وتر: مســافة

شريفة بنت علي التوبية –
ما رأيك لو نتحول إلى فكرة بها شيء من أرواحنا، وأن نخرج من أجسادنا التي نحرص على منحها الرشاقة فنرهقها أكثر مما أن نريحها، ما رأيك أن نبتعد قليلاً ربما نرى الأشياء أكثر وضوحاً، وتصبح قلوبنا أكثر مصداقية لتسلّمنا للذة الحلم الذي لم نعرفه على واقع ما كنا نشتهيه ومع ذلك نتناوله بحب مزيف، ما رأيك أن نمنح عقولنا حياة حقيقية، وأن نقرأ أكثر وأن نسير في طريق التغيير نحو مجتمع مثقف مدرك لما يحيط به وما يحياه، فما جدوى أن تكون مثقفاً وأنت معاق الفكرة، ما جدوى أن تكون قارئاٍ لمئات الكتب وأنت لا تحرك ساكناً من أفكار قديمة تسكن عقلك، وأن تكون حافظاً لكل نظريات التغيير في العالم ولم تحاول ولم تفكر أن تحاول أن يكون لك حتى أضعف الإيمان في فكرة التغيير في مجتمع بحاجة لمن يأخذ بيده للخروج من عنق الزجاجة بين ما يعتقده وبين ما يؤمن به، ويمارسه لمجرد الاعتياد ولمجرد أن ذلك ما سار عليه آبائنا وعلى نهجهم نسير، فكم من العادات والأخطاء  التي لا نؤمن بها ولكننا نحياها كقناعات ندافع عنها دفاعنا عن أنفسنا وعن كل ما هو لنا، أليس في ذلك شيء من الاستعباد! ما جدوى أن تكون رقماً محسوباً على الخريطة الثقافية كقارئ غير مدرك لمفهوم الثقافة الحقيقي في عالم متحرك بسرعة كبيرة، وغير قادر على تغيير فكرة بالية آن لها أن تتغير، فالثقافة ليس أن تكون متحدثاً بما قرأت ولكن فاعلاً ومحركاً لسير فكرة أتعبها الانتظار، فالفكرة المكتوبة على سطور الورق تنتظر منك أن تمنحها شيء من روحك لتحيا على أن تبقى على هامش واقعك، فكم من الكتاّب الذين وقعوا في فخ ما كتبوا من نظريات وأفكار عظيمة، لكنهم أبعد ما يكونوا عنها، فما الكلمة سوى قناعهم المزخرف، وما كانوا ينتظرون من ذلك سوى أيادٍ تصفق لهم، واسم يشار له بالبنان إليهم، كم من الكتّاب والمثقفين الذين وجد فيهم البسطاء ضالتهم وهم يقرأون ما كتبوا فيرونهم بعين سطورهم، لكنهم ليسوا سوى كلمة فلم يجتهدوا كثيراً لأن يكونوا على قدر ما كتبوا، وما فعلوا شيئاً  ليكونوا على قدر ما قالوا، قبل أن تعد نفسك مثقفاً احسب المسافة بين ما تقرأه وتكتبه، وبين ما أنت عليه.