السياسة والصفقات العسكرية تهمين على جولة أوباما الآسيوية.. والملفات الاقتصادية تتنحى جانبا


الرؤية- أحمد عمر


على غير المتوقع، احتلت المحادثات السياسية وإبرام المعاهدات العسكرية الجانب الأبرز من جولة الرئيس الأمريكي باراك أوباما في القارة الآسيوية، عندما زار اليابان وكوريا الجنوبية وماليزيا والفلبين، فيما تنحت الملفات الاقتصادية جانبا؛ حيث لم ينجح أوباما في إبرام اتفاق للتجارة الحرة مع اليابان.


وسعى الرئيس الأمريكي خلال هذه الزيارة إلى طمأنة حلفاء الولايات المتحدة فيما يتعلق بالتزام واشنطن تجاههم.


وفي مستهل زيارته لليابان وهي الأولى لرئيس أمريكي منذ 18 عاما، عقد أوباما جلسة مباحثات مع رئيس الوزراء الياباني سينزو آبي، تناول فيه التوترات بين طوكيو وبكين، التي ترى الإدراة الأمريكية أن نفوذها يتزايد في المنطقة بشكل كبير، وتصدرت مفاوضات الشراكة عبر المحيط الهادي الرامية إلى إنشاء منطقة شاسعة لحرية التبادل الجانب الأبرز من المحادثات.


ومضى أوباما خلال الزيارة ساعيا إلى تعزيز العلاقات مع اليابان وبسط نفوذ السياسات الأمريكية الخارجية في القارة الصفراء. وتتمتع اليابان بما يعتبره محللون "حماية أمريكية"؛ حيث يتمركز نحو 50 ألف جندي أمريكي هناك.


وما يؤكد الرغبة الأمريكية في تعزيز النفوذ بهذا الجانب من العالم، ما أعلنته سوزان رايس مستشارة الأمن القومي الأمريكي، بأنّ واشنطن تبحث عن إحراز تقدم في العناصر المختلفة لاستراتيجية واشنطن تجاه المنطقة. وقالت: "في مرحلة تشهد توترات إقليمية وعلى الأخص حول كوريا الشمالية وبسبب خلافات جغرافية، فإن هذه الجولة تمنحنا الفرصة لتأكيد تمسكنا بنظام قائم على القانون في المنطقة". وأشارت إلى أنّ هناك رغبة لدى الدول الآسيوية بأن يكون للولايات المتحدة "دور زعامة في هذه المنطقة، واستراتيجيتنا القاضية بإعادة التوازن (إلى السياسة الأمريكية الخارجية) تتعلق بالقطاعات الاقتصادية والسياسية والثقافية والأمنية في شمال شرق آسيا وجنوب شرقها".


أما رئيس الوزراء الياباني شينزو أبي، فقد أكد من جانبه تحقيق نجاح وصفه بـ"التاريخي"، بعدما اتفق مع الرئيس أوباما حول عدد من المسائل الأمنية، ولم يخف ما تم إحرازه من تقدم في المحادثات التجارية الثنائية، على الرغم من عدم إبرام اتفاق للتجارة الحرة بين البلدين.


وبحسب بيان مشترك صدر من طوكيو وواشنطن، فإنّ المعاهدات الأمنية الثنائية بين البلدين تشمل جزرًا يابانية تطالب بها الصين، كما إنّ المعاهدات القائمة ترحب بدراسة اليابان السماح لقواتها المسلحة بالمشاركة في الدفاع عن الدول الصديقة في حالة تعرضها لهجوم.


ورغم أنّ الاتفاق التجاري يحظى بأولوية خاصة لدى الزعيمين أوباما وآبي، إلا أنهما فشلا في التوصل إليه، وقال آبي إنهما سجلا "علامة فارقة لمرحلة مهمة" بتحقيق تقدم في المحادثات التي قالا إنها ستضخ "قوة دافعة جديدة" في محاولاتهما للتوصل إلى اتفاقية أوسع لشراكة تجارية تضم 12 دولة في جانبي الباسفيك.


وحاول وزير الاقتصاد الياباني أكيرا أماري التقليل من الفشل في عدم إبرام الاتفاق التجاري، حيث قال بعد محادثات ماراثونية لتسوية خلافات بشأن المنتجات الزراعية والسيارات "هذه المرة لا يمكننا أن نقول إنه يوجد اتفاق أساسي". لكنه أضاف قائلا "إجمالا فإنّ الفجوات تضيق بشكل مطرد" بين الجانبين.


