خطوة على طريق التحالف المستحيل !!

عاصم عبد الخالق –

assem@ahram.org.eg –


هل تتحالف الولايات المتحدة مع عدوها اللدود الرئيس السوري بشار الأسد؟ السؤال يبدو غريبا على ضوء العداء التاريخي بين الجانبين، لكنه احتمال طرحه، وحذر منه في الوقت ذاته، الباحث الألماني هيكو ويمين الخبير السياسي في معهد الشؤون الدولية والأمنية في برلين.


الاحتمال الذي يبدو غريبا ومستبعدا، له ما يبرره ويجعله مفهوما خاصة عندما نذكر ونتذكر أن واشنطن غيرت بالفعل موقفها تجاه دمشق. وأنها باتت تتقبل، إن لم تكن تحبذ، وجوده بعد أن كانت تعتبر رحيل الرئيس السوري شرطا مسبقا ومطلبا لا تفاوض عليه عند الحديث عن تسوية الأزمة.

التحول في الموقف الأمريكي تجاه القبول ببقاء الأسد هو ما يجعل طرح السؤال مفهوما. فإذا كانت واشنطن قد تراجعت مرة عن موقفها الأول بضرورة إسقاطه، وإذا كانت تقبل الآن استمراره ولو إلى حين، وإذا كانت قد رحبت بمبادرتي الأمم المتحدة وروسيا اللتين تتعاملان مع الأسد باعتباره الحاكم الشرعي، فما المانع بعد ذلك في أن يطرأ تحول جديد على الموقف الأمريكي باتجاه التعامل أو التعاون مع نظام الأسد تحقيقا لأهداف تكتيكية مشتركة.

الباحث الألماني الذي طرح الفكرة وحذر من تحولها إلى واقع يرصد مجموعة معطيات على الأرض توضح لماذا يمكن أن يتجه التفكير الأمريكي في هذا الاتجاه. الرغبة في هزيمة داعش وتعثر تحقيق هذا الهدف حتى الآن هو الدافع الأول نحو التعاون الأمريكي مع نظام الأسد باعتبار أن التنظيم الإرهابي عدو مشترك للجانبين. ثم أن الولايات المتحدة سبق أن تعاونت أو على الأقل تركت حلفاءها يتعاونون مع تنظيم إرهابي آخر هو حزب العمال الكردستاني التركي للدفاع عن مدينة عين العرب أو كوباني على الحدود السورية العراقية بعد أن حاصرتها ميلشيات داعش. ومادام الأمر كذلك فليس هناك ما يمنع التعاون مرة أخرى مع نظام الرئيس السوري بغض النظر عن التصنيف الأمريكي السابق له.

ميدانيا تبدو الولايات المتحدة في أشد الحاجة إلى قوات برية تساند غاراتها الجوية، وتكمل مهمتها بعد أن بات واضحا صحة التقديرات التي أعلنت منذ اليوم الأول لشن هذه الغارات بأنها لن تكون كافة بمفردها لهزيمة داعش. المشكلة التي تواجهها واشنطن هي أنها وكل حلفائها استبعدوا تماما إرسال قوات برية إلى الساحة السورية، وبالتالي فليس هناك مفر من الاعتماد على القوات المحلية وهذه ليست لديها الكفاءة أو القدرة لتحقيق الهدف.

والقوات المحلية المتاحة هي إما الجيش العراقي وهذا تلقى هزيمة ساحقة من داعش في الموصل وما زالت هناك شكوك كبيرة في قدراته- حتى الآن على الأقل-. أو الميلشيات السنية العراقية التي تحاول واشنطن تشكيلها من القبائل وتلك ما زالت في مرحلة التكوين أو التدريب وأمامها فترة غير معلوم أمدها. ثم قوات البشمركة الكردية في شمال العراق وهي متناثرة في جيوب صغيرة ولم يثبت أن لديها القدرة على مواجهة تنظيم بقوة داعش، فضلا عن أن تكثيف تسليحها يثير قلق بغداد وتركيا التي تتحسب من إقامة تعاون عسكري بين أكراد العراق وحزب العمال الكردي التركي. أخيرا هناك قوات المعارضة السورية المدعومة غربيا وهي بالكاد صامدة وليس بإمكانها تقديم المزيد.

