محيط: لندن والموضة الرجالية

د. معروف أحمد معروف –
نكمل حديثنا حول لندن والموضة الرجالية، حيث من المعلوم أن العاصمة البريطانية تحتضن جنسيات متعددة بثقافاتها المتنوعة، فإن كل ما كانت تحتاج إليه في السابق هو المنبر العالمي الذي يتيح لها استعراض قدراتها والتعريف بإمكانياتها، وهو ما انتبهت إليه منظمة الموضة اللندنية، واجتهدت على تحقيقه. وطبعا ساعد على اكتمال الوصفة ونجاحها استعداد بيوت أزياء كبيرة الالتحاق بها، مثل «ألكنسدر ماكوني»، و«توم فورد»، و«برينغل أوف سكوتلند»، وهذا الموسم «بيربيري»، وغيرهم.ونتسأل ما هي جذور الموضة الرجالية؟ وتقول الدراسة التي نشرتها منظمة الموضة والتي تؤكد حق بريطانيا في ريادة الموضة الرجالية عالميا. الدراسة التي قام بها متحف «فيكتوريا أند ألبرت» غاصت في كتب التاريخ ودهاليزه الخفية لاكتشاف البدايات وسر العلاقة التاريخية القوية التي تربط الجنس الخشن في كل أنحاء العالم بما يسمى بالأسلوب الإنجليزي، وكيف أثر عليهم إلى الآن.
ديلان جونز، رئيس الأسبوع الرجالي ورئيس تحرير مجلة «جي كيو» يشرح أن الدراسة «تمنح صورة مثيرة عن تاريخ الموضة الرجالية في بريطانيا، مما يضاعف أهمية هذا الإرث وتأثيره في يوما هذا». فبدلة التويد، والقبعة العالية (الباولر) المفضلة لكل من تشارلي تشابلن ووينستن تشرشل وغيرهما، فضلاً عن حذاء الـ«بروغ» المتميز بثقوب، كلها قطع ارتبطت بالرجل البريطاني أساسا قبل أن يتم تسويقها عالميًا، أحيانًا من خلال الأفلام والروايات الأدبية.
من الأساليب الأخرى التي ولدت هنا، القميص وربطة العنق المطبوعان بالورد، المعطف الخاص بالفروسية، البدلة الصوفية المكونة من ثلاث قطع، معطف المطر، التويد والتارتان وحذاء المطر المصنوع من المطاط «ويلنغتون» إشارة إلى دوق ويلنغتون، وغيرها.
فالدراسة تتقفى تاريخا يعود إلى عام 1528، حيث كانت لندن مركزا ثقافيا وتجاريا مهما منذ ذلك الوقت، حين منح هنري الثامن شركة «ذي كلوك ووركرز» الامتياز الملكي، لتلتحق بمجموعة مرموقة من الشركات وتستطيع تمثيل الجالية اللندنية المكونة من الخياطين وصناع القبعات والأحذية والحرير وغيرها. في عام 1660.
تقول كارين بروثيرو مؤلفة الدراسة إن الأسلوب البريطاني، ولأكثر من 300 عام، منجم لا ينضب من الابتكار والإبداع. وقد أتاح الفضاء الخصب وإمكانية تقديم أزياء لكل الطبقات، من الملوك والأرستقراطيين إلى البوهيميين والمتأنقين، فرصة أكثر للابتكار في هذا المجال، الأمر الذي لا يزال واضحا ومعمولا به إلى الآن. وتضيف أنه يمكن ملاحظة تأثيره في كل مكان: في الشوارع، وعلى منصات عروض الأزياء، وفي محلات الموضة الشعبية، كما في شوارع التفصيل المتخصص والنخبوي.
وتشير إلى أن صناعة الأزياء لم تكن حكرًا على طبقة بعينها، لكن كانت هناك تفاصيل تفرق بينهم. فالأقمشة المترفة والزخرفات الغالية، مثلا، كانت من نصيب الأثرياء فحسب. وفي القرن السادس عشر، صدر قانون يمنع ارتداء المخمل سوى لمن يحصلون على أجر يتعدى 200 جنيه استرليني في العام، والأمر نفسه ينطبق على الحرير الذي كان غاليا لا تقدر عليه إلا شريحة قليلة.
وكان طلب ريتشارد أن يصنع له صديري من الصوف أول خطوة للتشجيع على استعمال الخامات الإنجليزية لدعم صناعة النسيج المحلي، وفي نهاية القرن التاسع عشر، انتعشت صناعة الحرير في لندن، مما شجع على استعماله عوض الصوف إلى جانب البروكار تزامنًا مع تنامي سطوة طبقة جديدة أغلبها من السياسيين. غير أن الملاحظ أن العائلة البريطانية المالكة كانت ولا تزال إلى الآن أكبر دعاية لمفهوم «صنع في بريطانيا» وترسخ الأمر على يد أمير وايلز، إدوارد السابع وبعده جورج الخامس ليصل إلى قمته في عهد إدوارد الثامن.

للتواصل merowmaarouf@yahoo.com