دراسة تدعو إلى استخدام الموارد المتجددة والاستعانة بالتكنولوجيا الزراعية

صلالة: حسن بن سالم الكثيري –


على رغم الإجماع العالمي على أهمية التنمية المستدامة، فإن ثمة جدلا عالميا كبيرا حول القواسم المشتركة والمنهجيات والممارسات المرتبطة بتطبيقاتها من بلد لآخر وعلى المستويات المحلية و الاقليمية وعلى النطاق العالمي أيضا. فالأنظمة الزراعية السائدة كما يرى الكثيرون قد حققت مكاسب هائلة في كمية وتنوع الإنتاجية خلال الـ50 سنة الماضية نتيجة للزراعة المكثفة والابتكارات العلمية والتقدم التكنولوجي السريع التي أدخلت للزراعة كاختيار محاصيل ذات إنتاجية عالية (الهجين)، الاستثمارات الرأسمالية الكبيرة في إدارة الإنتاج واستخدام المبيدات والأسمدة ومدخلات الطاقة وارتفاع كفاءة العمل، والصناعات الزراعية المصاحبة.

في حين يرى اخرون أن تلك الزيادة في الانتاجية أتت على حساب استنزاف الموارد الطبيعية المحددة لاستدامة الإنتاج الزراعي نفسه والنظم الحيوية. ويستشهد هذا الاتجاه بما خلفته الملوثات الزراعية (المبيدات والاسمدة الكيماوية) من آثار سلبية خطيرة وكذلك على التغير الجيني وتغيير صفات المحاصيل الزراعية..ألخ.

يتناول الدكتور مسلم بن احمد سهيل تبوك مدير دائرة الشؤون الزراعية بمحافظة ظفارذلك بقوله، إن التفاعلات بين النظم الزراعية والتربة والمياه والنباتات والحيوانات والغلاف الجوي، معقدة ولها آثار عكسية على المدى الطويل، بالإضافة الى المشاكل البيئية المتشابكة مع القوى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. مضيفا أن بعض هذه المشاكل هي عالمية النطاق في حين أن حلول معظمها يمكن أن يتم محليا. فمشاكل تآكل التربة وفقدان المواد العضوية والقدرة على الاحتفاظ بالرطوبة وتملح التربة ومياه الري في المناطق الزراعية المروية وتوسع ظاهرة التصحر بسبب الانشطة البشرية المرتبطة بها، كلها مشاكل متزايدة، لا سيما في المناطق الجافة قليلة الامطار(المشابهة لظروف سلطنة عمان) وهذه يمكن الحد من توسعها وحلها تدريجيا من خلال تطبيق مفهوم التنمية الزراعية المستدامة. ويضيف، تشير خلاصة الاستنتاجات والدراسات العديدة أن المفهوم الشامل للزراعة المستدامة يعني نظاما متكاملا لممارسات الإنتاج النباتي والحيواني الذي يمكن تطبيقه في مواقع محددة من شأنه تلبية الاحتياجات الغذائية للإنسان وحفظ قاعدة الموارد الطبيعية التي يعتمد عليها الاقتصاد الزراعي وتحسين نوعية الحياة للمزارعين والمجتمع ككل على المدى الطويل. ومصطلح الزراعة المستدامة “”Sustainable agriculture جاء من الاصل اللاتيني (sustinere) أي أن (sus، تعني تحت-below ) و(tinere) تعني الاحتفاظ أو الحفاظ على وجود وقدرة إنتاجية الارض والنظم المجتمعية على المدى الطويل. وقد اكتسب مصطلح “التنمية المستدامة” أهمية وشيوعا بعد منتصف التسعينات من القرن الماضي خاصة بعد قمة الارض في (ريودي جانيرو 1994 وأصبح مفهوم التنمية المستدامة وخاصة الزراعية أكثر انتشار على المستوى العالمي بعد أن أصدرت وزيرة الزراعة الأميركية آنذاك (دانيال جليكمان) مذكرة في عام 1996م، بأن تلتزم وزارة الزراعة الأمريكية بالعمل لتحقيق الاستدامة الاقتصادية والبيئية والاجتماعية من المواد الغذائية المتنوعة والألياف والزراعة والغابات ونظم الرعي لتحقيق التوازن بين أهداف تحسين الإنتاج والربحية، والإشراف على قاعدة الموارد الطبيعية والنظم الايكولوجية وتحسين معيشة المجتمعات الريفية.وأن تعمل وزارة الزراعة الأمريكية على إدماج هذه الأهداف إلى سياساتها وبرامجها من خلال التعاون المشترك بين الوكالات والشركات ووسائل الإعلام.

