ماذا ننتظر يا عرب ؟

أمين محمد أمين –

مدير تحرير الأهرام –

هل نحن كأمة عربية مجرد تجمع جغرافي يجمعنا من المحيط إلى الخليج؟ أم أننا أمة ذات رسالة خالدة تجمعنا العديد من الصفات والمميزات الايجابية من وحدة لغة عربية وعادات وتقاليد وثقافة مشتركة تؤهلنا للمزيد من التعاون والاتحاد والوحدة التي حققتها بكل أسف شعوب لا تجمعها لغة مشتركة ومزقتها الحرب العالمية وفرقتها القوي الكبرى، ورغم ذلك من أجل مصالح شعوبها.

والأهم حرصها على البقاء والنمو طوت صفحات خلافاتها العميقة واتجهت الى تعاون المصالح الأوروبية المشتركة، والذي بدأ بالفحم واستمر ينمو الى قيام الاتحاد الأوروبي الذي ينمو يوما بعد يوم كقوة اقتصادية انصهرت عليها جميع الخلافات السياسية والاجتماعية والثقافية وطوت معها صفحات الماضي الأليم، بخلافاته التاريخية والدينية والعقائدية وصراعات الأقليات وغيرها واتجهت إلى تعظيم الايجابيات والعوامل المشتركة، رغم قلتها من أجل بناء حاضرها ومستقبل شعوبها والأهم البقاء بقوة في عالم تتحكم في مقدراته الدول الكبرى التي أصبحت تتعامل معها بندية الأقوياء.نماذج تعاون المصالح الناجحة متعددة في العالم من النمور الأسيوية إلى العملاق الصيني والهند، ولكنها بكل أسف تجمدت بل وتنهار تدريجيا في عالمنا العربي بما يهدد دول وشعوب المنطقة بالتمزق من خلال مؤامرات الاستعمار عن بعد وحروب قتل الذات العربية بأيدي أبنائها المضللين والمتسترين تحت عباءة الدين بعد نجاح قوي الشر في إحياء واستثمار الخلافات الدينية والمذهبية والعقائدية والعرقية القديمة والتاريخية بالمنطقة إلى جانب أخطاء وخطايا عدد من حكام المنطقة الجمهوريين الذين تمسكوا بالحكم الديكتاتوري لسنوات طويلة وحولوها إلي جمهوريات ملكية وراثية لأبنائهم وأحفادهم والأخطر هو دعمهم لجماعات ومتطرفي وإرهابيي جماعات الإسلام السياسي، ومهادنهم من أجل إشغالهم وإبعاد أخطارهم عنها، وفي نفس الوقت دعمهم في القضاء على الدول المدنية بالمنطقة وتقسيمها إلى دويلات متنازعة ومتصارعة ليسهل السيطرة عليها والأهم هو سهولة انضمامها إلى ما خطط له ويتم تنفيذه بإصرار غريب من قوى الشر الكبرى التي تريد ثروات المنطقة المتعددة واستغلال موقعها الاستراتيجي ولا تريد شعوبها الحرة المستقلة بعد نجاحها في التخلص من جحافل الاستعمار العسكري القديم، ولكن بعد الغزو الأمريكي للعراق والخسائر التي لحقت بأكبر قوة عسكرية في العلم وأهمها البشرية كان لابد من الاتجاه إلى الحروب عن بعد وتحقيق أهداف قوي الشر بأيدي متطرفي وإرهابيي أبناء المنطقة الذين تم استغلالهم تحت ستار الدين الإسلامي من المجاهدين العرب في حرب القضاء على الاتحاد السوفييتي الملحد بأفغانستان وتم التخلي عنهم بعد الحرب وتحقيق أهداف الآخر، وانفراده بقيادة العالم مما أدى إلى انقلابه وإعلانه الحرب العالمية ضد إرهاب القاعدة وزعيمها بن لادن، ورغم لغز اغتياله أمريكيا وإلقاء جثته في المحيط إلا أن القاعدة لم تنته بل تولدت عنها العديد من التنظيمات الإرهابية المتطرفة، إلى جانب التنظيمات القائمة وفي مقدمتها الإخوان المسلمون وغيرها التي وجدت الدعم الخارجي والبيئة المناسبة لتحقيق أهداف الآخر بينما هي تسعى لإقامة دولة الخلافة الدينية السلفية الجهادية.

