فيينا 17 يوليو تموز (رويترز) – ربما يصيب الفشل في حل النزاع النووي الايراني قبل حلول الموعد النهائي للتوصل إلى اتفاق المفاوضين المرهقين في فيينا بخيبة أمل ويجدد التوترات في الشرق الاوسط لكن تمديد أجل المحادثات قد يحقق مكاسب سياسية للزعيم الأعلى في الجمهورية الاسلامية.
فالزعيم الأعلى آية الله خامنئي يريد إنهاء النزاع بشروط في صالح بلاده. لكن إطالة أمد المفاوضات بضعة أشهر سيسهم في تعزيز مركزه في هيكل السلطة المعقد في ايران من خلال تأخير تخفيف العقوبات الذي يرجح أن يفيد منافسيه الليبراليين في الانتخابات المقررة في أوائل عام 2016.
ويقول دبلوماسيون إن من المرجح فيما يبدو أن تستمر المفاوضات حول برنامج طهران النووي بعد انقضاء المهلة التي اتفقت عليها الاطراف المعنية في 20 يوليو تموز الجاري.
وربما كان الغرض من تدخل شخصي من جانب خامنئي الأسبوع الماضي قيد حرية مفاوضيه في إبرام اتفاق هو تحقيق مثل هذا الهدف.
وتحاول ايران والولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا إنهاء خلافاتها حول برنامج طهران النووي الذي تخشى الدول الغربية أن يكون الهدف منه اكتساب القدرة على صنع أسلحة نووية. وتنفي ايران هذا الاتهام.
ويحتفل خامنئي هذا العام بعيد ميلاده الخامس والسبعين ومرور 25 عاما على توليه دوره الذي يمنحه سلطة القول الفصل في المسائل الكبرى للدولة وهو يريد وضع نهاية للعقوبات الغربية الرامية لدعم الاقتصاد. لكن المراقبين المتابعين للأمر عن كثب يقولون إن الحسابات الانتخابية تعني أن التأخير بعض الوقت لن يضره في شيء.
وسعى خامنئي منذ توليه منصبه عام 1989 من مؤسس الجمهورية الاسلامية آية الله روح الله الخميني لضمان عدم اكتساب أي فئة أو جماعة بما في ذلك حلفاؤه المحافظون نفوذا كافيا لتحدي وضعه.
وسبق أن تدخل خامنئي لعرقلة رؤساء سابقين من الجناحين الإسلاميين الاصلاحي والمتشدد. ورغم أنه بارك مساعي الرئيس الجديد حسن روحاني منذ انتخابه قبل عام لمواصلة السعي إلى تسوية للنزاع النووي والتواصل مع واشنطن فإنه لن يرغب في تضخم نفوذه السياسي.
وإذا أمنت حكومة روحاني اتفاقا نوويا وبدأت آثاره تظهر في صورة تخفيف العقوبات فربما يكافيء الناخبون روحاني وبعض الفئات والجماعات الوسطية والمعتدلة التي تسير في فلكه في الانتخابات المقبلة على حساب جماعات أخرى منها المتشددون في المسائل الأمنية المقربون من خامنئي.
* ميزان القوى
ويقول مسؤولون ومحللون إن مثل هذه النتيجة ستخل بتوازن القوى الذي سعى خامنئي للمحافظة عليه.
ومن الناحية العملية فإن حرمان الوسطيين من أصوات الناخبين يتطلب البدء في رفع العقوبات في أبعد وقت ممكن بما يؤجل أي عائد اقتصادي لهذه الخطوة.
وكلما تأخر رفع العقوبات قلت فرص استفادة حلفاء روحاني منها في استحقاقين انتخابيين مهمين في الربع الأول من عام 2016 لاختيار أعضاء البرلمان ومجلس الخبراء وهو هيئة دينية لها سلطة اسمية على الزعيم الأعلى.
وقال مسؤول أمني ايراني رفيع لرويترز “نتيجة هذه الانتخابات قد تمثل تحديا لسلطة خامنئي إذا فشل الموالون له المتشددون في تأمين أغلبية فيها.”
وأضاف “سيضمن الأثر الإقتصادي الإيجابي لأي اتفاق نووي فوز الاصلاحيين وذوي الاتجاهات العملية في جولتي الانتخابات المهمة المقبلة. وهذا أمر لن يتقبله خامنئي بالسرور.”
