خطط عمل دولية لوقف التدهور المتصاعد للتربة على الصعيد العالمي

للأجيال القادمة أن تحصل على كفايتها من إمدادات الغذاء والمياه والطاقة والمواد الخام -

حذر خبراء ومندوبون حكوميون في اجتماع بمقر منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) من أن ثمة ضرورة عاجلة لاتخاذ إجراءات تُعنى بتحسين صحة موارد التربة المحدودة في العالم ووقف التدهور المتفاقم للأراضي، لتحصل الأجيال القادمة على ما يكفيها من إمدادات الغذاء والمياه والطاقة والموادالخام.

وأيدت الشراكة العالمية للتربة (GSP)، والتي تضم مجموعة واسعة من أصحاب المصالح الحكومية وغير الحكومية، سلسلة من خطط العمل في مؤتمرها العام بمقر منظمة «فاو» في روما الأسبوع الماضي لحماية موارد التربة التي توفر الأساس للإنتاج الزراعي العالمي.

وتشمل التوصيات الصادرة عن مؤتمر”الشراكة العالمية” تنفيذ جملة تنظيمات قوية ورصد استثمارات موازية لها من قبل الحكومات، ضماناً للإدارة المستدامة للتربة وعلى نحو يساهم بفعالية في القضاء على الجوع وانعدام الأمن الغذائي والفقر.

وقالت الخبيرة ماريا هيلينا سيميدو، نائب المدير العام لمنظمة «الفاو»، أن «التربة هي الأساس لإنتاج الغذاء والأعلاف والوقود والألياف… وبدونها لا يمكننا أن نضمن الحياة على وجه الأرض؛ وحيثما تُفقَد التربة لا يمكن تجديدها وفق جدول زمني بشري، ولذا فإن تصاعد المعدل الحالي لتدهور التربة يهدد قدرة الأجيال المقبلة على تلبية احتياجاتها».

وأضافت: وهذا هو الدافع وراء إقرار خطط العمل العالمية للاستخدام المستدام للتربة وحمايتها كإنجاز رئيسي.

لكننا لا يمكن أن نتوقف هنا، ونحتاج إلى التزامات من البلدان والمجتمع المدني بغية تحويل المخططات إلى إجراءات.

وهذا يتطلب إرادة سياسية واستثمارات لإنقاذ موارد التربة الثمينة التي يعتمد عليها جل إنتاجنا من الغذاء».


التربة يسهل خسارتها، ويصعب استعادتها


وحذر الخبراء في الاجتماع الذي استمر ثلاثة أيام من أن نطاق التربة المنتجة في العالم محدود، وتواجه التربة ضغوطاً متصاعدة بفعل مختلف الاستخدامات مثل زراعة المحاصيل، وأنشطة التحريج في الغابات، والمراعي الحيوانية بشتى أشكالها، والتوسع الحضري، وكذلك إنتاج الطاقة، واستخراج المعادن.

وتمثل التربة مالا يقل عن ربع التنوع البيولوجي الحيوي على الصعيد العالمي، وتلعب دوراً رئيسياً في توفير إمدادات المياه النقية ودعم القدرة على التكيف المرن لأحداث الفيضانات والجفاف.

وتعتمد الحياة النباتية والحيوانية اعتماداً حاسماً على إعادة تدوير المغذيات الأساسية من خلال العمليات الطبيعية للتربة.


الضغوط السكانية


بينما تتيح بعض أجزاء من إفريقيا وأمريكا الجنوبية مجالاً ممكناً للتوسع الزراعي وفقاً لمنظمة «فاو»، إلا إن النمو السكاني العالمي المتوقع أن يتجاوز 9 مليارات نسمة بحلول عام 2050 (مما سيؤدي إلى زيادات نسبتها 60 بالمائة في الطلب على الغذاء والعلف والألياف) سوف يلقي بمزيد من الضغوط على موارد التربة المتاحة وفيما يفوق التوقعات المقدّرة.

ويعاني نحو 33 بالمائة من رقعة التربة الكلية تدهوراً يتراوح من «المعتدل إلى الحاد» بسبب التلوث العام، والتآكل، ونضوب المغذيات، والحموضة، والملوحة، والتدمّك، والإجهاد، والتلوث الكيميائي.

وتنعكس الأضرار التي تلحق بالتربة على سبل المعيشة، وخدمات النظم الايكولوجية، والأمن الغذائي، ورفاهية الإنسان سواء بسواء.

وإذ تتأثر التربة بتغير المناخ، يمكن أن تؤدي أيضاً إلى تفاقم سياقه الجاري. وعلى سبيل المثال، يمكن للإدارة المستدامة لموارد التربة أن تؤثر إيجابياً على تغير المناخ من خلال امتصاص الكربون والحد من انبعاث غازات الاحتباس الحراري، وكذلك من خلال التخفيف من سياق التصحر الجاري في بعض المناطق.


