تحديات متعددة تحتاج إلى جهود صادقة

احمد بن سالم الفلاحي –

shialoom@gmail.com –

بانعقاد «ندوة تقييم تنفيذ قرارات ندوة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة (ندوة سيح الشامخات) في المركز الثقافي بجامعة السلطان قابوس خلال الفترة من 5 إلى 7 ربيع الثاني 1436هـ، الموافق 26 إلى 28 يناير 2015م» يكون بذلك اكتمال عقد العلاقة التشابكية لموضوع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي لا تزال تحظى بالحديث، وبالتقييم، والمقارنة، وبالتحديات الكثيرة، منذ الإعلان عن مساراتها المختلفة، واتخذت فيها القرارات المهمة في سيح الشامخات بولاية بهلا بمحافظة الداخلية التي انعقدت خلال الفترة من 21- 23 من يناير 2013م، فماذا يبقى أمام جميع الأطراف المعنية بهذا الموضوع؟ وهل هناك ما يستدعي إقامة ندوة أخرى لهذا الجانب؟ وهل تتسع المساحة الزمنية لمزيد من التنظير؟


لقد سعت هذه الندوة إلى «الوقوف على ما تم تنفيذه من قرارات الندوة السابقة خلال العامين الماضيين واقتراح الإجراءات المناسبة لدعمها، والاتفاق على حزمة جديدة من الإجراءات الداعمة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة بالتعاون بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص، بما يضمن تعزيز الفرص المواتية لرواد الأعمال في المرحلة المقبلة»، وهل كانت الرؤية غير واضحة طوال العامين الماضيين، حتى يستلزم الأمر العودة مرة أخرى لإقامة مثل هذه الندوة؟ أسئلة تطرح نفسها لكثير من هذه المناسبات التي تقام حولها ندوات متواصلة، ويظل المحور المهم في كل هذه الندوات التي تقام هو «التحديات»، وهذه التحديات لها أطراف كثيرة، ويأسف احدنا عندما يكون طرفا النزاع هما، القطاع العام والقطاع الخاص، وهما اللذان يقفان أمام هذه المشروعات الوطنية، حيث يلعب التشريع دورا محوريا في اختصار الكثير من الجهد، والزمن، وفي ظل غياب التشريعات المنظمة لمثل هذه المشروعات الوطنية، سيظل الجميع يدور حول حلقة مفرغة، ولن تجدي نفعا لا الندوات، ولا الفعاليات التي تنحو المنحى الاحتفالي في كثير من الأحيان، وفوق ذلك كله مستوى القناعات المتوفرة عند صاحب القرار، وصاحب القرار في كل مشروع يطرح هما طرفان لا ثالث لهما: المؤسسات الحكومية، ومؤسسات القطاع الخاص، والعلاقة التشابكية بينهما، بما يتخلل ذلك من مجموعة من المصالح الذاتية للأفراد الذين يمثلون الطرفين في آن واحد.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، فمشروع التعمين الذي لا يزال حتى اليوم يواجه تحديات كثيرة، والدليل عدم استقرار القوى العاملة الوطنية فيه، وذلك بسبب الإدارات العليا والمكونة من مجموعة من الوافدين الذين يسيرون دفة اتجاه هذا القطاع، ويقينا، لن يبسطوا الطريق وردا أمام القوى العاملة الوطنية لخوفهم من زعزعة مراكزهم فيه، وهذا أمر متوقع، والمسؤولية ليست عليهم بصورة مطلقة، فأصحاب الأعمال من المواطنين هم الذين أفسحوا لهم مجال السلطات المطلقة، وبالتالي ما دام الأمر على هذه الصورة المستمرة، فستبقى إشكاليات القطاع الخاص قائمة، وسيظل المواطن الباحث عن العمل يوجه نظرته إلى الحكومة اكثر منه إلى القطاع الخاص، ولن تجدي نفعا مجموعة الندوات والتنظيرات التي تقام حول هذا الموضوع، وهي المستمرة أبدا منذ مطلع الثمانينات من القرن المنصرم وإلى اليوم، وما هذه الندوة إلا استمرار لهذا النهج.

