الحبس الاحتياطي

يعتبر الحبس الاحتياطي احد الإجراءات المهمة التي يبرز فيها موضوع التناقض بين مقتضيات احترام الفرد وسلطة الدولة، نظرا لخطورة الحبس الاحتياطي كإجراء من إجراءات التحقيق فيجري في كل بلد من بلدان العالم اعتقال الأشخاص وحبسهم بشبهة أنهم ارتكبوا جريمة، وغالبا ما يحبس هؤلاء الأشخاص لمدة أسابيع بل أشهر وحتى سنوات قبل أن تصدر محكمة من المحاكم حكما بشأنهم، فوضعهم القانوني يكون غير محدد، هم متهمون ولكن لم تثبت إدانتهم بعد، وهم يعانون من ضغوطات شخصية هائلة أيضا مثل الخسارة الاقتصادية التي تلحق بهم و انفصالهم عن أسرهم وانفصال ما يربطهم بمجتمعهم المحلي من روابط.

وسلامة الفرد وعدم تقيده من الحقوق والضمانات التي أقرتها وأكدتها كافة المواثيق والمعاهدات الدولية وأيدتها اغلب الدساتير الوطنية، فقد جاء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بما يؤكد هذه الحقوق فنصت المادة 03 على أن (لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصية) كما نصت المادة 09 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الفقرة 01 على انه لكل فرد الحق في الحرية والسلامة الشخصية، ولا يجوز القبض على أحد أو إيقافه بشكل تعسفي، كما لا يجوز حرمان أحد من حريته على أساس من القانون وطبقا للإجراءات المقررة فيه وما يترتب عليه من تقييد لحرية الإنسان في مرحلتي التحقيق والمحاكمة اللتين يفترض فيهما براءته عملا بأصل العام، ولهذا فإن الضرر الذي يعود على المحبوس لا يمكن تعويضه على الإطلاق.


لذلك فإن الحقوق والحريات الفردية تخضع لتنظيم القانون وذلك حرصا على سلامة المجتمع.

ولاشك أن الفترة الأخيرة قد شاهدت اتجاها ملحوظا ورغبة حقيقية من الدولة ممثلة في قيادتها السياسية نحو الإصلاح السياسي والتشريعي والذي يكفل المحافظة على حريات المواطن وتوفير الضمانات التي ترسخ هذه المفاهيم،

ومن هذا المنطلق لا يمكن الالتفات أو غض الطرف عن كون الحبس الاحتياطي كإحدى الاجراءات التي تتخذ عادة من قبل سلطة التحقيق فى الدعوى الجزائية، أحد أخطر الاجراءات نظرا لنواح عدة أهمها: المساس بالقواعد العامة الثابتة في الدساتير وإعلان حقوق الانسان وحرياته فى المجتمع، ولا يمكن طرح الآراء التى لطالما نادت بوجوب تعامل سلطات التحقيق بحذر مع اجراء الحبس الاحتياطى دونما اطلاق أو غل يد تلك الجهة لدى تعاملها مع هذا الإجراء الذي يضعها في أحيان عدة بين خيارين (أحلاهما مر) – أما قيد حرية الشخص محل الاتهام دونما حكم قاطع بالتهمة ضده، أو اخلاء سبيله وهو من وجهة نظرها قد يكون آثما إلا أن الدلائل غير كافية على ذلك، وان كانت عمليا في أغلب الأحيان تختار أول الحلول.


تعريف الحبس الاحتياطي:


1- التعريف الأول: والحبس الاحتياطي هو تقييد لحرية المتهم دون حكم قضائي صادر في دعوى جزائية، فالحبس الاحتياطي بطبيعته هو إجراء مؤقت تقتضيه اعتبارات تتصل بمصلحة التحقيق، فإذا زالت هذه الاعتبارات التي يقتضيها التحقيق فإنه يتعين إنهاؤه، ومتى انقضى الحبس الاحتياطي فان المتهم يتقرر الإفراج عنة مؤقتا (اى إخلاء سبيل المتهم من ذلك الحبس) وذلك فى جميع الجرائم إزاء جميع المتهمين، وفي أي مرحلة من مراحل الدعوى.


2- التعريف الثاني: سلب لحرية المتهم مدة من الزمن تقدرها سلطات التحقيق وفق الضوابط التى يقررها القانون وتقتضيها مصلحة التحقيق.

3- التعريف الثالث: الحبس الاحتياطي هو إجراء من اجراءات التحقيق الابتدائي الهدف منه توقيف شخص اتهم في جريمة لمصلحة التحقيق واستكماله أو منعه من التأثير في الشهود أو الخشية من هروبه، وهو ليس عقوبة ولكنه اجراء تحفظي تقرره جهة التحقيق لمصلحة التحقيق.

