طاهرة اللواتية –
tahiraallawati@gmail.com –
نعتز في عماننا بما أرساه جلالة السلطان -حفظه الله وأبقاه، ومتعه بموفور الصحة والعافية- من نظام أساسي وقوانين في شتى مناحي الحياة كي تكون السلطنة دولة المؤسسات. ولا تزال القوانين والتشريعات تعزز ذلك كل حين وآن. ولذا فنحن نخطو بكل ثقة إلى دولة قوية بمؤسساتها، ومتمكنة من أدائها. والمراجعة المستمرة والمتابعة لقضايانا المختلفة، عبر الرأي العام والصحافة والعاملين في مؤسسات الدولة هي تغذية راجعة تعين المشرع للمزيد من تقوية التشريعات والقوانين والأنظمة، وتصب في النهاية في تقوية دولة المؤسسات وتعضيدها.
لذا يعتري الاستغراب عندما نرى البعض يدق أجراس الطوارئ بعنف وقوة، ويقلب الدنيا رأسا على عقب كلما تم اكتشاف بعض بؤر الفساد أو المخالفات أو الاستفادة من الوظيفة لتحقيق مصالح ذاتية، أو الهدر أو غيره مما يعتري من أمراض للجسم البيروقراطي للوحدات والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية، وكأن الدولة بقوانينها وتشريعاتها ومؤسساتها ستنهار وستنتهي وتزول. لقد تعلمنا على مقاعد الدراسة مبدأ تثبت الأيام والسنين صدقه وقوته وهو بأن الرجال يعرفون بالحق وليس الحق يعرف بالرجال.
فكل مؤسساتنا بخير وقوة مهما أخطأنا نحن البشر وتجاوزنا وأفسدنا، وثم حوسبنا وعوقبنا، فالمخطئ منا يحاسب ويعاقب بما يستحقه دون أن يمس ذلك الدولة أو مؤسساتها أو سمعة مؤسساتها مس، أو يصيبها أقل ضرر.
بل هي قوة الدولة ومؤسساتها عندما تضع علامة استفهام أمام من أخطأ منا في تحمل أمانته في موقعه الوظيفي، فالبشر خطاؤون، وإبليس لم يمت بعد، والدنيا دار ابتلاء للبشر كي يعرف الصالح من الطالح، والتائب من المصر على الفساد.
إن الله تعالى عندما شرع نبوة بعض البشر العظماء، وربط النبوة بنفسه، فلا تنفع شهادة عبد لوحدانية الله تعالى إلا بشهادته لنبوة ذلك النبي أو الرسول. فإن الله تعالى انتقد سلوك بعض الأنبياء في قرآنه المجيد وعلى الملأ، فنقرأ عن خطيئة أبينا ونبينا آدم في الجنة عندما خالف الأمر الإلهي بالأكل من الشجرة المحرمة، فاستحق العقاب بنزوله إلى الأرض. وخطأ النبى يونس، وخطأ النبي يوسف وغيرهم، وقد ذكر الله تعالى هذه الأخطاء – وإن كانت من باب ترك الأولى كما يقول علماء الدين – لكن ذلك لم يشفع للأنبياء في ألا يذكر خطأهم على الملأ أو ألا يحاسبوا ويعاقبوا. إن الله تعالى أرسى مبدأ النبوة، لكن أخطاء بعض الأنبياء لم تضعف مبدأ النبوة وقوته وعظمته وإرساء الله تعالى له كمبدأ أساس في الأرض. كما لن تضعف أخطاؤنا دولة المؤسسات في عمان، وما بذل من جهد وسعي لإرسائها منذ عشرات السنين، وما تبذل من جهود اليوم وغدا للمزيد من تعزيزها وتطويرها وتقويتها وصيانتها.
إن الله تعالى أحب أنبياءه كما لم يحب أحدا من الخلق وقربهم إليه بالوحي والتنزيل، ورغم ذلك أطلعنا نحن البشر العاديين على أخطاء أنبيائه الماضين الذين لم نشهدهم ولم نرهم، وهذا الأمر يستحق التدبر والفهم لمرامي الله تعالى من ذلك، وقد لا أستطيع أنا في هذه المقالة القصيرة أن أتبينها كلها.
إن عمان بمؤسساتها ستبقى بخير، ولا يشك أحد بذلك أبدا مهما حاسبت وعاقبت المخطئين والفاسدين منا. فعمان ومؤسساتها أكبر منا، وبالحق يعرف الرجال، لا بالرجال يعرف الحق.