مظلة قانونية تكفل للطفل النمو في أجواء آمنة مستقرة

تكفل له النمو في أجواء آمنة مستقرة -

الشحي: قانون الطفل العماني وضع مظلة قانونية مناسبة تــــــجمع بين حقوق الطفل السوي والمعوق -

السلطنة اهتمت بالطفل اهتماما بالغاً كون الإنسان حجر الزاوية والثــــــــــــروة الـــحقيقية للوطن -

أجرى اللقاء: سيف بن سالم الفضيلي -

أكد الدكتور راشد بن محمد حروب الشحي أن المشرّع العماني وضع مظلة قانونية مناسبة تجمع في مجملها بين حقوق الطفل السوي والطفل المعوق لما توفره من حماية وتكفل لهم النمو في أجواء آمنة مستقرة بعيدة عن مستنقعات الجهل والقسوة، مستمدة قوتها من تعاليم كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم فالقوانين والتشريعات الوضعية لن تستوعب أو توازي ما قدمه الإسلام قبل قرون فالنظام الإسلامي قد أعطى كل ذي حقٍ حقه سواء الطفل والمرأة والإنسانية جمعاء.


وأن السلطنة اهتمت بالطفل اهتماما بالغاً كون الإنسان هو حجر الزاوية والثروة الحقيقية للوطن وذلك انطلاقاً من تعاليم ومبادئ ديننا الإسلامي الحنيف التي عنيت بالطفل عناية شاملة.

وأشار الشحي إلى أن الإسلام كفل للطفل حق حرية التعبير عن الرأي ويظهر ذلك عندما يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مثل المؤمن في شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء فلا يعرف الصحابة الإجابة، وكان من بينهم ابن عمر رضي الله عنه فلما انصرفوا قال لأبيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (لقد كنت أعرف يا أبي أنها النخلة ولكني استحييت أن أتكلم) فالشاهد أن السؤال وجِّه لجميع الصحابة بما فيهم الصغار، مما يكشف عن حرص الإسلام على أن يربي أبناءه على الحرية في إبداء الرأي، وفي ذلك أيضاً حُسْنُ أدب ابن عمر وتوقيره لأكابر الصحابة الحاضرين، وهذا الحق كفله قانون الطفل العماني في مادته (12) للطفل الحق في التعبير عن رأيه بالقول والكتابة أو الطباعة أو الفن أو بأي وسيلة أخرى يختارها، بما لا يتعارض مع حقوق الغير أو سمعتهم أو حماية الأمن الوطني أو النظام العام أو الآداب العامة على النحو الذي تحدده القوانين.. وإلى ما جاء في الحلقة الأولى من اللقاء.

بداية تحدث الدكتور الشحي حول اهتمام السلطنة بالطفل وحقوقه، وأن السلطنة اهتمت بالطفل اهتماما بالغاً كون الإنسان هو حجر الزاوية والثروة الحقيقية للوطن ولم يكن الاهتمام بالطفولة والطفل وليد تأثر بفكرٍ اجتماعي سابق أو معاصر أو نتيجة تطورات نظرية ورؤى فكرية غربية تسعى للتعامل مع التجمع البشري من أجل توفير ظروف حياتية ومعيشية أفضل، وإنما جاء الاهتمام انطلاقاً من تعاليم ومبادئ ديننا الإسلامي الحنيف التي عنت بالطفل عناية شاملة ملبية لكل احتياجاته الإنسانية وفي مختلف مراحله العمرية منذ أن يكون جنيناً ومن ثم رضيعاً وصبياً وشاباًّ ورجلاً وشيخاً.

والاهتمام بالطفل والطفولة يعد من أجلِّ صور الرعاية والعناية كونه الاهتمام بمرحلة الإنشاء والتأسيس للإنسان، فالأطفال هم قرة عين الإنسان وبهجة عمره وأنسه في حياته الدنيا وبهم تحلو الحياة، وعليهم تعلق آمال نهضة ورقي البلاد.

ويُعَدُّ هذا الاهتمام من المعالم والسمات البارزة في أحكام وتشريعاته الإسلام بل يعد الإسلام أنموذجاً فريداً يكشف للعالم عن أصالة اهتمامه بالطفل وحقوقه الكثير فالمتأمل للإسلام يجد أنه اشتمل على كثير من الأحكام المتعلقة بالطفولة، مما كان ذلك دافعاً لبعض علماء هذه الأمة محاولة جمع هذه الأحكام كما فعل مجد الدين أبو الفتح محمد بن محمود الأسر وشيني الحنفي المتوفى صاحب كتاب «الجامع لأحكام الصغار»، والإمام ابن القيم في كتابه «تحفة المودود في أحكام المولود»، وغيرهم وهذا يؤكد مدى تفرد الإسلام وعدم تأثره بغيره من النظم أو النظريات.


