د. ناصر الندابي -
الحكيم سليم النفس مرتاح الضمير، فهو لم يصل إلى الحكمة إلا حين استمدها من الحكيم العزيز، الذي أبدع بحكمته هذا الكون، و” أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ” (السجدة: 6) فهو جزء من هذا الإبداع، وحكمته قبس من نور حكمة السميع العليم، الذي منّ على عباده باستخدام هذه الصفة والتلقب بها.
فهل بصرتم ملكا من البشر يتنازل عن ألقابه ويسمح باستخدامها؟!!
ومن تاريخنا العماني يتبين لنا هذا الأمر، فيروى عن الإمام سلطان بن سيف اليعربي أنه كان كريم الخصال وحسن الأخلاق، فمما يروى من حسن أخلاقه أنه كان يحب الخيل ولم يرض أن تعطى شيء من الطعام إلا مع حضوره خوفا أن لا تعطى ما يكفيها.
فدخل شهر رمضان في بعض السنين فكلما صلى العشاء، بدأ بإطعام الخيل قبل نفسه فيقف إلى أن تطعم الخيل بما يكفيها، فيطلع إلى الحصن مع زوجاته، وأهل بيته وكان قبل شهر رمضان يأكل كل يوم مع نسوة من نسائه فجزعت تلك النسوة وغضبت منه حين لم يصل إليها بعد المغرب للفطور، وكانت تقول كل واحدة منهن أنه أكل مع غيري من نسائه وهو لم يتكلم ولم يقل شيئا إلى أن مضى شهر رمضان وبقي يأكل من التمر الذي يعطى منه الخيل، فلما أن مضى شهر رمضان ذكر لبعض نسائه مع محاورته لهن فيما بينهما من الكلام كيف تمنعين عني الطعام طول شهر رمضان فقالت: كل واحدة منهن ظننتك تأكل مع غيري من نسائك فقال: لحرمة شهر رمضان لا أريد أن أدخل على أحد تملكه يدي ونفسي إلا بالسرور والبشرى والرفق وحسن السيرة.
ومما يروى أيضا في هذا الشأن كذلك أن بعض الناس الجهلة قام بتسميم بعض النخيل التي يمتلكها الشيخ سعود بن أحمد الإسحاقي، وكانت من أجود أنواع النخيل في ذلك الوقت، فطلب منه الناس أن يشتكي إلى الإمام محمدبن عبدالله الخليلي لكنه رفض قائلا: من فعل ذلك لن يضر إلا نفسه ولو جاءني معتذرا لعفوت عنه، وكان يردد كثيرا:”كانت عدما فأصبحت عدما” وبعد فترة جاء أحد العلماء لزيارة الإمام الرضي محمد بن عبدالله الخليلي فقال له: أنت إمام المسلمين، وقد تركت نزوى، قال له الإمام: وكيف تركت نزوى. فقال: تم تسميم نخيل الشيخ سعود الإسحاقي ولم تحرك ساكنا، قال الإمام: الشيخ سعود أكرم وأحلم منكم يأتي كل يوم وما ذكر لي ذلك.