هل يدفع الكونجرس لعزل الرئيس الأمريكي باراك أوباما ؟

52142أسباب علنية وأخرى سرية -

تقرير: إميل أمين -

هل يكرر التاريخ ما فعله في عام 1972، عندما أرغم الكونجرس الرئيس الأمريكي“ ريتشارد نيكسون “ على الاستقالة بعدما تكشفت فضيحة وترجيت، والتي فيها تجسس الحزب الجمهوري على منافسه الحزب الديمقراطي ؟ ربما تكون الأسباب هذه المرة مختلفة لكن في كل الأحوال فإن الضجيج الذي يملأ واشنطن قد علا صوته وارتفع صخبه بدرجة غير مسبوقة والأصوات كافة تنادي بعزل باراك أوباما.

يعني لنا التساؤل بداية ما هي صلاحيات الرئيس الأمريكي بحسب الدستور الأمريكي ؟ وما هي الأسباب أو المبررات التي يمكن وفقا لها عزل أي رئيس أمريكي من موقعه كأعلى صاحب سلطة لا في بلاده فقط بل في العالم؟.

المعروف أن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الذي يعد أقوى رجل في العالم ليس محصنا وصلاحياته تبقى محدودة بموجب الدستور، لكن الدستور مرن إلى حد كبير ويسمح لكل رئيس بتكييف هذه الصلاحيات مع احتياجاته في أي وقت، وتنص المادة الثانية من الدستور على أن السلطة التنفيذية توكل إلى رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، كما تنص على مدة الولاية أربع سنوات وقائمة بصلاحيات الرئيس.

الرئيس الأمريكي كذلك هو القائد الأعلى للقوات المسلحة ويملك صلاحيات قرار وقف تنفيذ عقوبات والعفو وبإمكانه إبرام معاهدات شرط استشارة مجلس الشيوخ والحصول على موافقة ثلث أعضاء مجلس الشيوخ الحاضرين.

كما يملك الرئيس حق الاعتراض“ الفيتو“ على نصوص القوانين التي يقرها الكونجرس الذي يمكنه مع ذلك تجاوز الفيتو الرئاسي من خلال التصويت بغالبية ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ .

ويمكن عزل الرئيس الأمريكي والسلطة الوحيدة القادرة على فعل ذلك هي مجلس النواب بعد إقرار مجلس الشيوخ في الحالات التالية : الخيانة- الرشوة – الجرائم العالية مثل شهادة الزور، وإساءة استعمال السلطة لمصلحته الخاصة.

وقد صوت مجلس النواب من قبل في تاريخ الولايات المتحدة مرتين على إجراء من هذا النوع بحق رئيس امريكا، مرة ضد الرئيس“ اندرو جونسون” عام 1868، والمرة الثانية ضد الرئيس“ بيل كلينتون” في عام 1998، إلا أن المجلس لم يعزل أيا منهما، وبرأهما حرصا على أهمية مقام الرئاسة الأمريكية حتى وإن كانا مذنبين بالفعل.


جملة من التجاوزات


ما الذي يجري مع أوباما ولماذا تأخذ الأمور منحى سريعا؟

بتاريخ 28 يوليو الماضي كان“ دان فايفر“ احد كبار مساعدي اوباما، وفي حديث له لشبكة CNN الإخبارية الأمريكية يؤكد على أن“ جون بونير“ رئيس مجلس النواب قد فتح الباب من أمام مسالة عزل الرئيس أوباما، وأن الجمهوريين يسعون إلى جمع أصوات كافية لدعم دعوى قضائية تطالب بعزل أوباما من موقعه، ما هي التجاوزات التي أقدم عليها أوباما وتستدعي العزل ؟

الآن هناك أحاديث رسمية رئيسية للعامة، لكن في الوقت نفسه تبقى هناك روايات تدور في الكواليس الخلفية .. ماذا عن ذلك ؟

أما عن الأحاديث الرسمية فتتصل باتخاذ الرئيس الأمريكي العديد من الإجراءات والتصديق على مشاريع قرارات دون الرجوع للكونجرس وهو ما يمثل مخالفة دستورية .

