رسالة التجديد النصفي للكونجرس

عاصم عبد الخالق –

assem@ahram.org.eg –


طوال الأسابيع التي سبقت انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي المقرر لها الرابع من نوفمبر المقبل، تعاملت وسائل الإعلام مع الحدث باعتباره المهرجان المؤجل للاحتفال بفوز الجمهوريين، وإعادة سيطرتهم على مجلس الشيوخ، وإحكام قبضتهم على مجلس النواب. لم يكن السؤال هو من سيحصد الأغلبية: الجمهوريون أم الديمقراطيون، ولكن كان هو كم حجم الأغلبية التي سيحققها الحزب الجمهوري.

لم تستبعد وسائل الإعلام المفاجآت بالطبع، غير أنها بنت ثقتها في فوز الجمهوريين على أساس نتائج عشرات من استطلاعات الرأي أجريت طوال الأسابيع والأشهر الماضية، وأظهرت بوضوح تراجع شعبية الرئيس الديمقراطي باراك اوباما ومعها تآكل شعبية حزبه.


القراءة السياسية لهذه النتائج توضح أن الناخبين سيبلغون اوباما رسالة واضحة عبر هذه الانتخابات مفادها أنهم لا يشعرون بالرضا تجاه اداء إدارته، وليس لديهم ثقة في أنه يقود بلادهم في الاتجاه الصحيح. يشعر المواطن الأمريكي بعد ست سنوات تقريبا من حكم اوباما أنه لم يستطع أن يترجم الكثير من وعوده الانتخابية الى أفعال، وسياسيات محددة وناجحة. وأن شعاره الأثير «نعم نستطيع» بات بلا معنى لأنه لم يستطع أن يفعل الكثير الذي وعد به. الصورة التي تركها اوباما عن نفسه أو ساهم خصومه في ترويجها هي أنه رئيس متردد خاصة عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية.

لم يتدخل اوباما في الأزمات التي اجتاحت أنحاء متفرقة من العالم وفي مقدمتها الشرق الأوسط عندما كان تدخل بلادة مطلوبا ومفيدا وحاسما. ظل مترددا إزاء التعامل مع الأزمة السورية الى أن أجبره تمدد داعش أخيرا على التدخل بسرعة ودون استراتيجية واضحة، وبعد أن أصبح هذا التنظيم خطرا حقيقيا يهدد المنطقة وربما العالم. وعندما كان التدخل الأمريكي ضروريا وفعالا لدعم المعارضة السورية لم يفعل اوباما شيئا، ثم بدأ يتحرك بعد أن تضاءلت فرص النجاح في الاطاحة بالنظام السوري.

أيضا عندما كان تدخله ضروريا لوقف انهيار الأوضاع الأمنية في العراق ووضع حد لسياسات المالكي الطائفية، امتنع عن المساعدة الى أن أنهار الوضع تماما أو أصبح على شفا الانهيار. نفس الأمر فعله في ليبيا بعد أن قادت واشنطن حملة الناتو للإطاحة بنظام القذاقي ثم تركت البلاد نهبا للفوضى والاقتتال الداخلي دون قيادة تحرك دولي لوضع آليات وأسس لنقل السلطة.

ظل التردد هو النهج المسيطر على سياسات اوباما الخارجية ليس فقط في الشرق الأوسط بل في العالم كله من اوكرانيا الى جنوب شرق أسيا وغيرهاحسبما يقول المراقبون. حتى في الداخل الأمريكيي لم يستطع أن يبث الطمأنينة في نفوس الأمريكيين الى أن متاعب الاقتصاد قد انتهت تماما. وبقي الانقسام الحاد حول برنامجه المثير للجدل بشأن الرعاية الصحية، ثم جاء مرض ايبولا ليزيد متاعبه السياسية ويجعل الأمر أكثر صعوبة عليه وعلى حزبه قبل الانتخابات.

كانت استطلاعات الرأي انعكاسا صادقا لحالة عامة من الاستياء والقلق بين الأمريكيين إزاء هذا الأداء. ومن بين عشرات الاستطلاعات التي أجريت ونشرت نتائجها يمكن التوقف أمام واحد منها له دلالة مهمة أجرته مؤسسة راند البحثية المعروفة. يكشف هذا الاستطلاع حجم التراجع في شعبية اوباما داخل قاعدته الانتخابية نفسها، وليس فقط بين الجمهور الأمريكي بشكل عام. ذلك أن لمؤسسة راند ما يعرف باسم لائحة حياة الأمريكيين وهي عبارة عن سجل يضم آلاف الأسماء من أمريكيين صوتوا في الانتخابات الرئاسية في 2012 وبالتالي فإن هذه العينة غير العشوائية توضح (خلافا للاستطلاعات العادية) حجم التغيير الذي طرأ على اتجاهات ناخبين بعينهم لديهم انتماءات محددة ومعروفة سلفا. ومن هنا ترجع أهمية هذا الاستطلاع على نحو خاص.