نحو اتجاه معاكس


وتشدد الشراكة العالمية للتربة، التي تضم مجموعة واسعة من أصحاب المصالح الحكومية وغير الحكومية المعنية تحت إشراف منظمة «فاو»، على الحاجة المتزايدة من جانب الحكومات للحفاظ على التربة وتخصيص الاستثمارات اللازمة لها. وبهذا الهدف بالذات أُعلِن عن إنشاء مرفق جديد لسلامة التربة والحفاظ عليها.

وقرر مجتمع التربة العالمي إرساء برامج دولية لتعزيز الإدارة المستدامة للأراضي، وحفظ التربة واستصلاحها. وينبغي أن تستند التدخلات إلى تطبيق تكنولوجيات ملائمة وسياسات مستدامة وشاملة للأطراف بحيث تضمن المشاركة المباشرة من جانب المجتمعات المحلية في الإجراءات اللازمة لصون التربة. وعلى وجه التحديد، ثمة حاجة واضحة إلى منح الأولوية لحماية أنواع التربة العضوية الغنية بالكربون وإدارتها، ولا سيما أراضي الخث ومناطق الجليد الدائم. وسيجري إنشاء نظام معلومات عالمي للتربة لقياس التقدم المحرز وتقدير حالة موارد التربة. وعلى اعتبار أن ثمة حاجة ملحة إلى التوعية والتثقيف والإرشاد في مجال التربة، فمن المقرر تنفيذ برنامج خاص لتنمية القدرات في هذا المجال. والمنتظر أيضاً أن يصدر تقرير لحالة موارد التربة العالمية، للمرة الأولى كدراسة رائدة، في 5 ديسمبرعام 2015.

وأسمت الأمم المتحدة تاريخ 5 ديسمبر يوماً عالمياً للتربة، وعام 2015 سنة دولية للتربة.


حقائق أساسية


في إفريقيا، يحتمل أن يصلح مايقرب من 30 بالمائة من الأراضي للزراعة، لكن تآكل التربة ونضوب المغذيات لم تنفك تستنزف موارد هذه الرقعة.

ففي الصومال مثلاً، يصلح للاستزراع الفوري 1,8 بالمائة فقط من الأراضي، لكن فقد التربة بفعل التآكل الحثيث في بعض المناطق يتجاوز 140 طنا لكل هكتار في السنة.

وفي أمريكا اللاتينية، يقدر أن التربة الطبيعية القادرة على الزراعة المكثفة تحتل 25% من رقعة القارة. لكن تدهور التربة ما زال يشكل تحدياً رئيسياً في الإقليم.

ومنذ القرن 19، تناقص ما يقدر بنحو 60 بالمائة من الكربون المختزن في التربة والغطاء النباتي نتيجة التغيرات في استخدام التربة، مثل تطهير الأراضي للزراعة والمدن.

ويحتوي المتر الأول من التربة الطينية المنخفضة النشاط (كنموذج لأغلبية مناطق التربة في المرتفعات بالمناطق المدارية الرطبة وشبه الرطبة) على نحو 185 جيجاطن من الكربون العضوي -وهي ضعف كمية الكربون العضوي المختزن في الغطاء النباتي لإقليم الأمازون. ومن خلال الممارسات وإدارة التربة غير المستدامة، من الممكن أن ينطلق هذا الكربون إلى الغلاف الجوي، فيما سيفاقم من ظاهرة الاحتباس الحراري. ويضاهي انطلاق 0.1 بالمائة فقط من الكربون المحتبس في التربة بأوروبا مثلاً، انبعاث عوادم غازية من 100 مليون سيارة بصفة سنوية.

من جانبها اعتمدت هيئة الدستور الغذائي التي تشكل جهاز الأمم المتحدة المختص بالمعايير الغذائية، مؤخرا جملة معايير جديدة لحماية صحة المستهلك في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الحدود القصوى للمستويات المأمونة من الرصاص في حليب الأطفال والزرنيخ في الأرز.

وتتولى هيئة الدستور الغذائي المشتركة بين منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (FAO) ومنظمة الصحة العالمية (WHO)، تحديد المعايير الدولية لسلامة الأغذية وجودتها، في خدمة غذاء أكثر مأمونية وأعلى من حيث القيمة الغذائية للمستهلكين في جميع أنحاء العالم. ويتخذ من مواصفات الدستور الغذائي في كثير من الحالات أساساً للتشريعات الوطنية، ومقاييس مرجعية للسلامة في التجارة الدولية للأغذية. وحضر الاجتماع السنوي الأسبوع الماضي ممثلون عن 170 بلداً إلى جانب الاتحاد الأوروبي، فضلا عن 30 من المنظمات الحكومية الدولية والمنظمات غير الحكومية.