ومن بين تلك التجاوزات ما يتعلق بالرعاية الصحية التي عرفت بـ“ اوباما كير “ وبتقنين أوضاع المهاجرين غير الشرعيين في الولايات المتحدة، كما وقع جدلا واسعا داخل الكونجرس بعدما عقد في وقت سابق من هذا العام صفقة لمبادلة أسير أمريكي في أفغانستان، في مقابل خمسة معتقلين من قيادات حركة طالبان دون إبلاغ الكونجرس أولا، بالإضافة إلى رفع الحد الأدنى لأجور المقاولين الفيدراليين.

وخلال أفكار برعاية صحيفة كريستيان ساينس مونيتور الأسبوع الماضي أشار فايفر إلى أن الأعضاء الجمهوريين في مجلس النواب يتجهون نحو عزل أوباما بسبب خططه لتغيير نظام الهجرة، مقرا أن خطتهم القضائية تستند إلى تجاوز الرئيس سلطته التنفيذية، وانتهاكه سلطة الكونجرس.


تصفية حسابات


هل الأمر مجرد ثأرات شخصية أو حزبية بين الجمهوريين والديمقراطيين أم أن المسالة أعرض من ذلك بكثير؟

محاولة استقراء الأصوات المتعددة التي تطالب بعزل أوباما تكشف لنا أن وراء الأكمة ما وراءها بالفعل. خذ إليك من بين تلك الأصوات المحافظة السابقة لولاية آلاسكا“ سارة بالين“ والمرشحة السابقة لمنصب نائب الرئيس الأمريكي في الانتخابات الرئاسية عام 2008، والتي ترى أن الوقت قد حان لعزل الرئيس أوباما.

وقد أصبح أوباما مرة أخرى هدفا لهجمات بالين بعد طلبه من الكونجرس الحصول على مبلغ إضافي قدره 3.7 مليار دولار لمكافحة الهجرة غير الشرعية.

أما دافيد ديوهيرست نائب حاكم وتكساس الأمريكية فقد دعا من جانبه لعزل أوباما، لما وصفه بـ“ مرواغة “ الرئيس بحقوق المواطنين وحرياتهم على خلفية أزمة الإغلاق الحكومي التي مرت بها أمريكا في عام 2013، بالإضافة إلى قضايا أخرى وأعلن” ديو هيرست “ خلال جلسة لمجموعة حفلة الشاي اليمينية داخل الحزب الجمهوري، جمعت مرشحين لمنصب نائب حاكم الولاية:” أن هذه الانتخابات تهدف لحمايتكم وحماية حقوقكم التي منحها الله لكم“. وأضاف بحسب ما نقلته مجلة تايم الأمريكية عن صحيفة اوبزرفر في تكساس:” هذه الحقوق والحريات يتلاعب بها أوباما الآن، ولا أعلم كيف تنظرون للموضوع، إلا إنني أعلم أن اوباما يجب عزله، وليس فقط لأنه تلاعب بحرياتنا ولكن لان ما قام فيه في بنغازي يعتبر جريمة.

لا يقتصر الأمر على سارة بالين أو ديو هيرست، إذ طالب عدد من نواب الكونجرس بضرورة عزل اوباما ومنهم النائب“ ستيف ستوكمان “ الذي أكد على أن الرئيس اوباما يتمادى في تحديه للحكومة ويواصل تحطيم القيود التي نص عليها الدستور بشأن سلطة الإدارة الأمريكية، والرئيس، مضيفا أنه يستغل سلطاته الدستورية .

وأشار“ ستوكمان “ إلى أن باراك اوباما خرق مرارا أداءه اليمين بالالتزام بالدستور، وتابع أدرس حليا تقديم مواد الاتهام ضد اوباما، وستكون الإقالة هي الملاذ الأخير لوقف الاعتداءات على السلطة الدستورية.