توضح النتائج التي نشرتها المؤسسة أن 79% فقط ممن صوتوا لصالح اوباما في 2012 سيصوتون يوم 4 نوفمبر لمرشح ديمقراطي وهو ما يعني أن الديمقراطيين خسروا بالفعل 21% من الأصوات التي كانت تعتبر مضمونة بالنسبة لهم. أما الذين صوتوا للمرشح الجمهوري ميت رومني في الانتخابات الرئاسية 2012 فإن 82% منهم سيدعمون المرشحين الجمهوريين في انتخابات التجديد النصفي المقبلة، وهذا يعني أن الجمهوريين لم يخسروا سوى 18% فقط من أصوات قاعدتهم الانتخابية.

الخبر السيئ الآخر للديمقراطيين في هذا الاستطلاع هو أن نسبة إقبال مؤيديهم التقليديين ستنخفض أيضا ولن تزيد عن 77.5% ممن شاركوا في انتخابات 2012 بينما ستبلغ نسبة إقبال المؤيدين للجمهوريين نحو 81.1%.

ثمة ثلاث ملاحظات بعد ذلك لا تخطئها عين في متابعة هذه الانتخابات التي يعتبرها الكثير من المعلقين الأكثر إزعاجا وإرباكا للحزبين من بين كل انتخابات التجديد النصفي التي جرت قبل ذلك.

الملاحظة الأولى هي أنه على الرغم من حالة الاستياء التي يشعر بها المواطن الأمريكي إزاء أداء الحكومة في التعامل مع قضايا العالم، ورغم أن هذا الاستياء سينعكس بالضرورة على موقفه عند التصويت فإن الاقتصاد كان وما زال هو الهاجس الأول للمواطن، والمحدد الأساسي لتوجهاته الانتخابية. هذه الحقيقة تثير قلق الديمقراطيين بلا شك خاصة بعد أن نشرت صحيفة وول ستريت جورنال وشبكة «ان بي سي» نتائج استطلاع في الأسبوع الماضي تشير الى أن ثلثي الناخبين غير راضين عن حالة الاقتصاد، وأن 75% منهم ليسوا على ثقة من أن حياة الجيل المقبل ستكون أفضل حالا.

الملاحظة الثانية هي أن السياسيين الأمريكيين لم يتخلوا حتى الآن عن عادتهم بإثارة فزع المواطنين واللعب على مخاوفهم جذبا لأصواتهم. كان الخوف من الخطر الأحمر أو الدب الروسي أو التهديد النووي هو الفزاعة التي استخدموها في الانتخابات التي جرت طوال سنوات الحرب الباردة. ثم أصبح الخطر الأخضر أو الارهاب القادم من العالم الإسلامي هو الرعب المخيف بعد انهيار الاتحاد السوفييتى. هذه المرة ظهر خطر أضافي جديد هم ايبولا ذلك المرض اللعين المميت الذي تحول الى بند أساسي في المعركة الانتخابية وسبب للشجار والاتهامات المتبادلة بين الحزبين.

بعض الاعلانات ترفع شعارا يقول «ايبولا هنا وداعش هناك» في اشارة الى أن المرض الذي تسلل الى الأراضي الأمريكية هو الأخطر على حياة المواطنين من ذلك التنظيم الإرهابي البعيد.

ويتهم الجمهوريون الإدارة الديمقراطية بالمسؤولية عن انتشار المرض لأنها لم تتبع سياسيات فعالة ووقائية في مرحلة مبكرة، ولم تكافح ظهوره في العالم بطرق فعالة. بينما يرد الديمقراطيون بتحميل خصومهم مسؤولية تفشي الوباء لأنهم اصروا على تخفيض الميزانية العامة بما في ذلك بنود الرعاية الصحية. وهناك إعلان تظهر فيه طواقم طبية ومرضى ومن خلفهم صورة النواب الجمهوريين في الكونجرس يصيحون «تخفيض تخفيض» في اشارة الى تصويتهم باستقطاع بنود الميزانية.

لا يعني هذا بالطبع تراجع التخويف من الإرهاب، ولكن خطر ايبولا فرض نفسه كلاعب جديد في معركة الفزع الانتخابية التي تجري حاليا وفي كل الانتخابات الماضية.

أخيرا تتعلق الملاحظة الثالثة بحجم الانفاق الجنوني في هذا الانتخابات التي يتوقع أن تكون الأكثر تكلفة في تاريخ الولايات المتحدة. وقد نشرت احدى المنظمات المتخصصة دراسة قبل أيام توقعت فيها أن تبلغ تكاليف الانفاق على هذه الانتخابات نحو أربعة مليارات دولار مقابل 3.6 مليار دولار في انتخابات 2010

قد يبدو غريبا بعد ذلك أن يتبادل الحزبان الاتهامات حول عدم فاعلية الحملة ضد ايبولا أو حتى داعش، فنصف هذه المبالغ التي ينفقها الجانبان على الحملات الانتخابية كان يمكن أن تحقق النصر لبلادهما لو تم توجيهها مبكرا لاقتلاع الخطرين معا.