اليوم، هناك الحديث عن القطاع الخاص العماني، وأنه «ليس بالقدر المأمول فلا يزال يرزح تحت سيطرة القوى العاملة الوافدة»، واليوم، الحديث عن تدخل الشركات الكبيرة في مسار المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وذلك من خلال استنساخها أو توليدها لشركات صغيرة في حضن الأم، والزج بها إلى البيئة العامة على أنها مؤسسات صغيرة ومتوسطة تحتاج إلى الدعم كمثيلاتها التي يتبناها الأفراد بجهودهم الذاتية، واليوم، الحديث عن ثقافة ريادة الأعمال وأنها الأساس الذي يجب أن يتوفر حتى تكتمل صورة ريادة الأعمال في السلطنة، وأنه بدون هذه الثقافة لن تحتل هذه الصورة مكانتها وقوتها، واليوم، الحديث عن الاستفادة من التجارب البشرية في هذا المجال، وانه بدون الوقوف على هذه التجارب لن يكون لهذا الأمر صورته الواضحة، واليوم، الحديث عن قلة الاستشارات والخبراء الداعمين لتوجهات رواد الأعمال، حيث يعد ذلك احد المعوقات المهمة في هذا الاتجاه، وانه بدون وجود هؤلاء الخبراء، فإن ردة فعل عكسية تجاه ريادة الأعمال في السلطنة، واليوم، الحديث عن تقصير الإعلام في الترويج لرواد الأعمال، وانه بدون هذا الترويج فإن مسألة التحديات تزداد تفاقما، واليوم، الحديث عن عدم جدية الشاب العماني في عدد من المحاولات، وبدون هذه الجدية وهذه الثورة المعنوية لتحدي الصعاب، فإنها سوف تزيد من المعوقات، واليوم، الحديث عن المنافسة غير المتكافئة بين القطاعين الحكومي والخاص، حيث لا يزال القطاع الحكومي ذو البيئة الجاذبة للتوظيف يحظى بنصيب الأسد من القوى العاملة الوطنية، وبهذا الواقع لن تزدهر أو تصل الصورة إلى تكاملاتها في شأن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وقس على ذلك كثيرا من التنظيرات التي يتكئ عليها عدد غير قليل من أصحاب اتخاذ القرار.

هناك، كما هو معلوم، ثلاث جهات معنية تلعب دورا محوريا مشكورا في شأن تعزيز تثبيت أقدام المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وهي: الهيئة العامة لتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وصندوق الرفد، والمركز الوطني للأعمال، هذا كما هو واضح على المشهد العام، ولكن هذا المثلث بأضلعه الثلاثة يواجه هو الآخر مجموعة من التحديات، وهي تندرج تحت ما تم عنه الحديث أعلاه وقد تكون هناك أخرى ربما غير ظاهرة على سطح المشهد، ولكنها تمخر اللب، فتميت الشجرة بأكملها، ويكفي ان تجلس مع احد المنتمين إلى هذه المؤسسات لتسمع كم التحديات التي تواجه كل مؤسسة على حدة، لتدرك حجم المعاناة والعراقيل التي تنتظر مشروع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، طبعا بعض هذه المعوقات تشريعية، وبعضها عدم تكامل بينها وبين المؤسسات المعنية الأخرى، وبعضها ما يندرج تحت التمويل المادي، وبعضها المنافسة غير العادلة التي تدفع بها الشركات الكبيرة في هذا الاتجاه، وبعضها نقص الخبرات، وعدم الجدية وهي التهم التي تكال إلى القادمين من رواد الأعمال، ومنها نقص الخبرات لدى جميع هذه الأطراف مجتمعة، وعدم استيعاب هذا الجانب في كل ما يتعلق بشأن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وطبعا الحلقة الأضعف هنا، وهي التي تدفع ثمن ذلك كله، هم هؤلاء الشباب المقبلون على الدخول في معترك ريادة الأعمال، والله يكون في عونهم، وهم يجابهون كل هذه القوى المترصدة لنجاحاتهم البسيطة، والمتواضعة.

