عيد.. بلا معيل

د. أمل الشنفرية –

أقبل علينا عيد الأضحى المبارك وأيام ذي الحجة التي تحمل معها الغفران من رب العالمين لكل من تاب ودعا ربه صادقاً محتسباً أواباً. وتبدأ التجهيزات بكل أشكالها لاستقبال أيام العيد في كنف العائلة والاستمتاع بمشاعر التواد والتراحم التي تسود خلال هذه الأيام المباركة. وبعد ذلك لقضاء أيام الإجازة سواء داخل السلطنة أو خارجها. ولكن هناك الكثير من العائلات حتى في مثل هذه الأيام المباركة قد حُرمت من شعور التواد والتراحم حيث إن معيلها وسندها وحافظ كرامتها من ذل السؤال هو قابع بين جدران السجون. ولسان حالها يقول كما قال المتنبي: عيد بأي حال عُدت يا عيد. وهنا لا أتحدث عن المجرمين أو كل من قام بإساءة للمجتمع والوطن، بل أتحدث عن مساجين الديون وخاصة الضئيلة منها والتي قد تبلغ 30 ريالا عُمانيا فقط. فمن منا هنا يجب أن يعاقب؟ هل هو المسجون أو المجتمع الذي سمح بارتكاب مثل هذه الجريمة في حق الوطن؟. فعندما تُشتت عائلة بأكملها وتُحرم من معيلها أو ابن لها، ويتم إقصاء عنصر فاعل بالمجتمع ليحّول إلى عالة على الدولة بإنفاق أموال هي أضعاف قيمة الدّين المطلوب، ليصبح المواطن البسيط مجرما قابعا بين قضبان السجون بوصمة عار قد تلاحقه هو وعائلته بأكملها أمام المجتمع، فهذا بعيد كل البعد عن منطق الإصلاح، بل هو نسف لقيم الإنسانية وقيم التكافل والتراحم التي تقوم عليها مجتمعاتنا وقبل ذلك ديننا الحنيف.لقد انتقلت مجتمعاتنا من مجتمعات بسيطة إلى مجتمعات معقدة مليئة بالمغريات المادية، والتي يضعف أمامها الكثيرون من أفراد المجتمع. مما يثقل كاهلهم بالديون خاصة في ظل العروض الاستهلاكية المتنوعة سواء البنكية أو التجارية الأخرى. ومع الجهل بما يترتب على هذه القروض من عواقب وخيمة ينجرف الكثير من أفراد المجتمع إلى الهاوية ليجد نفسه بين ليلة وضحاها قابع بين المجرمين، مجرّد من كل شيء يملكه حتى كرامته الإنسانية والتي أُغتيلت بمبلغ 30 ريالا عُمانيا لم يستطع سداده. وهنا نحيّي شبابنا المخلصين من جمعية المحامين والذين أماطوا اللثام عن هذه المشكلة في مجتمعنا لتظهر للعيان، حيث أطلقوا منذ سنتين مبادرة باسم «فك كربة» واستطاعوا بجهودهم الذاتية جمع حوالي ثلاثمائة ألف ريال عُماني، والتي من خلالها تم إطلاق سراح حوالي 300 سجين. وقد تعاطف المواطنون من جميع الأطياف مع هذه المبادرة، وهو دليل على أن مجتمعنا العُماني ما زالت قيم التراحم تسوده وتقوده نحو التكافل وفعل الخير، ولكن يأتي السؤال هنا لماذا لم يُكشف عن هذه الظاهرة وغيرها من قبل! أين هو دور المسؤولية الإعلامية، والثقافية، والاجتماعية تجاه الوطن وأبنائه!.

إن فك سجن أصحاب الديون، لا يعني أن نتغاضى عن التهاون في سدادها، ولكن يمكن معالجة مثل هذه المخالفات بشيء من المرونة، آخذين بعين الاعتبار الصالح العام قبل تطبيق نصوص القانون بحذافيره دون مراعاة العواقب الاجتماعية المترتبة على ذلك. حيث توجد آليات كثيرة للتعامل مع مثل هذه الحالات، والتي من شأنها تأديب وتهذيب الأفراد مع حفظ كرامتهم وعدم الإضرار بالمجتمع ككل. فهناك نماذج كثيرة اتبعتها الدول لمعالجة القضايا المالية المشابهة، ومن هذه الدول وأقربها إلينا بعض دول المجلس. حيث تم تشكيل لجان لجمع التبرعات من أهل الخير، وعدم سجن إلا ذوي القروض الضخمة مع مراعاة كل حالة على حدة، وفسح المجال أمام المديونين للعمل، واقتطاع مبلغ من دخلهم حتى يتم سداد ديونهم. كما يوجد الكثير من البرامج الإصلاحية والردعية التي تتبّعها الدول المتقدمة في هذا المضمار. ومن هذه البرامج هو أن يعمل المديون طوال أيام الأسبوع، ومن ثم اقتطاع جزء من راتبه لسداد الدين، مع حبسه في إجازة نهاية الأسبوع كعقاب رادع. وأخيراً، فإن مراعاة روح القانون قبل نصوصه لا يخدم فردا بعينه، إنما هو حماية للمجتمع والأمة بأسرها. فلنراعِ إنسانيتنا قبل إصدار أحكامنا، ولتكن هديتنا يوم العيد أب يُطرق باب بيته لعناق أبنائه ماسحاً دمعة حرمانهم في يوم عيدهم.