لمحاربة الإرهاب، أي لمحاربة فصائل المعارضة المسلحة وتدمير الحاضنة الشعبية للثورة، بينما ركز وفد الائتلاف على تشكيل هيئة الحكم الانتقالية، التي تقود المرحلة الانتقالية، وتتكفل بتنفيذ بنود اتفاق جنيف واحد، لذلك وصل التفاوض إلى مرحلة من الانسداد، التي تتطلب جهوداً وضغوطاً كبيرة للخروج منها.

وبالرغم من ذلك دعا الإبراهيمي إلى جولة ثانية للتفاوض، لكنه اصطدم مرة أخرى بوفد دمشق الذي رفض الأجندة التي اقترحها، وقد كانت القائمة على أربع نقاط، أولها مناقشة وقف العنف ومحاربة الإرهاب، وثانيها قيام هيئة الحكم الانتقالية، وثالثها مؤسسات الدولة بين الاستمرارية والتغيير، ورابعها الحوار الوطني والمصالحة الوطنية. ثم أراد أن يرحّل أجندته إلى جولة ثالثة من التفاوض، فاصطدم أيضاً برفض وفد النظام ثلث أجندته، وخاصة رفض مناقشة هيئة الحكم الانتقالية، حسبما أعلن الإبراهيمي، وبالتالي أفضى الانسداد في أفق التفاوض الذي سببه سلوك الوفد إلى فشل المفاوضات- حسبما يرى الكاتب.

لا شك في أن حيثيات الفشل عديدة، سواء من جهة غموض بنود جنيف -1، أم من جهة عدم وجود مرجعية وضمانات لنجاح عملية التفاوض، أم من جهة عدم وجود سقف زمني لعملية التفاوض، ولعل الأهم هو المبدأ الذي يقوم عليه التفاوض، وهو مبدأ الرضا، الذي يقتضي موافقة الطرفين ورضاهم على أية قضية تطرح للمناقشة، فضلاً عن أن كل بنود أجندة الإبراهيمي المطروحة للتفاوض، يختلف فهمها وتفسيرها ما بين فهم وفد النظام وفهم وفد الائتلاف المعارض، حيث أن مسألة وقف العنف مثلاً، يريد وفد النظام حصرها في محاربة الإرهاب، الذي يتطلب قطع الإمداد الخارجي عن المجموعات الإرهابية، وجعلها موضوع المفاوضات الحتمي، والمبرر لقتل السوريين يُقتل خلال عمليات جيش النظام الحربية، لأن الإرهابيين يتواجدون بينهم، لذلك يصر وفد النظام على أن مصدر العنف هو المجموعات المسلحة التي تقاتل النظام، ويريد أن يتعهد وفد الائتلاف بمحاربة هذه المجموعات، وتحويل الكارثة السورية المتفاقمة، الناتجة عن تعامل النظام مع الأزمة الوطنية السورية، التي تمتد على طول ثلاث سنوات، إلى قضية إرهاب، يتعرض لها النظام المسكين والمسالم، الذي لم يقصف الغوطتين بالأسلحة الكيميائية، وبكافة أنواع الأسلحة المتوافرة لديه، ولا يلقي يومياً عشرات البراميل المتفجرة على المدنيين في المناطق الخارجة عن سيطرته، بالمقابل يريد وفد المعارضة بحث مسألة وقف عنف النظام وإرهاب الدولة، الذي خلفّ أكثر من مائة وخمسين ألف ضحية وهجر وشرد أكثر من سبعة ملايين من أماكن سكناهم إلى خارج سوريا وداخلها.

ويكشف واقع الحال أنه لا يمكن معالجة المشكلات والأزمات التي يتعرض لها السوريون بنتائجها، إلا بالقفز عن مسبباتها، والتغاضي عن الحرب الشاملة ضد المحتجين والثوار، التي بدأت منذ اندلاع الثورة السورية. كما لا يمكن لعاقل أن يختصر الكارثة السورية إلى مسألة إرهاب مدعوم عربياً ودولياً. وبالتالي، فإن العنف هو العلاج الوحيد لسلوكهم – فصائل المعارضة – الإجرامي، بغية استعادة أمن سوريا واستقرارها، وإعادة الجميع إلى مظلة النظام ، المستمر منذ أكثر من أربعة عقود من الزمن.

وبعد إعلان فشل الجولة الثانية من المفاوضات، فإن الكرة باتت في ملعب القوى الدولية، وخاصة راعيي مؤتمر جنيف، إذ يتعين على ساسة روسيا الاتحادية الضغط على النظام السوري، إن كانوا جادين في تطبيق بنود جنيف -1 وتشكيل حكم الحكم الانتقالية، بما يخلص الشعب السوري من القتل اليومي الذي يتعرض له، خصوصاً وأنهم يتحدثون دوماً عن تطلعات الشعب السوري وأمنه واستقراره، في حين يتعين على الولايات المتحدة مراجعة سياساتها حيال سوريا، بعد أن جلبت الائتلاف المعارض إلى جنيف، وبذلت جهوداً من أجل إقناعه، وإقناع حلفائها الإقليميين بجدوى المؤتمر، وقدرته على تفكيك النواة الصلبة للنظام، إلى جانب تعهدها تقديم الدعم الكامل للائتلاف، وأنها عند بدء المفاوضات ستسعى إلى إقناع الروس بالتخلي عن مواقف سابقة والقبول بالبديل الجديد.