ترجمات : قلق آسيوي من أمريكا

روجر كوهين –

نيويورك تايمز –

ترجمة قاسم مكي –

qmk369@gmail.com


في آسيا، وخارج الصين، يوجد موضوع رازح لا يتغير. إنه الخشية من أن يترك التدهور الذي يشهده نفوذ الولايات المتحدة وصدقيتها والتزاماتها المجالَ مفتوحا لبيجينج كي تمارس هيمنتها على المنطقة. لقد تم التهوين من سياسة أوباما في «الانعطاف نحو آسيا» بوصفها كلاما عن أمر مبكر. إن الأهداف الأمريكية التي يُعلَن عنها من دون أن تترتب على إعلانها نتائج (محسوسة) تكشف عن رئاسة أمريكية ضعيفة. وهذا هو الاستنتاج الذي استخلصه الآسيويون.

هنالك نزوع جديد من الصين واضح وملموس لتأكيد وجودها في بحر الصين الجنوبي وفي سواه. وبالمقابل تبدو الولايات المتحدة أقل اهتماما بالمنطقة منذ مغادرة وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون لمنصبها. ذلك، على الأقل، هو الفهم السائد في سنغافورة والتي هي واحدة من أهم المدن العالمية ودولة تتشكل من جزيرة صغيرة يعتمد نجاحها الاقتصادي الاستثنائي على الاستقرار في آسيا. ومن غير الممكن تصور هذا الاستقرار بدون الدور الأمريكي كَمُوازِن للصين. ولكن الإحساس السائد في سنغافورة هو أن إدارة أوباما انعطفت بعيدا (عن آسيا.) إن سنغافورة مفتونة، مثلها مثل معظم آسيا، بزعامة التغيير الجديدة في الهند المتمثلة في (رئيس الوزراء) ناريندرا مودي.

وما يضاعف افتتانها أنها ترى في مودي نسخة هندية لزعيمها لي كوان يو. أي تراه رجلا يتصف بما يقارب الالتزام السنغافوري بالحداثة والفعالية والتجارة المفتوحة. ويزداد افتتانها (بالتحوُّل في الهند) أضعافا مضاعفة لأنها تبحث عن توازنٍ للقوى في آسيا ولأن الموازن الإقليمي الوحيد للصين في الأجل الطويل هو الهند. ولكن هذا السيناريو بعيد الاحتمال.

فالهند، في كل الجوانب باستثناء ديمقراطيتها (وهي ليست مسألة هينة)، تتخلف بمسافة بعيدة وراء الصين. وفيما تنتظر آسيا ثمار إصلاح (مودي) السحري، فإن وجود الولايات المتحدة كقوة باسيفيكية يظل محتفظا بكل أهميته. إن الهند تركز على داخلها. ونفوذها الدولي هو آخر ما يشغل بالَ عامَّة الهنود. وقد قاد إدراكُ تقهقرِ أمريكا عن دورها في بسط النظام العالمي البلدانَ الصغيرة في آسيا إلى الشعور بالمزيد من الضعف أمام الاندفاعة الصينية الممنهجة إلى الخارج بحثا عن الموارد والهيمنة. لقد اعتمد نجاح سنغافورة على قدرتها على القفز فوق الجغرافيا. ولكنها كانت تملك القدرة على أن تفعل ذلك فقط لأن الجغرافيا لم تكن معادية لها.

وكان يمكنها الاعتماد على حقيقة أن المياه الأجنبية في جوارها ظلت مفتوحة. إن ما حال بين اليابان وبين التسلح النووي الضمانةُ المتمثلة في التزام أمريكا، بموجب معاهدة، بالدفاع عنها. ومن شمال آسيا وإلى جنوبها فإن مثل هذه الافتراضات (الدفاعية) تبدو مهتزة بعض الشيء. لقد كتب رازين سالي، وهو أستاذ مشارك زائر بمدرسة لي كوان يو للسياسات العامة، هذا العام مقالا في صحيفة ستريتس تايمز السنغافورية نقتبس منه ما يلي «إن المدينة العالمية هي المكان الذي تتجمع فيه بحق الخدمات العالمية. ففيها يتم أداء الأعمال (في التمويل والمهن والنقل والاتصالات) بعدة لغات وعدة عملات وعبر عدة نطاقات زمنية وتشريعية. إن مثل هذه الأمكنة تواجه حزمة فريدة من التحديات في أوائل القرن العشرين.