ويستوقفني هنا تصريح أدلى به معالي الشيخ عبدالله بن ناصر البكري وزير القوى العاملة في ملحق «رائدون»، وهو الملحق الذي كان يصدر بمناسبة هذه الندوة، حيث سئل معاليه عن معززات نجاح المشروع الوطني المتعلق بتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وكان رد معاليه: إن ذلك يقوم على ثلاثة أطراف رئيسية، حيث قال: «يجب التكاتف من جميع الأطراف ليس لطرف دون آخر والمؤسسات الحكومية المعنية طرف والشركات الكبرى طرف، ورواد ورائدات الأعمال هم الطرف الرئيسي لإنجاح هذه المؤسسات».

وأختم هنا برؤية الخبير الاقتصادي الشيخ محمد بن عبدالله الحارثي- رئيس مجلس إدارة الجمعية الاقتصادية العمانية – في طرحه الواقعي الجميل المنشور في «ملحق رائدون» السالف الذكر، فقد كتب مقالا مطولا أجاز لمشرطه أن يشرح الحالة بواقعيتها الحقيقية، وهو العارف ببواطن الأمور، وبحقيقة الواقع، حيث اقتطف منه الجزء الذي يقول فيه: «وفق تركيبة منشآت القطاع الخاص في السلطنة يتضح أن حوالي (88%) من المنشآت التجارية التي تمارس نشاطها حاليا يمكن اعتبارها من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة – مؤسسات الدرجة الثانية إلى الرابعة – وحوالي (95%) من العاملين فيها من الوافدين، بينما لا يتجاوز عدد العمانيين العاملين فيها نسبة (5%) من إجمالي العمانيين العاملين في القطاع الخاص، في الوقت الذي توفر تلك المنشآت حوالي (53%) من إجمالي فرص العمل المتوفرة للأيدي العاملة الوافدة في القطاع الخاص، ومن هذا المنطلق يجب أن يتمثل الدور المحوري لاستراتيجية تنمية المشاريع الصغيرة في وضع السياسات التي تربط سياستها بآليات تشغيل الباحثين عن العمل من العمانيين.

وبحيث تكون الأيدي العاملة الوافدة فيها في أضيق الحدود، وفي إطار أعداد محدودة للغاية، يتمثل في توفير بعض الخبرات او الحد الأدنى من العمالة غير الماهرة المتدنية الأجور، والتي لا يمكن توفير بديل لها من المواطنين، وبدون ذلك فانه لن يكون هناك أي مجال لتعديل التركيبة الحالية المشوهة».

وإذا أخذنا في الاعتبار هيكلية الاقتصاد العماني الحالي – فمن الضروري الانطلاق من تعريف المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في السلطنة بما ينسجم مع التعريف المتفق عليه في معظم الأدبيات الاقتصادية مع ضمان تحقيق الأهداف المتوخاة من تلك المؤسسات، وعلى النحو الآتي:

أن يتفرغ لإدارتها مالكها بصفته الشخصية، ويكون هيكلها التنظيمي أفقيا، بحيث لا يفوض المالك وافدا في إدارة المؤسسة.

أن تكون مستقلة ولا تنتمي بشكل مباشر أو غير مباشر إلى مؤسسة أخرى لا تدخل ضمن تصنيف المؤسسات الصغيرة ولا يمكن في أي حال من الأحوال اعتبار الفروع أو المنشآت الشقيقة للشركات الكبيرة من المنشآت الصغيرة حتى إذا توفرت فيها الشروط الأخرى للشركات الصغيرة.

أن تكون أغلبية العاملين فيها من المواطنين».

وبهذا التجريد في الرؤية تجاه هذا الموضوع أتصور انه لن تجدي نفعا مختلف التنظيرات التي يفسح لها المجال هنا أو هناك، مع التأكيد على ضرورة الإسراع في تبني تشريعات تتقصى الورقة الرابحة لدعم هذا المشروع الوطني المهم، والمهم جدا.