والزراعة المستدامة هي وسيلة لممارسة العمليات الزراعية التي تسعى إلى تحسين المهارات والتكنولوجيا لتحقيق الاستقرار للإنتاج على المدى الطويل وحماية البيئة وسلامة المستهلك. فالهدف من الزراعة المستدامة إذن هو تقليل الآثار السلبية الآنية وعلى المدى البعيد مع توفير مستوى الإنتاج والربح المستدام. والحفاظ على الموارد الطبيعية هو جزء لا يتجزأ من مفهوم تحقيق التنمية الزراعية المستدامة.وممارسات الزراعة المستدامة تشمل: تقنيات الإدارة المتكاملة للآفات التي تقلل من الحاجة إلى المبيدات واستخدام أصناف مقاومة، الالتزام بمواعيد الزراعة والضوابط البيولوجية للآفات ومكافحة الحشائش الضارة بيولوجيا، وحفظ التربة والمياه، واستخدام استراتيجيات الأسمدة الخضراء (استخدام المدخلات الطبيعية أو الاصطناعية بطريقة لا تشكل خطرا على صحة الإنسان والحيوان أو البيئة)، هذا النهج يشمل المزرعة بأكملها بالاعتماد على خبرة المزارعين والاستفادة من فرق العمل من العلماء والمتخصصين من القطاعين العام والخاص.

ويتناول الدكتور مسلم تبوك في سلسلة من البحوث والتجارب حول: تأثير المواد العضوية الطبيعية المضافة للتربة الخفيفة شبه الصحراوية باستخدام نظام الري بالتنقيط على حفظ رطوبة التربة وإنتاج البطاطا التي تم إجراؤها خلال أعوام 2009و،2010و2011، 2012م، والتي تهدف الى تحقيق الأمن الغذائي والمائي من خلال تطبيق تقنية جديدة في الزراعة العضوية تؤدي الى حفظ الرطوبة في منطقة نمو جذور النبات مدة أطول مما يؤدي في النهاية الى تقليل فترات وكميات الري ويعمل على اقتصاد المياه في الاراضي شبه الرملية في منطقة النجد بمحافظة ظفار من سلطنة عمان وتحقيق زيادة في انتاجية المحصول على المدى الطويل.

وتشير نتائج الدراسة الى أن إضافة المادة العضوية الطبيعية (سبرابيل- المخلفات النباتية المعالجة) وهي غنية بالعناصر المغذية للنبات وكذلك المادة العضوية أخرى (جلين- من أحد الاخوار بسهل ظفار) قد ساهمت في زيادة إنتاجية محصول البطاطس الذي تم زراعته في نجد ظفار تحت أنظمة الري بالتنقيط بنسبة 13% مقابل اقتصاد في مياه الري يصل الى نسبة 8% مقارنة بالزراعة بدون إضافة المواد العضوية (كنترول). وتؤكد نتائج الدراسة أن هذه المواد المضافة التي تم الحصول عليها من بيئة محافظة ظفار وروسيا الاتحادية هي طبيعية خالية تماما من أي عناصر كيماوية زراعية وقابلة للتطبيق في مشاريع زراعية واسعة تحت ظروف السلطنة. أجريت التجارب الحقلية في مزرعة زينة الصحراء بمحافظة ظفار وشارك فيها فريق من المهندسين والباحثين من شؤون البلاط السلطاني بالمزرعة، بينما تم تحليل نتائج الدراسة ومناقشة النتائج في أكاديمية العلوم الروسية للري و استصلاح وحماية الاراضي الزراعية بجمهورية روسيا الاتحادية موسكو.