واليوم يبدو أن هنالك خمس مدن عالمية فقط أكبرها لندن ونيويورك. وتليهما هونج كونج ثم سنغافورة، وهما مركزا الخدمات في آسيا، ثم دبي، مركز الشرق الأوسط، وهي الأحدث والأصغر في هذه الزمرة من المدن. إن لدى شنغهاي طموحات في أن تكون مدينة عالمية. ولكن ما يحول دون ذلك القيودُ الاقتصادية التي تفرضها الصين (وهي آثار لاقتصادٍ حكوميٍّ سابق) ونظامُها السياسي اللينيني.

و(تظل طوكيو أكثر تمركزا في اليابان وأبعد كثيرا عن أن تكون مدينة عالمية). – انتهى الاقتباس. ولا يمكن لمدينة عالمية أن تزدهر في بيئة يبدو فيها الاستقرارُ غير مضمون والحرية تتعرض لخطر تقليصها. وهذا يفسر أهمية التزام أمريكا تجاه (استقرار) آسيا مع صعود الصين (ولماذا تؤدي الشكوك حول موقف أمريكا إلى الإحساس بعدم الارتياح). إن المسألة هنا ليست ما بدا من خيبة أمل إزاء التزام إدارة أوباما بعقد اتفاقية شراكة عبر باسيفيكية. وهي اتفاقية تجارة حرة طموحة كان من المقرر أن تضم سنغافورة وفيتنام واليابان وبلدان أخرى.

كما أنها لا تتعلق بواقع أن الولايات المتحدة لم تعد (إلى حد ما) الشريك التجاري الرئيسي لرابطة بلدان جنوب شرق آسيا (الآسيان). والمسألة أيضا ليست، ببساطة، تلك المثابرة التي لا هوادة فيه للمضايقات البحرية للصينيين في محاولة لتثبيت حقوقهم في الموارد الطبيعية في بحر الصين الجنوبي. وهي ليست أن أوباما قدم إجابة شديدة المراوغة لسؤال وُجِّهَ إليه خلال آخر زيارة له إلى آسيا.

وكان أوباما قد سُئِل إذا ما كان قوله بأن الولايات المتحدة ستحمي جزر سينكاكو التي تديرها اليابان (والتي تدعي الصين ملكيتها) يعني المخاطرة برسم « خط أحمر» آخر. وقد رَدَّ أوباما بقوله انه يعتقد أن الدلالة الضمنية للسؤال هي «في كل مرة ينتهك بلدٌ أحد هذه المبادئ ينبغي على الولايات المتحدة الذهاب إلى الحرب أو أن تستعد للتدخل عسكريا وأنها إذا لم تفعل ذلك فإننا، على نحو ما، لسنا جادين بشأن هذه المبادئ. حسنا ليست تلك هي الحال».

إن المسألةَ هي كلُّ هذه الأشياء معا بالإضافة إلى إحساس عام بعدم الارتياح. إن تصريحات مثل «الانعطاف نحو آسيا» ومثل «الخط الأحمر» السوري ومثل «وجوب ذهاب الأسد» تكشف كلها عن خصيصة مشتركة وهي أنها كلمات بلا معنى من رئيس أمريكي والتزامات لا يعقبها فعل وكلام دون خطط. ومثل هذه الأشياء يتم الانتباه لها في آسيا كما في أوروبا.

إن الفكرة الأمريكية لا تزال قوية في آسيا. وعلى المرء «كي يدرك ذلك» ألا يذهب بناظريه أبعد من المتظاهرين المناصرين للديمقراطية في هونج كونج. ولكن الأفكار تتطلب التزاما يسندها.