بناء على هذا ليس في الساحة للتصدي لداعش سوى القوات النظامية السورية. وقد يفسر ذلك، مع أسباب أخرى، لماذا لم تهاجمها الطائرات الأمريكية رغم أنها، أي قوات الأسد، تهاجم بشراسة المناطق الخاضعة للمعارضة المدعومة من الغرب.

يشكل هذا الوضع بصورته تلك نوعا من المبرر والحافز للولايات المتحدة للتعاون مع الأسد وهي خطوة تالية لما بات مسلما به وهو قبولها عمليا ببقاء في الحكم . غير أن الثمن الذي ستدفعه واشنطن سيكون فادحا وقد يكون كارثيا وهو ما يضعها في مأزق حقيقي.

تعلم الإدارة الأمريكية أن أي تعاون مع الأسد يهدد بقاء التحالف الذي تقوده لمحاربة داعش، وأن مثل هذا التعاون إذا حدث، أو إذا تكشف أمره سينسف مصداقيتها لدي الحلفاء الإقليميين والدوليين. سيعتبر الحلفاء أن التعامل مع الأسد ينطوي على اعتراف بوجوده، وقبول ببقائه وهو أمر مرفوض من أطراف عدة تحتاج واشنطن بقوة إلى دعمهم مثل تركيا التي تعتبر أن المشكلة الأساسية في الأزمة السورية هي الأسد وليست داعش.

أما السنة في العراق وسوريا فسوف ينفضون أيديهم من أي تعاون معها إذا اكتشفوا أنها تخدعهم بالتعامل سرا أو علنا مع الأسد. وستكون تلك النهاية الفعلية لمحاولات واشنطن تشكيل قوات سنية عراقية لمحاربة داعش وهو أملها الوحيد في إيجاد شريك قوى على الأرض للقيام بهذه المهمة.

حتى إسرائيل لن تكون بعيدة عن رد الفعل لأنها ستعتبر أي تقارب أمريكي مع نظام الأسد المدعوم من إيران نوعا من الاعتراف الأمريكي بالدور الإقليمي لطهران.

بالتالي تبدو ملامح المأزق الأمريكي واضحة: واشنطن تريد التخلص من الأسد، ولكنها تحتاج إلى بقائه في الوقت الراهن. وهي لا تريد دعمه ولكن تخشى أن يؤدي سقوطه إلى حالة من الفوضى في سوريا والمنطقة، والى إعطاء دفعة للتنظيمات الإرهابية لاستغلال فراغ السلطة. وهي تعلم أنه لا يوجد حتى الآن الشخصية أو القوة القادرة على إقامة نظام يلتف حوله السوريون باختلاف مشاربهم وتوجهاتهم وطوائفهم.

ولكن واشنطن لا تستطيع في الوقت ذاته التعاون مع هذا النظام.

كما أن فاتورة استمراره تبدو باهظة على ضوء إصراره على مهاجمة حلفائها في المعارضة السورية. ولا يمكنها أيضا ضربه تجنبا لرد الفعل الإيراني سواء في سوريا أو العراق. وتحاشيا لإغضاب طهران قبل أو خلال جولة المباحثات الحاسمة حول ملفها النووي.

هكذا تجد واشنطن أنها محاصرة بين خيارات مريرة. والأرجح لكي تجد لها مخرجا أن تكتفي بمواصلة حرب داعش مع تبني استراتيجية مزدوجة مع الأسد تقضي بتجنب مهاجمته مباشرة، مع تجنب التعاون معه في الوقت نفسه، والاكتفاء بإنهاكه واستنزاف قدرات قواته من خلال تكثيف الدعم العسكري للمعارضة. لا يهم بعد ذلك حجم الدماء التي ستراق في هذه اللعبة الشيطانية فتلك اعتبارات إنسانية ليس لها ذكر في القاموس السياسي.