تفرد الإسلام


وأضاف، إن الحقائق التاريخية تؤكد أن الإسلام جاء متفرداً قبل أن تُوضَع حقوق ومواثيق الطفل بأربعة عشر قرنًا من الزمان لينشئ عالماً جديداً للطفولة والطفل، وأبلغ شاهد على ذلك أنه مع بزوغ نور الإسلام وانتشاره في العالم كله لم يكن هناك مشروع حضاري واحد يمكن أن ينتهجه ويسير على خطاه، فكيف بمشروع تقوم عليه الحضارات وهو بناء الإنسان والحفاظ على حقوقه منذ نعومة أظفاره ومختلف أطواره لينعم بحقوقه كاملة بكل احترام في هذا العالم الفسيح ، وهكذا نجد أن التشريع العماني المنظم لحقوق الطفل لم يكن بمنأى عن مختلف التشريعات العربية والعالمية والاتفاقات الدولية المنظمة لحقوق الطفل خصوصاً والإنسان عموماً، وقد جاء قانون الطفل الصادر بالمرسوم رقم (22/ 2014 م) تتويجاً لما جاء به ديننا الإسلامي الحنيف من مبادئ وقواعد كافلة لحقوق الطفل( الفكرية والتربوية والتعليمية والصحية الجسدية والنفسية والمالية)، فالفصل الأول منه أورد تعريفات وأحكام عامة للوزارة المختصة وهي وزارة التنمية الاجتماعية والوزير وهو وزير التنمية الاجتماعية، والجهة المختصة: المديرية العامة للتنمية الأسرية، ودوائر التنمية الأسرية بالمحافظات، إضافة إلى جملة من التعريفات الأخرى كالطفل، دار الرعاية، ولي الأمر، الإساءة، الاستغلال الخ.، كما بين القانون أبرز ما كفله من حقوق للطفل ومن أهمها الحق في الحياة، والبقاء، والنمو، والحق في عدم التمييز بسبب اللون، أو الجنس، أو الأصل، أو اللغة، أو الدين، أو المركز الاجتماعي وغير ذلك من الأسباب، ويعتد في تحديد عمر الطفل بشهادة الميلاد الرسمية، وأن تلتزم الدولة فيما يتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للطفل أينما وردت في هذا القانون في حدود الإمكانات المتاحة.


الشريعة الإسلامية.. والقوانين

المعاصرة في السلطنة


وعن حقوق الطفل وفق ما تقرره الشريعة الإسلامية والقوانين المعاصرة في السلطنة يشير الشحي إلى عنصرين أولهما «حقوق الطفل قبل الولادة» فقد أقرت النظم والتشريعات العمانية حقوق الطفل قبل وجوده في هذا العالم، فنظمت التشريعات الوطنية وفي مقدمتها قانون الأحوال الشخصية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم(32 /97) الزواج والأحكام الخاصة به والآثار المترتبة عليه، لكون الزواج أساس بناء الأسرة التي هي نواة المجتمع، وذلك بما يتماشى مع تعاليم الشرع الحنيف التي كفلت في بداية أمر هذا الميثاق الغليظ حق الطفل في إحسان اختيار والديه وجعل الإسلام حسن اختيار كل من الزوجين للآخر حقاً للطفل، ولذا وضع قواعد ومعايير تحقق حسن الاختيار، وفي مقدمتها الاختيار على أساس الدين أي يجب أن يكون الاختيار مبني على أساس الفهم الصحيح لتعاليم الدين والتطبيق العملي السلوكي لفضائله وأخلاقه السامية الرفيعة والالتزام الحقيقي بالمنهج القويم والمبادئ النبيلة.