ومع اختلاط السياسة بالدين وصراع القوى الإقليمية على قيادة المنطقة، التي تخطط قوى الشر الكبرى لأن تكون لها السيطرة واليد الطولى في المنطقة بعد تصفية قابيل السني لأخيه هابيل الشيعي، ومن قبلهم قتل المواطن لشقيقه المواطن في دولة المواطنة لخلافات تاريخية ودينية لا تغني ولا تشفي من جوع والنتيجة بحور الدماء العربية التي تُسال يوميا في غالبية أقطارنا من فلسطين الجريح منذ الأربعينيات ولم ننجح في تحريره وإقامة دولته المستقلة بالحروب والمفاوضات التي دخلت ثلاجة التاريخ بعد تراجع قضية العرب الأولى نتيجة بروز قضايا جديدة وخلافات أبنائها المستمر إلى الآن على مناصب ومغانم دولة لم تقم والنتيجة متاجرة القيادات بالقضية وبدماء الأبرياء وصمود أقدم لاجئ في التاريخ الحديث ومن مؤامرات الحروب التي خاضتها الأمة العربية في 48 و67 و56 و73 التي كان الانتصار العربي فيها نقطة فاصلة في المواجهة مع الغرب بعد نجاح استخدام العرب لسلاح النفط بكفاءة نتيجة توحد المواقف العربية في أروع نموذج للتكاتف العربي وقت الشدة الذي لم يستثمر بكل أسف بعد ذلك نتيجة عوامل متعددة)، وتتوالى مؤامرات الهدم الذاتي للأمة العربية وإهلاك قدراتها البشرية والمادية في الحرب العراقية الإيرانية التي انتهت بلا غالب ولا مغلوب ولكنها ساعدت على إحياء الخلافات السنية الشيعية في المنطقة والتي تجسدت حاليا علي أرض بلاد الرافدين العراق والعديد من دول المنطقة التي ظلت دولها على مدى تاريخها مثل العديد من دول العلم يعيش على أرضها في تجانس مختلف الديانات والمذاهب والأطياف والأقليات ولكن مع إصرار إسرائيل على أن تكون دولة عنصرية يهودية كان لا بد أن تحذو حذوها دول المنطقة وتقسم إلى دويلات سنية وشيعية وزيدية وأشورية وكردية ومسيحية وهكذا يتم إلغاء الدولة القطرية من على الخريطة وتقسم إلى دويلات متصارعة وهو المخطط الذي قامت عليه مؤامرة الربيع العربي الذي تحول بعد أكثر من ثلاث سنوات إلى الخريف الدموي من العراق لسوريا إلى ليبيا لليمن لمصر لتونس إلى السودان للصومال إلي غالبية الدول العربية لا تخلو دولة من التهديدات الإرهابية النائمة والقائمة لتنفيذ مخطط التدمير الذاتي للأمة العربية بدءا من الخلافات الدينية وفتنها، كما حدث في مصر بين قلة من مسلميها ومسيحييها أبناء الوطن الواحد الذين نجحوا في إخمادها خلال ثورة 19 باتحاد الهلال المسلم مع الصليب المسيحي رافعين الشعار ( الدين لله والوطن للجميع)، الذي يجب أن نتمسك به جميعا لإنقاذ أوطنا من مخاطر وشرور ظاهرة ودعاوى التطرف الديني إلى انتشار ثالوث الفقر والجهل والمرض وغياب برامج التنمية الشاملة في العديد من أوطاننا التي تملك ثروات متعددة ولكن تم إهدارها ولم ننجح في بناء الإنسان العربي المواكب لتطورات العصر والتقدم في العصر الحديث الذي يقفز بقوة نحو الرفاهية العلمية والتكنولوجية التي كنا كعرب أول صانعيها وقدمناها للعالم بكل سماحة للاستفادة منها خلال الفتوحات الإسلامية السلمية وللأسف لم نستفد منها ولم نطورها وما نزال نعيش على ذكرى إنجازات علمائنا وتاريخنا القديم .

الصورة المأسوية التي نعيشها كأمة عربية من مسلسل التدمير المستمر لدول وشعوب المنطقة والمجسد حاليا في العراق وسوريا خاصة من تنامي مخاطر الفزاعة الأمريكية الجديدة دولة الخلافة الإسلامية في العراق والشام – داعش – التي اختصرت وعرفت بداعش لتضم لها بعد ذلك الحروف الأولى من الدول التي تغزوها وهو ما نشره بعض عملائها من اختراقها لمصر من خلال سيناء والتهديد بذبح جنود وضباط القوات المسلحة والشرطة المصرية عقابا لهم علي انحيازهم لإرادة الشعب وحماية مصر من أن تلقي مصير باقي دول الخريف العربي وأعلنوا أن تنظيمهم (داعش) في مصر مع استمرار تهديداتهم لقتل «المنافقين المتحولين من أشقائهم العرب» على حد زعمهم، بينما قتالهم للصهاينة لم تنص عليه عقيدتهم وهو خارج اهتماماتهم. صراعات وحروب عربية – عربية في كل مكان بالتخطيط والتمويل الخارجي والتنفيذ العربي بعد نجاحهم في أن نكون القاتل والمقتول والقاضي والجلاد ليس من أجل صالحنا ولكن لصالح القضاء علينا بالتدريج من المحيط للخليج. أمام ذلك هل نظل نتعامل برد الفعل لما يخطط وينفذ بدقة للقضاء علينا؟ إلي متي سيظل الصمت العربي أمام موجات التدمير المتعددة للمنطقة لمحوها من الخريطة ولندخل ثلاجة التاريخ بعنوان (كان هنا عالم عربي ) لا بد من نوبة صحيان عربية شاملة وخاصة من شباب الأمة للتحرك السريع لإنقاذنا من شرور أنفسنا ومن الآخر خصوصا وان التحالف الدولي الأمريكي للقضاء علي (داعش) لن يقضي على تسونامي الإرهاب الذي يستلزم نهضة عربية شاملة في مختلف المجالات من خلال تعاون المصالح المشتركة التي تنصهر عليها غالبة الخلافات وليس بالأمن فقط يمكن أن نحافظ علي أوطاننا وأمتنا العربية من مخططات الإذابة. فهل نتحرك؟.