أما الزيارة التالية فكانت إلى كوريا الجنوبية، حيث أجرى أوباما محادثات مع رئيسة البلاد، واحتل الملف النووي الكوري الشمالي وأزمة أوكرانيا الجانب الأبرز من المباحثات المشتركة بين الجانبين.


وكما كان متوقعاً، فقد استحوذ التحالف الأمني بين الدولتين على محور المحادثات، في ظل مخاوف من تجربة نووية جديدة يستعد الشمال لإجرائها، بعدما كشفت سول عن أنّها رصدت نشاطًا عبر الحدود مع بيونج يانج يظهر أن الأخيرة تستعد لتنفيذ تجربة نووية رابعة في وقت قريب، لاسيما وأن كوريا الشمالية هددت في مارس الماضي بـ"نوع جديد" من التجارب النووية.


وقال أوباما في مؤتمر مشترك مع نظيرته الكورية الجنوبية إن "التهديدات لن تقدم أي شيء لكوريا الشمالية". وتابع أن "الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية تقفان جنباً إلى جنب في رفض تجربة نووية تقوم بها كوريا الشمالية". وأضاف أن الصين بدأت تدرك أن "كوريا الشمالية ليست مجرد مصدر للإزعاج بل هي مشكلة فعلية لأمنها".


وفي الزيارة الثالثة والتي حطت الرحال في ماليزيا، سعى أوباما إلى تحسين العلاقات مع الدولة المسلمة المعتدلة، والتي تواجه حكومتها انتقادات حول استغلال السلطة على نطاق واسع، وسوء إدارة الأزمة بعد اختفاء الطائرة الماليزية المفقودة. وكانت هذه الزيارة الأولى من نوعها التي يجريها رئيس أمريكي منذ علام 1966. وتحرص واشنطن على تعزيز علاقاتها مع كوالالمبور التي تشهد ازدهارا اقتصاديا، بينما تعاني الولايات المتحدة من مشاكل بسبب صورتها في العالم الإسلامي. غير أن ماليزيا شريك تجاري قريب من الصين واعترضت على نقاط أساسية من الاتفاقية التي يقترحها أوباما للتجارة بين دول المحيط الهادي.


وأعلن أوباما ورئيس الوزراء الماليزي نجيب رزاق، الاتفاق على رفع مستوى العلاقات بين البلدين إلى درجة "شراكة شاملة"، وقال أوباما: "يؤذن ذلك بمرحلة جديدة من علاقاتنا، مع مزيد من المشاركة في الاقتصاد والأمن والتعليم والعلوم والتكنولوجيا".


ويتنحى الاقتصاد مجددا، حيث لمح رئيس الوزراء الماليزي إلى أن بلاده غير مستعدة الآن لإبرام اتفاق الشراكة التجارية عبر المحيط الهادئ الذي تقوده واشنطن ويضم 12 دولة، بسبب ما وصفته بـ"حساسيات" داخلية متمثلة بالنفوذ المتنامي للجناح المحافظ داخل حزبه الحاكم. واعتبر أوباما أن المعارضة الداخلية للاتفاقات التجارية ليست أمراً مفاجئاً، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة مستعدة لإبداء مرونة.


وفي ختام جولته الآسيوية، وصل أوباما إلى الفيليبين، حيث وقع البلدان اتفاقية دفاعية جديدة تتيح تعزيز الوجود العسكري الأمريكي في منطقة الأرخبيل، ما يشكل رمزا قويا لإعادة توازن السياسة الاستراتيجية الأمريكية لصالح آسيا. وتشكل هذه الاتفاقية التي جرى التفاوض بشأنها منذ 2013 تكملة لاتفاقية الدفاع المشترك الموقعة بين البلدين في 1951 في حال تعرض أي منهما لعدوان عسكري. وهذه الاتفاقية مدتها عشر سنوات وتجيز للقوات والطائرات والسفن العسكرية الأمريكية التوقف بشكل مؤقت في الفيليبين حيث أغلقت آخر القواعد العسكرية الأمريكية في 1992. وتجيز الاتفاقية أيضاً للجيش الأمريكي تخزين معدات لتسهيل تعبئة أسرع للقوات الأمريكية في المنطقة خصوصا في حال حصول كوارث طبيعية. غير أن الاتفاقية لا تتيح لواشنطن إقامة قاعدة دائمة أو إحضار أسلحة نووية إلى الأرخبيل.