فعندما يكون المريدان للزواج على مستوى معقول من الفهم والتطبيق الديني والأخلاقي فإنهما يحققان القاعدة الأولى من قواعد حسن الاختيار فأرشد الرسول صلى الله عليه وسلم في الاختيار المبني على أساس الدين بالنسبة للزوجة بقوله: (تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك)، وبالنسبة للزوج عندما قال: « إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض»، وقد قدَّمَ الرسول صلى الله عليه وسلم اختيار الزوجين على أساس الدين على كل مسوِّغات الاختيار باعتباره أهم ما يحقق السعادة للزوجين وللأولاد الطمأنينة والأمان الاجتماعيين، فكلما تضافر الدين للزوجان مع الأصل الطيب في الحسب والنسب كلما ساعد ذلك على اتصاف الأطفال بالأخلاق الكريمة وهو ما تبينه لنا تجارب الحياة فالبيئة والوراثة في الأخلاق والصفات النفسية يبدو أنه شيئ يورث في صورة استعداد عضوي، فشخصية الوالدين وموقع الطفل بالنسبة لأخوته ومركز العائلة الثقافي والاقتصادي والصلات القرابية كلها عوامل أساسية تصيب أبعادها حياة الطفل الجسدية والمعرفية والعاطفية والسلوكية والاجتماعية ناقلة له قيم ومعايير مختلفة مما يجعل لها آثارها المهمة في حياته.


توافق


ويضيف، بناء على أسس الاختيار التي أقرها الإسلام والتي تم بيانها سلفاً نجد أنه بهذا قد وضع ضوابط وقواعد ومعايير أصبحت حقا من الحقوق المشروعة لكل طفل، ومما يبرهن على ذلك قصة الرجل الذي جاء يشكو لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب عقوق ولده له، فاستدعى عمر الولد وبين له شكوى والده منه، فكان رد الابن على دعوى أبيه بقوله لعمر أن أباه لم يحسن اختيار أمه، فقال عمر للأب: لقد عققت ولدك قبل أن يعقك، يعني أسأت إليه وهضمت حقوقه قبل أن يسيء إليك، وقد تمثلت إساءة الرجل في حق ولده في عدم إحسانه اختيار أم ولده، هذا ونجد أن معايير الإعلان العالمي لحقوق الطفل في لعام 1989م واتفاقية حماية حقوق الطفل عام 1990م جاءت متفقة مع الأحكام الإسلامية التي أقرها منذ أكثر من ألف وأربعمائة سنة، حيث نصت الاتفاقية في موادها من (6) إلى (12) على حقوق الطفل من بينها حق الطفل في الحفاظ على هويته بما في ذلك جنسيته واسمه وصلاته العائلية بأن ينشأ في ظروف شرعية مستقرة، وفي حالة حرمان الطفل من هذه الظروف فإن واجب الدول الموقعة على الاتفاقية تقديم المساعدة والحماية المناسبتين من أجل الإسراع بإعادة إثبات هويته.


حق الحفاظ على حياته وصحته أثناء الحمل


لقد عنى الإسلام بحياة الطفل جنيناً وقد أخذ الحفاظ على حياة الجنين صوراً عدة فقد اتفق فقهاء المسلمين على أن حياة الجنين مصانة ويحرم المساس بها، كما أن آراءهم جاءت صريحة في إعطاء الجنين حقه في العناية به وبأمه، من حيث منع كل أذى يصل لأمه أثناء حملها فيه، ومنع ما قد يقع عليها من عقوبة تؤدي بحياتها أثناء الحمل، فقد أرجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم إقامة الحد على الغامدية حتى تلد، وما كان ذلك إلا حفاظاً على حق العناية بالجنين وهو في بطن أمه.

كما أجاز الشرع الحنيف رعاية للجنين وأمه للأم الحامل أن تفطر في نهار رمضان متى ما خشيت وقوع الضرر عليها أو على جنينها، وما ذلك إلا حرص على سلامة الجنين وتغذيته، هذا بجانب العناية بالصحة النفسية والعضوية للجنين وذلك من خلال العناية بصحة الأم الحامل بابتعادها عن المنغصات والمزعجات والصدمات النفسية والعضوية. وقد أرشد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حسن رعاية الرجل لأهله فقال صلى الله عليه وسلم(خيركم خيركم لأهله) وهذه الخيرية تقتضي الخيرية في كل مناحي التعامل والرعاية، فعلى الزوج حسن رعاية زوجته الحامل، وعلى الزوجة الحامل الصبر والرضا بما كتب الله تعالى، ومن مظاهر رعاية حقوق الطفل قبل ولادته الحفاظ على حقوقه المالية وهو ما يزال جنيناً في بطن أمه، فقد أوقف الشرع الحنيف التركات التي يكون للجنين لو فرض نزوله حياًّ نصيب فيها، وذلك خشية تقسيم التركة بين الورثة الأحياء وضياع نصيبه فيها.وهو ما نص عليه قانون الأحوال الشخصية في بابه السادس من الكتاب الخمس الخاص بـ«الإرث».