واعتمدت هيئة الدستور الغذائي توصية بعدم السماح بأكثر من 0.01 مليجرام لكل كيلوجرام (ملجم / كجم) من الرصاص، في حليب الرضع المستهلك في الأسواق.

ويتعرض الرضع والأطفال الصغار خصوصاً لأشد الآثار السامة من الرصاص، ويمكن أن يعانوا من أضرار بالغة ودائمة وبخاصة التأثير على تطور المخ والجهاز العصبي، وهو ما يمكن أن يقلل من قدرتهم على التعلم. ويتواجد الرصاص في البيئة طبيعياً، ويمكن العثور على كميات ضئيلة منه في نهاية المطاف في المكونات المستخدمة في إنتاج حليب الرضع.

ويمكن التحكم في مستويات الرصاص في حليب الرضع عن طريق حصر استقدام المواد الخام المنتجة له من المناطق التي يقل فيها الرصاص.


الزرنيخ في الأرز


وللمرة الأولى، اعتمدت هيئة الدستور الغذائي حداً أقصى لمادة الزرنيخ في الأرز بما لا يتجاوز 0.2 ملجم/كجم.

والتعرض على المدى الطويل للزرنيخ في مياه الشرب والمواد الغذائية يسبب سرطان الجلد وأورام جلدية.

كما يرتبط الزرنيخ بآثار سلبية على النمو، وأمراض القلب، والسكري، وتلف الجهاز العصبي، والدماغ. ويتواجد الزرنيخ كعنصر طبيعي في قشرة كوكب الأرض، ويدخل في أغذية عديدة من خلال الامتصاص من التربة والماء. ويمكن أن يدخل هذا العنصر السام إلى السلسلة الغذائية بامتصاصه في المحاصيل من المياه والتربة.

وقد يمتص الأرز على وجه الخصوص كميات من الزرنيخ تفوق المحاصيل الأخرى، وباعتباره غذاء أساسياً للملايين يمكن أن يساهم إلى حد كبير في التعرض إلى الزرنيخ، وهو مادة ضارة بصحة الإنسان.

ويعد التلوث بالزرنيخ في الأرز مصدر قلق على نحو خاص لدى بعض البلدان الآسيوية، حيث تروى حقول الأرز بالمياه الجوفية المحتوية على رواسب غنية بالزرنيخ وتضخ من تلك الآبار الضحلة. ويمكن أن يساعد تحسين الري والممارسات الزراعية في الحد من التلوث بالزرنيخ، على سبيل المثال من خلال زراعة المحاصيل فوق طبقات مرفوعة فوق السطح بدلاً من الحقول المغمورة بالمياه.

ووافقت الهيئة أيضاً على استصدار مدونة جديدة للممارسات من شأنها أن تساعد البلدان على الامتثال لأقصى المستويات المحددة بهذا الشأن، وتعريف المنتجين بالتقنيات الزراعية وأساليب التصنيع الجيدة لمنع التلوث الزرنيخي والحد من كمياته.


العقاقير البيطرية


وأوصت هيئة الدستور الغذائي بتقييد استخدام بعض العقاقير البيطرية في الحيوانات المنتجة للغذاء، منعاً لتواصل بقاء مخلفات من هذه العقاقير في منتجات اللحوم، والحليب، والبيض أو العسل.

ويمكن أن يكون لعدد من العقافير بما في ذلك مضادات الجراثيم ومنشطات النمو، آثار ضارة على صحة الإنسان وقد تساهم في تطوير مقاومة لمفعول العقاقير.


تدابير أخرى


واتفقت البلدان أيضاً على المستويات القصوى من مخلفات مبيدات الآفات والإضافات إلى الأغذية، وكذلك المستويات القصوى من الملوثات، بما في ذلك السموم المعروفة باسم الفوموزينات (fumonisins) ، ويفرزها نمو العفن في الذرة. وتشمل التدابير الأخرى معايير للسلامة والجودة لأغذية مثل المحار المروحي النيئ (الأسقلوب)، وفاكهة زهرة الألام، والدوريان، والباميا.


إجراءات مطلوبة مستقبلاً


وقررت البلدان طرح مجموعة من المواضيع لتطويرها مستقبلاً، بما في ذلك وضع معايير للفلفل الأسود والأبيض والأخضر وللكمون والزعتر، والنمام والثوم، وتحديد مستويات قصوى لعنصر الكادميوم في الشوكولاته والمنتجات المشتقة من الكاكاو. وناقشت الهيئة أيضاً الحاجة إلى تحديد معايير من قبل الدستور للأغذية الجاهزة للتناول في حالة الأطفال المصابين بسوء التغذية، بناء على اقتراح من صندوق الأمم المتحدة لرعاية الطفولة (اليونيسيف)، ولضمان سلامة وجودة هذه الأغذية. وقررت هيئة الدستور الغذائي متابعة هذا النقاش في إطار لجنتها المعنية بالتغذية والأغذية للاستخدامات الخاصة بالحمية.