طبعة ثانية من «ضيوف ثقال الظل» للعقيلي

صدر عن «الآن ناشرون وموزعون» الطبعة الثانية من المجموعة القصصية «ضيوف ثقال الظل» للكاتب جعفر العقيلي التي تضم سبع قصص، ومختارات مما كتبه النقاد العرب عن تجربة العقيلي القصصية.

استطاع العقيلي من خلال بناء القصة المحكّ لجهة تنامي الحدث الدرامي واللغة المقتَصَدة، إدخال القارئ في عالم من الفانتازيا الممتعة؛ عالم يجمع بين الحلم والمأمول من جهة، وبين الواقع الضاغط من جهة أخرى، ليشير إلى حالة إنسانية ووجدانية يعيشها البطل وتؤرقه وجودياً وتدفعه للبحث عن الخلاص الذي يتمثل في نهايات غرائبية غير أن فيها رموزاً وإيحاءات دالّة.

تنتهي قصة «الرأس والمرآة» التي تشير إلى حالة الخداع التي يمارسها طرفا العلاقة بعضهما على بعض (رأس البطل، والمرآة)، بأن يغترب البطل عن نفسه فيعرفه الجميع ويرون وجهه غير أنه هو الوحيد الذي يفقد هذه الرؤية ولا يشعر بها. وفي قصة «ضيوف ثقال الظل» يقرر البطل التخلص من دفاتر هواتفه القديمة لتخرج ظلالُ من سكنوها ساعةَ يهمّ بحرقها وتحاصره، وفي «هزائم صغيرة.. هزائم كبيرة» تتجلى هزيمة البطل وفق مستويات عدة؛ هزيمته على الصعيد العاطفي، وهزيمته على صعيد الوضع السياسي المحيط به، وهزيمته بعدم قدرته على التواصل مع أصدقائه الذين يختارون دوماً طريق «اليمين» بينما ينعطف هو باتجاه «اليسار»، وفي هاتين المفردتين الكثير من الدلالات الموحية، والبطل في خضم صراعه الخارجي والداخلي تحاصره الهزيمة وتفقده البوصلة.

وفي قصة «انتصار» فتتجلى هزيمة البطل في فقدانه «الذكورة» والسبب في ذلك هو الحالة النفسية الضاغطة التي يخلقها المجتمع المغلق/القرية، في داخل البطل، لكنه يتغلب على ذلك في النهاية، أما في قصة «ضجيج» فتتعاون المنبهات التي يزرعها البطل في كل زاوية من بيته الجديد/حياته الجديدة، ويتعالى صوتها ليخرجه من بيته ويدفعه لإنهاء قصته (التي يقرؤها المتلقي زمن كتابة الكاتب لها) في المقهى. أما في «نقوش الراحلين» فإن البطل الذي يعود ليتحسس أرواح من سكنوا المكان بعد أن طال الغياب عنه، يجد أن الاسم الذي حفره هو ومحبوبته يوماً تحيط به أسماء كثيرة لعشاق التقوا وتركوا أثراً يدل على أنهم مروا من هنا يوماً. وفي قصة «طقوس» ثمة إدانة لهؤلاء الذين يدّعون الكتابة وفق «طقوس» شكلية وخارجية لا علاقة لها بفعل الإبداع.

قصص العقيلي التي وصفها عدد من النقاد بـ(الحوليات)، تكشف عما تضمره الشخصيات من هواجس وما تعانيه من صراعات خارجية تنعكس على الداخل، وهي تدين المجتمع الغارق في وحل التخلف والجهل.

وفي مقالته التي تتصدر المجموعة، يؤكد القاص والروائي محمود الريماوي أن هذه القصص تكشف عن انشغالات العقيلي وصَنيعِه الفنّي، فهو معنيٌّ بمعالجة ظاهرة الالتحاق بالمدن، وما ينشأ عن ذلك من صدمات شعورية، حتى لو لم تكن القرى الأردنية بعيدة الشقّة عن المدن، وحتى لو لم يكن الريف منغلقاً على عالمه الخاص، مضيفاً أنه وإذ تحتلّ هذه المسألة حيّزاً واسعاً من اهتمامات الكاتب، فإنه ينجح إلى جانب ذلك، في بناء عالم قصصي شديد الثراء والحيوية، ويبرع في المزج بين ما هو واقعي وفوق واقعي دون أن تختلّ سيطرته على أدوات القصّ والتشخيص الحسّي للوقائع، ويتقدّم بعدئذٍ خطوة أخرى في ولوج عالم غرائبي، وذلك انطلاقاً من عالم واقعي، وتأسيساً عليه.