وقال أحد أقارب الزعيم الأعلى “التمديد معناه المتشددون سيكسبون أغلبية في البرلمان والمجلس … وهذا أمر ضروري جدا لبقاء الوضع الحالي.”
وبموجب الدستور الإيراني يملك مجلس الخبراء المكون من 86 من رجال الدين يختارهم الناخبون كل ثماني سنوات سلطة انتخاب الزعيم الاعلى أو عزله وكذلك الإشراف على أدائه.
ويقول محللون إن روحاني الذي مثل خامنئي على مدى عقدين في المجلس الأعلى للأمن القومي سيحظى بمباركة الزعيم الأعلى مادامت مكانته المتنامية في الداخل والخارج لا تهدد سلطة خامنئي.
وبخلاف ذلك فإن وضع الرئيس قد يكون في خطر.
* الأولوية الاقتصادية
وربما تبدو فكرة تساهل خامنئي في مسألة تأخير إنهاء العقوبات متعارضة مع مساعيه لوقف ما ألحقه ألد أعداء ايران في الغرب باقتصادها من ضرر.
فقد أقنعت المصاعب الاقتصادية متمثلة في التضخم المرتفع والبطالة ونقص الاستثمارات خامنئي بالتعاون مع روحاني في محاولة إيجاد أرضية مشتركة مع القوى الغربية على الأقل في القضية النووية.
لكن بالنسبة لخامنئي كان لا بد من موازنة أهمية انقاذ الاقتصاد وضرورة الحفاظ على سلطته من أي خطر يتهددها مثل تنامي مكانة روحاني.
ومن شأن التوصل لاتفاق نووي أن تبدأ عملية رفع العقوبات التي تراكمت على ايران وعرقلت التنمية الاقتصادية بما يفتح الطريق لفرص جديدة للشركات الايرانية ويخلق فرص عمل ويحفز النمو.
وبالنسبة لروحاني لن يضمن نجاح المحادثات النووية بالضرورة وضعه في هيكل القيادة المعقد لأن ذلك قد يدفعه في طريق يجازف فيه بخوض مواجهة مع خامنئي.
وقال مسؤول رفيع “هذا هو السبب في أن خامنئي سمح لروحاني بالمضي قدما في المحادثات. وإذا فشلت المفاوضات فسيتحمل روحاني مسؤولية الفشل أيضا. نوع من كبش الفداء.”
وأضاف “لكن في حالة التمديد سيكون خامنئي هو الرابح الحقيقي.”
* الحفاظ على السلطة
ولم يحدث قط من قبل أن مارس مجلس الخبراء سلطته على الزعيم الأعلى منذ تأسيسه في أعقاب قيام الثورة الاسلامية عام 1979.
لكن إمكانية تحول المجلس إلى ساحة للمنافسة بين الفئات المتنافسة ظهرت على السطح في مارس اذار الماضي عندما حذر آية الله أحمد جنتي الموالي لخامنئي وهو من رجال الدين المتشددين من “مؤامرة للاستيلاء على مجلس الخبراء” ليعكس مخاوف حلفاء الزعيم الأعلى من احتمال فقد قبضتهم على السلطة.
وللزعيم الأعلى سلطة هائلة إذ يسيطر على القضاء وقوى الأمن ومجلس صيانة الدستور الذي يدقق في القوانين والمرشحين للانتخابات وعلى هيئة البث الاذاعي والتلفزيوني والمؤسسات التي تملك جانبا كبيرا من الاقتصاد.
وقال المحلل السياسي منصور مروي إن فشل المتشددين في الفوز بأغلبية في الانتخابات قد يضعف السلطة المطلقة للزعيم في التسلسل الهرمي لنظام الحكم.”
وأضاف “إذا فاز المعسكر المؤيد لروحاني في الانتخابات فستكون تلك أول مرة في تاريخ الدولة الاسلامية تسيطر فيها فئة على كل المؤسسات الرئيسية.”
وتابع “هذا اختبار رئيسي لروحاني. ومستقبله السياسي على المحك. وقد تكون نتيجة المحادثات مع القوى الرئيسية نهاية شهر عسله مع خامنئي.”