وللوقوف حول ماهية وطبيعة الحبس الاحتياطي والقانون المنضم لها، نفرد هنا مواد قانون الإجراءت الجزائية العماني حول هذا الشأن:

مادة (53): اذا انقضت مصحلة التحقيق الابتدائي بعد استجواب المتهم منعه من الفرار او من التأثير في سير التحقيق، جاز لعضو الادعاء العام ان يصدر أمرا بحبسه احتياطيا. ولا يجوز الامر بالحبس الاحتياطى الا اذا كانت الواقعة جناية او جنحة معاقبا عليها

بالسجن مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر، ويجوز حبس المتهم احتياطيا اذا لم يكن له محل اقامه معروف فى السلطنة اذا كانت الجريمه معاقبا عليها بالسجن. ويجب ان يشتمل امر الحبس اضافة الى البيانات الواردة في المادة (49) من هذا القانون على تكليف القائم على ادارة المكان المخصص للحبس قبول المتهم ووضعه فيه مع بيان مادة القانون المنطبقة على الواقعة.

مادة (54): الأمر بالحبس الاحتياطي الصادر من الادعاء العام يكون لمدة سبعة ايام يجوز تجديدها لمدد أخرى اقصاها ثلاثون يوما، ولعضو الادعاء العام في جرائم الأموال العامة والمخدرات والمؤثرات العقلية ان يصدر امرا بحبس المتهم احتياطيا لمدد لا تجاوز في مجموعها خمسة واربعين يوما.

وإذا رأى عضو الادعاء العام مد الحبس الاحتياطى بعد ذلك وجب قبل انقضاء المدة عرض الامر على محكمة الجنح لتصدر أمرا بمد الحبس الاحتياطي لمدة لا تزيد على خمسة عشر يوما قابلة للتجديد بحد اقصى ستة اشهر.

واذا احيل المتهم الى المحكمة فلها مد الحبس الاحتياطي لمدة لا تزيد على خمسة وأربعين يوما، ويجوز تجديدها لمدد اخرى، وإلا وجب الافراج عن المتهم في جميع الاحوال.

مادة (55): لايجوز الافراج عن المتهم المحبوس احتياطيا في جريمة عقوبتها الاعدام او السجن المطلق.

مادة (56): اذا حكمت المحكمة بعدم اختصاصها بنظر الدعوى، تكون هي المختصة بالنظر في طلب الافراج او الحبس الاحتياطي الى ان ترفع الدعوى الى المحكمة المختصة.

مادة (57): لعضو الادعاء العام اذا اقتضت ضرورة اجراءات التحقيق ان يأمر بعدم اتصال المتهم بغيره من المسجونين والا يزوره احد، وذلك دون الإخلال بحق المتهم في الاتصال دائما بالمدافع عنه.

مادة (58): يجب ان تسمع اقوال المتهم قبل اصدار أي أمر بالحبس الاحتياطي أو بمدة، واذا صدر الامر ضد متهم فار يجب ان تسمع اقواله خلال اربع وعشرين ساعة من وقت القبض عليه.

مادة (59): للمتهم أو من ينوب عنه التظلم من الامر بحبسه احتياطيا امام محكمة الجنح منعقدة في غرفة المشورة، وعليها الفصل في التظلم خلال ثلاثة ايام على الاكثر، واذا لم تجد ما يبرر صدور الامر وجب الافراج عن المتهم فورا.

مادة (60): لا يجوز حبس أي انسان او سجنه الا في الأماكن المخصصة لذلك، ولا يجوز قبول أي انسان فيها الا بمقتضى أمر موقع من السلطة المختصة، والا يستبقى بعد المدة المحددة في هذا الامر.

مادة (61): لأعضاء الادعاء زيارة السجون والاماكن المخصصة لذلك في دوائر اختصاصهم للتأكد من عدم وجود مسجون بصفة غير قانونية، ولهم في سبيل ذلك الاطلاع على السجلات وأوامر الحبس الاحتياطي والسجن وسماع شكاوى المسجونين، وعلى القائمين على ادارة هذه الاماكن وموظفيها تقديم كل معاونة فى هذا الشأن.

مادة (62): لكل مسجون الحق فى تقديم الشكوى الى ادارة السجن، ويجب ابلاغها الى الادعاء العام بعد اثباتها فى سجل يعد لعذا الغرض.

مادة (63): لعضو الادعاء العام في أي وقت ان يصدر امرا بالافراج عن المتهم متى وجد ان حبسه لم يعد له مبرر أو انه لا ضرر على التحقيق من اخلاء سبيله ولا يخشى فراره.

واذا كان المتهم قد أحيل الى المحكمة المختصة فيكون الافراج عنه من اختصاصها، وفي جميع الاحوال يكون الافراج بعد تقديم تعهد بالحضور كلما طلب منه ذلك وبعدم الفرار من تنفيذ الحكم الذي قد يصدر ضده، ويكون ذلك بضمان شخصي او بتقديم ضمان مالي في الجرائم الواقعة على الاموال، وفي غير هذه الجرائم يكون تقديم الضمان المالي جوزايا.

