اضاءة – المحبة الصادقة

سالم بن حمدان الحسيني –

تباينت طبيعة الاحتفالات بذكرى مولد خير البشرية خلال الأيام الماضية في العديد من الأقطار الإسلامية على حسب الرؤى والتوجهات عند هذه الشعوب فبعضها ارتكز على العقل وبعضها ارتبط بالعاطفة والبعض الآخر احتار بين الأمرين فمال نحو التيار المحتفل برأس السنة الميلادية، فالفئة الأولى ارتأت تجديد الإيمان وترسيخه في القلوب بتلاوة سيرته عليه الصلاة والسلام واستذكاره سنته وتجديد العهد مع النفس باتباع نهجه وتقصي خطاه ومراجعة النفس على ما أسهبت في غيها وبعدت بها عن نهجه الكريم وبالتالي محاولة ردها إلى الجادة ردا جميلا وصاحبت تلك الاحتفالية بذكرى مولده الشريف تقديم الصدقات والهبات إلى الفقراء والمحتاجين إلى جانب الندوات والمحاضرات الدينية التي ترسخ في قلوب الناس العقيدة الصحيحة من قبل أناس أخلصوا دينهم لله بعيدا عن الأهواء والشطحات التي ما أنزل الله بها من سلطان.

أما الفريق الآخر الذي ارتأى أن الاحتفالية بمولده الشريف تكون بالمسيرات المليئة بالهرج والمرج وإضاءة الشموع واستخدام المفرقعات حتى أصيب البعض منهم بإصابات من الحروق وإصابات الرصاص وغيرها فما من شك أن ذلك لا يمت بصلة إلى الهدي النبوي الكريم فما يتم إنفاقه في مثل هذه الاحتفالات الأولى به بطون الجياع والمعوزين من المسلمين.

وكما أشار فضيلة الشيخ الدكتور مساعد المفتي العام للسلطنة في برنامج سؤال أهل الذكر أن الكثير من المسلمين اليوم أصبح حب الرسول الكريم عنده مجرد عاطفة قلبية تثور أحيانا وتغور أحيانا أخرى نتيجة الجهل الذي أعمى كثيرا منهم من أن يزودوا أنفسهم بالعلم اللازم لتمثل خصاله عليه الصلاة والسلام ومعرفة محاسن رسالته ومزاياها.. منبها إلى أن المسلم ولا يراد منه أن تكون عاطفته فقط هي عنوان محبته لرسول الكريم دون أن يتبع تلك العاطفة عملا بهديه صلى الله عليه وسلم وتعلّم ملامح سيرته. وأن التعبير الحقيقي للنبي الكريم إنما يكون بالاقتداء به لكونه الأسوة الحسنة.. ولا يكون ذلك بالتقليد الأعمى لما يوجد في الحضارات المعاصرة حتى لا يتحول المسلم من كونه في محل القيادة والتوجيه والهداية والدعوة إلى الخير إلى أن يكون متبعا مقلدا لغيره في فكره وفي كيفية تعبيره عن عاطفته وفي أخلاقه وسلوكه وحتى لا تخرج به تلك العاطفة عن حقيقة تذكره للذكرى العطرة لميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم واستلهام العبر والعظات والدروس منها لما يعود بالنفع والفائدة إلى واقعه المعاصر.

فعلى الأمة الإسلامية اليوم أن تعيد النظر في واقعها المعاش وتنظر إلى وضعيتها السابقة حينما كانت في مقدمة الركب الحضاري.. كانت تقود الأمم ولا تنقاد حينما كانت متمسكة بهدي نبيها الكريم عاضة بالنواجذ على سنته الشريفة غير راكنة إلى الدنيا وإنما اتخذتها وسيلة لتحقيق غاية فدانت لها بذلك الممالك وتوسعت رقعة ديارها بدخول الناس إلى هذا الدين أفواجا مختارين غير مجبرين لأنهم تمثلوا فيه العدل والقسط وأبصروا فيه النور الذي ينقذهم مما هم فيه من ظلام وجهل، وكانوا كلهم عمريون في قولته المشهورة «نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإن ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله» فالتعبير عن محبة الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام بطريقة المسلمين اليوم دون تمثل هديه وسنته الصحيحة لا يغنيهم شيئا وإنما يزدادون بعدا، وبالتالي لا يعصهم عاصم من أن تتكالب عليهم الأمم كما تتكالب الأكلة على قصعتها كما هو حاصل اليوم.. نسأل الحق سبحانه بأن يرد المسلمين إلى جادة الصواب ردا جميلا إنه سميع مجيب.