عندما تتصحر الأرض تصبح الطبيعة يتيمة

د. محاد بن عيسى شماس –

تصبح الطبيعة يتيمة نتيجة فقدانها لتنوعها الأحيائي بسبب التصحر. ويحمل هذا الوضع أخطاراً تهدد صحة الإنسان ورفاهيته وأمنه البيئي. وأضحت مكافحة التصحر تحتل أهمية كبرى في السياسات العامة للدول، وترصد لها موازنات سنوية في الخطط الخمسية. ورغم اهتمام المقام السامي بحفظ البيئة، إلا أن المتابع يلاحظ أن ترجمة هذا التوجه من قبل الحكومة لا يزال دون مستوى الطموح. ويرى المتابع القليل من تلك السياسة البيئية جلية على أرض الواقع. وهناك مقولة رائعة عن جوناس سالك (Jonas Salk) الذي قال: «لو أن جميع الحشرات اختفت من الأرض، لانتهت الحياة على الأرض خلال 50 عاما. لو أن البشر اختفوا من الأرض، لازدهرت كل أنواع الحياة على الأرض خلال 50 عاما». وهو محق لأنه عندما تتصحر الأرض بسبب الاستخدام المفرط للموارد الطبيعية من قبل البشر، فإن الأرض تفقد جميع أنواعها البيولوجية، بما فيها الحشرات التي تساعد على تخصيب التربة وتلقيح الزهور وتحفز عمليات التحلل.

ويستمر انهيار النظام الإيكولوجي الفريد هنا في محافظة ظفار نتيجة البطء الشديد في تنفيذ الحكومة لمبادرات خجولة لكبح الانخفاض المخيف في التنوع الحيوي في الإقليم. ويدعم المجتمع المدني في محافظة ظفار إنشاء هيئة عامة لمكافحة التصحر في محافظة ظفار وإشهار الجمعية الأهلية للمراعي والغابات (تحت الإشهار منذ 2009) ، لكي يشترك المواطن والحكومة في مشكلة مكافحة التصحر، لما لهذين المشروعين المقترحين من مصلحة قومية للجميع، سواءً المواطن أو المقيم وبيئتهما.

ويتساءل المواطنون هل يعقل الاستمرار في هدر مصلحة المواطن وبيئته الطبيعية، من خلال اختيار الحكومة مبدأ السوق أولاً (Business as usual) وعدم اتخاذ أية إجراءات كفيلة بتصحيح الوضع البيئي ومكافحة التصحر في جبال محافظة ظفار؟

ويعجز المجتمع المدني في الوقت الراهن عن المساهمة في مكافحة التصحر، لأنه يتطلب القيام بذلك من خلال مظلة قانونية، أما من خلال جمعية أو من خلال هيئة حكومية. ولا تكلف الجمعية الأهلية للمراعي والغابات الحكومة أية أموال، ولذا فإعلان الجمعية الأهلية المشار إليها حتى في ظل الركود الاقتصادي ممكن، بل تستفيد الحكومات كثيراً من نشاط الجمعيات في سنوات الركود الاقتصادي، لأن المجتمع يشارك في الحلول مع الحكومة.

بينما تحتاج الهيئة الحكومية العامة لمكافحة التصحر المقترحة موازنات مالية سنوية من خزينة الدولة، ولكنها ليست بالموازنات الكبيرة حسب المقترح المرفوع بنهاية عام 2013م، وحسب علمي موازنة الهيئة الحكومية المقترحة نحو ٢٠ مليون ريال عُماني سنوياً.

ومشروع مكافحة التصحر يعتبر مشروعا قوميا استراتيجيا في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياحية والأمن البيئي والمائي والزراعي والغذائي والصحي والمناخي المحلي والعالمي والتخطيط الإسكاني الريفي والإرث الحضاري البيئي واستقرار المجتمع الريفي في محافظة ظفار.

وعليه فإنه أصبح من الأهمية بمكان الإسراع في إنشاء الهيئة العامة لمكافحة التصحر، وكذلك إشهار الجمعية الأهلية للمراعي والغابات خلال هذه السنة، لكي تعملان جنباً إلى جنب على مكافحة التصحر على أرضنا الطيبة وتصويب الوضع المتعلق بالتدهور والنقصان المستمر للتنوع البيولوجي المتمثل في التنوع النباتي والحياة البرية، وتنفيذ البرامج الكفيلة بكبح التصحر وإعادة الكثافة النباتية في المناطق المتصحرة إلى ما كانت عليه قبل ٢٠-٣٠ عاماً، ووضع حلول مناسبة لمشاكل المجتمع الريفي المعتمد على المراعي الطبيعية، ووقف الرعي الجائر، وذلك بالسماح بالرعي لفترة لا تتجاوز الـ ٣ أشهر في السنة، وحفظ الماشية خلال بقية أشهر السنة، شريطة وجود برامج دعم مالية حكومية مستمرة سنوياً لمربي الماشية وخاصة الإبل.