نفس الأمر أقدم عليه السيناتور الجمهوري« دون ويب» الذي دعا في يناير الماضي إلى إقالة الرئيس اوباما لأنه انتهك الدستور ومزج بين سلطته التنفيذية والتشريعية واصفا إياه بأنه لعنة للشعب الأمريكي المحب للحرية.


العسكر في المشهد


على أن الغريب والمثير في شأن إقالة أو عزل اوباما هو ارتفاع أصوات العسكريين الذين اعتادوا النأي بأنفسهم عن صراع السلطات المدنية، ففي بادرة غير متوقعة أطلق جنرال متقاعد بالجيش الأمريكي يدعى “ هيرى ريلي “ فعالية حملة “ ربيع أمريكا لعزل الرئيس اوباما وتجريده من منصبه لدعمه الإرهاب والفوضى في مصر وبلدان عربية أخرى”.

وفي شهر مايو الماضي نظم ضباط أمريكيون في واشنطن مسيرة احتجاجية هي الأولى في سلسلة الاحتجاجات المزمع قيامها ضد سياسات البيت الأبيض، وهتف المشاركون بشعارات تقول: اعتقال اوباما أو اوباما خسر، وتتمثل المطالب الرئيسية للمتظاهرين في استقالة الرئيس اوباما ونائبه بايدن، والمدعي العام الأمريكي، وإغلاق جميع القواعد العسكرية الأمريكية في الخارج، من جهة أخرى يعد منظمو الاحتجاجات وهم من الضباط المتقاعدين، بأن الربيع الأمريكي سيجتاح البلاد وسوف يشارك فيه 30 مليون شخص.

لم يسلم اوباما كذلك من نقد لاذع وجه إليه من قبل نائب الرئيس الأمريكي السابق“ ديك تشيني“ الذي تولى منصبه خلال حقبة الرئيس السابق جورج بوش، فقد شن تشيني هجوما لاذعا على اوباما معتبرا إياه أسوا من حكم أمريكا، وحمله مع رئيس الوزراء العراقي نور المالكي، المسؤولية بشأن الفشل في العراق.


وما خفي أعظم


يثور في هذه الأثناء تساؤل جوهري هل ما تقدم ،هي الأسباب التي تدعو مجلس النواب للبحث في مسالة إقالة أو عزل اوباما؟

يبدو في واقع الأمر أن هناك ملفات أخرى غير ظاهرة للعيان، وفي مقدمتها علاقة اوباما المتهرئة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي النافذ في واشنطن منذ زمن طويل “ بنيامين نتانياهو “ والمدخل هنا هو المحاولات الأمريكية المستمرة لإحداث ضغط على حكومة نتانياهو من اجل القبول بتسوية سلمية مع الفلسطينيين، حمل لواءها جون كيري، وقد تعقد المشهد بصورة كبيرة لاحقا، بعد الهجوم الإسرائيلي على غزة، ومحاولات اوباما إجبار إسرائيل على وقف إطلاق النار..

والسؤال هنا هل يكرر نتانياهو مع اوباما ما فعله في نهاية التسعينات مع إدارة الرئيس بيل كلينتون وإحداث فضيحة مونيكا جيت لا تزال تملأ الأفاق بعد محاولات كلينتون الضغط على نتانياهو للقبول بتسوية ويومها هدد نتانياهو كلينتون بقوله سأشعل لك واشنطن وأشعلها بالفعل بالفضيحة التي كادت تعزله من منصبه؟

و المؤكد أن إسرائيل تتحدى رغبة الرئيس الأمريكي باراك اوباما شخصيا، ولا تناهض السياسات الأمريكية الثابتة تجاه القضية الفلسطينية ويعلم المتطرفون في إسرائيل وعلى رأسهم الخبير في التأثير الإسرائيلي داخل مؤسسات الحكم الأمريكية أن ثمة فروق كبيرة بين هيبة الولايات المتحدة التي تعكسها المؤسستان البنتاجون والتشريعية الكونجرس وهيبة البيت الأبيض والتي غالبا ما تتغير وتتبدل كل أربع سنوات ما بين رئيس قوي وآخر ضعيف ديمقراطي أو جمهوري وهذه المرة اسود وابيض .

