في الوقت الذي تنشغل فيه العديد من دول المنطقة بقضايا وخلافات، أقل ما توصف به أنها فرعية، ولا يترتب عليها في معظم الأحيان سوى نتائج، تنال من المصالح الفردية والجماعية، وتزيد شقة التباعد بين الأشقاء، بكل ما يترتب على ذلك من نتائج، مباشرة وغير مباشرة، فان السلطنة تنشغل دوما بكل ما يمكن أن يحقق الخير والازدهار لها ولشعوب المنطقة من حولها، وبما يصب في تعزيز الاستقرار والمزيد من التقارب بين الأشقاء والأصدقاء، لتحقيق المصالح المشتركة والمتبادلة لها ولشعوبها، اليوم وغدا.
واستمرارا لهذه السياسات والرؤى التي يوجهها حضرة صاحب الجلال السلطان قابوس بن سعيد المعظم – حفظه الله ورعاه – والتي تستلهم كذلك الدور الحضاري والتاريخي للسلطنة كواحد من أكبر وأنشط مراكز التجارة والترانزيت، على امتداد طريق الحرير في الماضي، وواسطة عقد طرق الملاحة البحرية الحديثة بين الشرق والغرب في العصر الحديث، احتضنت مسقط التوقيع على مذكرة التفاهم لمشروع اتفاقية ( عشق أباد ) المتعلقة بانشاء محور دولي للنقل بالعبور بين الدول الاطراف في افاقية ( عشق أباد )، وهى السلطنة والجمهورية الإسلامية الإيرانية، وجمهورية تركمانستان وجمهورية أوزبكستان.
جدير بالذكر أن ما يجسد الأهمية الكبيرة لخطوة التوقيع على مذكرة التفاهم بين الدول الأربع الأطراف في اتفاقية ( عشق أباد ) والتي تأتي استمرارا لاتصالات وجهود وتحضيرات متواصلة بين السلطنة والدول الثلاث على مدى السنوات الأخيرة، ليس فقط لأنها تعبر عن رغبة وحرص الدول الأربع على ترسيخ أواصر التعاون المثمر فيما بينها، تجاريا واقتصاديا بوجه خاص، ولكن أيضا الانتقال إلى اتخاذ خطوات عملية لترجمة وتحقيق محور عشق أباد للنقل بالعبور بين موانئ الدول الأربع، ومن ثم الربط بين موانيها وشبكة الطرق بها، لتتمكن من الإسهام الملموس في التجارة والنقل بين وسط وغرب آسيا وجنوبها، والاستفادة من الموقع الجغرافي بالغ الأهمية للسلطنة في هذا المجال، خاصة وأن السلطنة تعمل بنشاط للتحول إلى مركز عالمي للتجارة والترانزيت بين الخليج ومناطق العالم المختلفة. ومما له دلالة أن توقيع الدول الأربع الأطراف في اتفاقية ( عشق أباد ) عليها يؤكد على اتخاذ الإجراءات العملية، من جانب الدول الأربع، وفي كل منها للانتهاء من البنية الأساسية، والتجهيزات الفنية والإجراءات القانونية، اللازمة لتحويل هذا المحور إلى واقع عملي يخدم مصالح وتجارة الدول الأعضاء، ومجمل التجارة الدولية من وإلى المنطقة كذلك. وهو ما ستقوم به اللجان الفنية المعنية بالجوانب المختلفة لهذا المشروع الضخم .
وفي حين تعمل السلطنة بخطى واسعة لاستكمال المراحل المختلفة للمنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم، وما تضمه من مرافق حيوية، ومنها ميناء الدقم والمنطقة اللوجستية والحوض الجاف والمنطقة الحرة وغيرها، لتتكامل مع مشروع السكك الحديدية من ناحية، ومع الموانئ العمانية الحيوية الأخرى في صلالة وصحار، وغيرها، وتعزيز شبكة الطرق البرية من ناحية ثانية، فإن اتفاقية عشق أباد يفتح المجال أمام ازدهار وتنمية التجارة مع وسط وغرب آسيا وبينها وبين العالم، عبر السلطنة، وهو ما يعود بالخير على كل دول المنطقة، في الحاضر والمستقبل.