رماد: نحو الحياة

عبدالله المعمري –

shinas1@hotmail.com –

يسير بقدميه الحافيتين على طريق، مملوءة بالحجارة الصّلبة، فهو في مسيره يلتقط تلك الحجارة ويزيحها عن الطّريق لتكون قدماه سليمتين بلا جروح قد تصيبهما أو عثرات قد يقع منها نتيجة وجود تلك الحجارة. امْتدّ به المسير فترة من الزّمن، شعر بتعب قليل، فانْزوى عن الطّريق واسْتظلّ بظل شجرة، حتى إذا ما اسْترجع قواه واصل المسير من جديد، نحْو تحْقيق سلْسلة من الأهْداف الإنْسانية له ولغيْره ممن يحبّهم، مسترشدا بإشارات الطّريق، مع المنعطفات والمنْحدرات التي تجعله على بصيرة من أمْره في رحْلته.

لمْ تكن قدماه الحافيتيْن عذْرا له تمْنعانه من وضْع خطواته على طريق الحياة، بل كانتا مصْدر العزيمة والإصْرار على المسير، بخطوات ملؤها الثّقة، فكانت كل خطوة يخْطوها هي وسامٌ للنّجا، بل هي صورة ثابتة للوجود بأسْمى صوره، فخطواته صنعتْ منه إنسانا يطال أمْجاد التاريخ ويسطّر في دفاتره حروفا ذهبيّة لن تمْحها أيّ ممْحاة بشريّة، أيّا كانت سلطتها أو قوتها أو صفاتها.

ذلك أن الخطوات الوثّابة، المتّزنة، المتوازية مع المسار بنظْرة ثاقبة لكلّ مساحات الطّريق، هي منْهجيّة حياة في خارطة الحياة، لن يظلّ عنْها إلاّ من أهْملها، واتّبع أهْواءه في تحْديد حدودها، والوقوع في حفرها التي لن ينْجو منها بدون جرح أو ألم.

ومع كلّ خطْوة يخطوها، تعلّم بأن الحذاء ليس هو سرّ نجاح خطواته، فهو بدونه قد حقّق النّجاح، فلا تشكّل تلك القطعة الجلديّة تحت قدميه أي قيمة، من غير أن تتكامل معها الثّقة بالخطوة التي يخطوها ونظرته لمسار حركته، وقوّة صبرة، وراحته من عناء الطّريق بين الفيْنة والأخْرى، وأنّ لاتباع إرشادات الطريق منْهجيّة حياة رسمها له ربّه الذي خلقه، عبْر رسالة سماوية، مفادها العبوديّة له سبحانه، وأن الخير

بالخير موصول وإن اعترضه الشّر، وأنّ القلوب تلتقي حينما تتآلف، ولن تتوافق حينما تتخالف، وأن للعسر يسرا، وللصبْر فرجا.

تعلّم أنّه وإن طال به زمن ارتحاله بقدميه الحافيتين، فإنّه سيجد ظلا وافرا، يحتمي به من حرارة الشّمس ولهيبها، وأن للسّماء دفءٌ في المساء، وأنّ بين أغْصان الأشْجار قوت يومه، وجداول ماء ترْوي عطشه، وعلى فروع تلك الأغْصان أجنحة ترفرف وعصافير تغرد بلحن الحياة، وأنّ حياته مسْتمرة وإنْ كانت قدماه حافيتين.