وهكذا نجد أن أحكام القوانين الوطنية والاتفاقيات الدولية جاءت بعض نصوصها متفقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، ومن ذلك ما جاء في الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل حيث أن مواد الاتفاقية من (6 إلى 12) نصت على حقوق من ضمنها حق الطفل في الحياة، وحقه في البقاء، وإن زاد ما في التشريع الإسلامي بإثبات بعض الحقوق للجنين كحقه المالي والنفسي.

وثانيهما «حقوق الطفل بعد ولادته إلى سن الرشد» وفي هذا الجانب يقول الشحي، حرص الإسلام على رعاية الطفل بعد ولادته بصورة متفردة عن التشريعات الأخرى وذلك من خلال كثرة التشريعات الخاصة بالطفل في الإسلام بعد ولادته يقول الأستاذ سيد قطب: «والطفل الإنساني هو أطول الأحياء طفولة، تمتدُّ طفولته أكثر من أي طفل آخر للأحياء الأخرى.. ولما كانت وظيفة الإنسان هي أكبر وظيفة، ودوره في الأرض هو أضخم دور، امتدَّت طفولته فترة أطول، ليَحْسُن إعدادُهُ وتدريبُهُ للمستقبل، ومن تلك الحقوق المكفولة للطفل ما يلي: حق الطفل في الحياة:صدق الله تعالى حيث قال:(وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ مِنْ إِمْلاَقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) وفي قوله(نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ) وقوله (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلاَدَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْم)، وبهذا التحريم القاطع أوقف الإسلام انتهاك حق الطفل في الحياة، كما جعل قتل الأولاد تقرباً للأوثان محرَّماً بل وصف الذين فعلوا ذلك بالسفهاء الخاسرين، هكذا نجد أن الإسلام ضمن للأطفال حقهم في الحياة بعد ولادتهم سواء بمنع وأد البنات أو بمنع قتل الأولاد تقرباً للأوثان، فالإسلام دين جاء ليسترد للأطفال حقهم السليبة في الحياة وبهذا يعد تاريخاً صحيحاً لنهاية حقبة زمنية جاهلية مؤلمة وبداية انطلاقة عهد حضاري مشرق للأطفال، هذا وقد كفل قانون الطفل الصادر بالمرسوم السلطاني رقم(22/2014) في مادته (2/أ) «الحق في الحياة والبقاء والنمو»، وهذا يتفق مع نصوص الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل التي نصت على حق الطفل في الحياة.


حق الطفل في التسمية


وفي جانب حق الطفل في التسمية يؤكد الدكتور الشحي، من حق كل إنسان أن يكون له اسم يتميز به من غيره، ويعرف به في المجتمع، وهو يرافقه طيلة مسيرة حياته، وقد سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا رسول الله، عَلِمْنا ما حق الوالد على الولد، وما حق الولد على الوالد؟) قال صلى الله عليه وسلم عن حق الولد: (أن يحسن اسمه ويحسن أدبه)، لذا يعدُّ عدم إحسان اختيار اسم المولود نوعاً من عقوق الآباء لأبنائهم ويوضح ذلك قصة عمر رضي الله عنه عندما قال للرجل الذي لم يحسن اختيار اسم ابنه: (عققت ولدك قبل أن يعقك) وقد كان من سننه صلى الله عليه وسلم تغيير الأسماء السيئة إلى أسماء حسنة ومن ذلك ما روي أنه كانت لعمر بنتٌ اسمها عاصية (فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم «جميلة»، وهذا كفله المشرع العماني في قانون الطفل رقم «22 /2014» في مادته (8) مع ما أوجبه من تسجيله في سجل المواليد وفق القواعد والإجراءات المنصوص عليها بقانون الأحوال المدنية، ولم يقتصر القانون على التسمية بل حظر أن يكون الاسم منطوياً على تحقير أو مهانة لكرامة الطفل أو منافياً للعقائد الدينية، وكما كفل له حق النسب لوالديه والتمتع برعايتهما وذلك بنص المادة (11) منه، والذي يأتي ضمن الحقو ق المدنية المنصوص عليها قانوناً في المواد من (6 إلى13) من الفصل الثاني. كما أن اتفاقية حقوق الطفل ضمن موادها (6إلى 12) جاءت متوافقة لما دعا إليه ديننا الإسلامي الحنيف من حسن تسمية الأطفال وأحقيتهم في ذلك.