وعلى العكس من العلاقة مع الرئاسة الأمريكية فإن علاقات إسرائيل بكل من البنتاجون والكونجرس هي علاقات تشهد ازدهارا واضحا حتى وكأن إسرائيل نجحت في تعميق هوة بين المؤسسات الأمريكية الثلاث فاختارت الأقوى لتطيعه بينما تعمل بنشاط لعزل الرئاسة الأمريكية ووضعها في الحضيض.

والثابت أن تعهد اوباما الرئاسي في خطابه الرئاسي الأول لدى تنصيبه عام 2008، بأن تبقى القدس عاصمة موحدة لإسرائيل، يبدو انه لم يشفع عند نتانياهو الذي يعمل بقوة على تسويف الوقت، واختلاق المشاكل للهروب من آية استحقاقات حقيقية للسلام في المنطقة، وحال ضغوطات اوباما فكان ولابد من تحريك العصا السحرية المتمثلة في اللوبي اليهودي الداخلي في الولايات المتحدة، وفي الكونجرس لشل أيادي اوباما وتكبيلها تماما كما جرى الأمر مع بيل كلينتون من قبل .

سبب أخر كامن في الخبايا ويبدو أن لا احد في واشنطن يريد الحديث عنه يتعلق فيما جرى في بنغازي من اغتيال للسفير الأمريكي هناك والاعتداء على القنصلية الأمريكية، والملاحظ مؤخرا أن الصحافة الأمريكية قد بدأت في فتح هذا الملف من جديد، والعمل على بسط الحقائق كاملة، ويبدو أن فيها الكثير الذي سيتسبب في إلقاء اللوم الكبير على تقصير البيت الأبيض واوباما شخصيا إلى حد الإدانة والتجريم. سبب ثالث ويحتاج إلى قراءة مطولة بشأنه يتمثل في علاقة باراك اوباما بتيار الإسلام السياسي في دول ما عرف باسم الربيع العربي، لاسيما مصر، وهناك في الخفية معلومات عن اتصالات جرت بين اوباما والإخوان المسلمين المصريين ما أطلق علي البعض اسم “ إخوان – جيت “ ناهيك عن أحاديث خطيرة للغاية عن اختراق الإخوان للبيت الأبيض في زمن اوباما، ما اخل بمقتضيات الأمن القومي الأمريكي، ناهيك عن إضعاف نفوذها في منطقة الشرق الأوسط لعقود قادمة، وهي قضية كسابقتها ربما تتطلب مقالة تحليلية شاملة وعريضة عما قريب.


أوباما الى أين؟


والسؤال الآن في نهاية هذه القراءة السريعة : ما هو حال اوباما ووضعه في عيون شعبه ؟

هناك إجابات مطولة في هذا السياق، لكن احدث استطلاع رأي ظهرت نتائجه في 3 يوليو الماضي، أجراه معهد الاستطلاع في جامعة “ كوينيبياك” أشار إلى أن اوباما أسوأ رئيس أمريكي منذ الحرب الثانية بنسبة 33% مقابل 28% لجورج دبليو بوش، فيما قال 45% من المستطلعين أن أمريكا كانت لتكون أفضل لو فاز الجمهوري ميت رومني في الانتخابات الرئاسية في 2012 .. ماذا يعين ذلك؟

ربما يعني أن الأمريكيين يمكن أن يتقبلوا فكرة عزل أو إقالة اوباما، لكن شرط أن تظهر في الأفق أدلة إدانة قوية وجديدة، أكثر من التهم الموجهة إليها، لاسيما ما يتعلق بالأمن القومي الأمريكي، أي حادثة بنغازي أو علاقته بالإخوان المسلمين والليالي حبلى بالمفاجآت تلدن كل عجيب.