نبض المجتمع: متى نقتنع بأهمية العمل المهني؟

Share Button

خصيب القريني –

يحدثني أحد الاخوة الذين قدر لهم الذهاب الى احدى الدول الاسيوية التي يعمل فيها احد الأشخاص العاملين لديه، وقد كان في استقباله في المطار نظرا لحسن العلاقة التي تربطهما ويصف اخونا كيف قدم هذا العامل الكثير من الخدمات له بدءا من استقباله في المطار وتوفير سيارة خاصة له للتنقل، كما يصف الإمكانيات المادية التي يتمتع بها هذا العامل من بيت ومزارع وسيارات ..الخ وهو أيضا ما زال يعمل هنا معنا في السلطنة، والغريب في الامر ان مهنة هذا الوافد ليست من المهن التي نعتقد نحن العمانيين انها من ذوات الدخل المرتفع، والتي يتمتع بها اخونا هذا ، فوظيفته هي مجرد كهربائي توصيلات منزلية، والتي ننظر لها نحن انها مهنة غير مربحة، هي من ساقت كل هذه الخيرات لهذا الرجل ولغيره الذين آمنوا بأن الأعمال الفنية والمهنية هي من يصنع الفارق .المثال السابق ما هو الا غيض من فيض للدلالة على أهمية مهن لم يتقبلها مجتمعنا رغم أننا على مشارف نصف قرن من قيام النهضة، مهن هي في واقع الامر يحتاج لها أي مجتمع ، مهن يجب ان ينظر لها بنظرة إيجابية اقتصادية ، حيث المردود المالي العالي ، ولكن الإشكالية في عدم وجود قناعات لدى الفئة العاملة بقيمتها الا من جرب هذا الامر واكتشف السر الذي طالما ظل مطويا في ايدي فئة من الأيدي العاملة الوافدة التي تصور الامر بانه غير مجدي وغير مناسب لمكانة المواطن.

ان الجهود الحكومية في هذا المجال جهود كبيرة وأيضا قديمة ، بدأ من المدارس الصناعية والمعاهد الفنية وانتقالا لمراكز التدريب المهني الى الكليات التقنية وغيرها من المراكز المتخصصة في هذا المجال ، ولكن في اعتقادي الشخصي ان هذه الإنجازات المادية لم يواكبها اهتمام بالجوانب النفسية والاجتماعية والاعلامية التي بدورها كان من المفروض ان تساعد على تنمية الجوانب البشرية المتمثلة في فئة الشباب المنتج وتقبله لهذه المهن وتفضيلها على المهن والوظائف الحكومية والخاصة، وكل ذلك مرتبط أيضا بمفهوم آخر او بمعنى آخر قيمة آخرى وهي مدى الايمان بأهمية العمل الحر .

اننا أمام ظاهرة غريبة وعجيبة فرغم هذه الاعداد التي تخرجت ومازالت تتخرج من هذه المؤسسات ذات العلاقة بالعمل المهني واقرب مثالا لها معاهد التدريب ، الا ان السوق يكاد يندر بوجود فئة عاملة عمانية في هذا المجال، فأين الخلل؟ هل في المؤسسات المعنية؟ ام في الشباب الباحث عن عمل ؟ أم في الجهات الحكومية ذات العلاقة ؟ ام في المجتمع؟ ام ماذا؟

اننا امام تحدي اقتصادي يبدأ من هنا ، من حيث الاهتمام بهذه المهن التي تدر أرباحا كبيرة وتقلل الضغط على الجهاز الإداري للدولة الذي اضحى متخما بالأعداد الكبيرة من الموظفين ولم يعد قادرا على تحمل المزيد ، في مقابل مجال واعد ومفتوح على جميع مصارعه ، ولكن لمن ؟ للعمالة الوافدة التي يكفي السؤال عن حجم تحويلاتها النقدية لمعرفة حجم الكارثة.


ان من يشكك في كلامي ماعليه الا ان ينظر الى اقرب عامل وافد في مجال الكهرباء او الميكانيكا او اعمال صيانة السيارات..الخ ليكتشف حجم الأموال التي يحصل عليها ، في مقابل اهتمام شبابنا ممن يمتلكون الشهادات والخبرات باللهاث وراء الوظيفة الحكومية او القطاع الخاص الذي يحدد راتبا في كثير من الأحيان لا يغني ولا يسمن من جوع.

ان الحلول ذات البعد التوعوي المدعوم ماديا من الحكومة ولكن بمعايير واقعية وشروط محددة هي احد الحلول التي يمكن من خلالها تشجيع الشباب على الانخراط في العمل المهني الذي بلا شك سيوفر عائدا اقتصاديا للجميع.