مادة (64): يكون تقدير مبلغ الضمان المالي لمن اصدر امر الافراج، ويكون وهذا المبلغ ضمانا لعدم تخلف المتهم عن الحضور اثناء التحقيق او المحاكمة وعدم الفرار من تنفيذ الحكم والواجبات الاخرى التي تفرض عليه.

مادة (65): يدفع مبلغ الضمان من المتهم او من غيره، ويكون ذلك بايداعه خزانة الادعاء العام او المحكمة حسب الاحوال.

مادة (66): اذا تخلف المتهم بغير عذر مقبول عن تنفيذ احد الالتزامات المفروضة عليه يصبح الضمان المالي ملكا للدولة بغير حاجة الى حكم بذلك. ويرد مبلغ الضمان بأكمله اذا حفظت الدعوى او لم يصدر حكم بالادانة.


مادة (67): الأمر الصادر بالافراج لا يمنع عضو الادعاء العام من اصدار امر جديد بالقبض على المتهم وحبسه احتياطيا اذا قويت الادلة ضده أو أخلّ بالواجبات المفروضه عليه أو وجدت اسباب تستدعي ذلك

واذا كان امر الافراج صادرا من المحكمة فيكون اصدار امر جديد بالقبض على المتهم من ذات المحكمة بناء على طلب الادعاء العام.

مادة (68): لا يقبل من المجني عليه أو من المدعي بالحق المدني طلب حبس المتهم احتياطيا ولا تسمع منه اقوال فى المناقشات المتعلقه بالافراج.

يثير التساؤل هنا وهو كيفية التعامل مع الحبس الاحتياطي وكيف يتعامل المتهم ووكيله او محاميه مع القضية والاجراءات المتبعة في هذا الشأن ،ومن هنا تتضح خطورة هذا الاجراء نظرا لأنه يؤدي الى سلب حرية المتهم، بينما الأصل فى سلب الحرية أنه جزاء جنائي لا يوقع الا بمقتضى حكم قضائي بالإدانة، ومع ذلك رأى المشرع فيه اجراء قد تقتضيه مصلحة التحقيق، فقرره بقيود تحد من نطاقه الى الدرجة التي لايتجاوز بها تحقيق المصلحة العامة.

ولكننا نرى فى واقع الحال أن تلك القيود فى مجملها تسبغ قواعد الحبس الاحتياطي بالمرونة ولا تأتي بتحديد للقيود المفروض وجودها لدى استعمال جهات التحقيق لسلطتها فى اتخاذ هذا الاجراء.

والحبس الاحتياطي من هذا المنطلق ليس اجراء من اجراءات التحقيق لأنه لا يستهدف البحث عن أدلة، وانما هو ان صح التعبير من أوامر التحقيق التى تستهدف (تأمين الأدلة) سواء من العبث بها أو طمسها اذا ما بقى المتهم حرا، أو سواء تجنبا لتأثيره على شهود الواقعة وعدا أو وعيدا أو ضمانا لعدم هربه من تنفيذ الحكم الذى سيصدر عليه نظرا لكفاية الأدلة ضده .

أخيراً، الحبس الاحتياطي هو سلطة ونفوذ في يد سلطة الاتهام والتحقيق وفي نفس الوقت هو حماية للمجتمع.

وكل ذلك يسير وفق المنهج الذي ينتهجه عضو التحقيق في الادعاء العام او حتى مأمور الضبط القضائي في المدة الممنوحة لكل منهم اما اذا تخللها تعسف وشخصنة أو حتى استهداف او لنقل ضغوط عليا وأوامر تنفذ بدون مناقشة فهنا تضيع الحقوق ويصبع الحبس الاحتياطي عقوبة من لا جريمة له وخصوصاً اذا ما علمنا بان الحبس الاحتياطي ليس له تعويض او حتى حق الا ما افردته احدى مواد قانون الاجراءات بما نسميه نكال بنكال سابق

المادة 299 من قانون الاجراءات الجزائية:

إذا حكم ببراءة المتهم من الجريمة التي حبس احتياطياً من أجلها أو صدر قرار بحفظ التحقيق تخصم مدة الحبس الاحتياطي من المدة المحكوم بها في أية جريمة يكون قد ارتكبها أثناء الحبس الاحتياطي أو قبله.

المادة 320من قانون الاجراءات الجزائية:

إذا حبس شخص احتياطياً ولم يحكم عليه إلا بالغرامة وجب أن ينقص منها عند التنفيذ خمسة ريالات عن كل يوم من أيام الحبس، وإذا حكم عليه بالسجن والغرامة معاً وكانت المدة التي قضاها في الحبس الاحتياطي تزيد على مدة السجن المحكوم بها وبجب أن ينقص من الغرامة ذات المبلغ عن كل يوم من أيام الزيادة.