منار العدوية -
(وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ).
لقد فهم مفسرونا رحمهم الله تعالى من هذه الآية،أنها تتحدث عن حركة الجبال يوم القيامة،واستدلوا على ذلك بقوله عز وجل: (وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ) [التكوير: 3، وحديثاً أدرك بعض العلماء أن هذه الآية تشير إلى دوران الأرض حول محورها، فنحن عندما ننظر إلى الجبال نراها جامدة ثابتة في مكانها، ولكن إذا خرجنا خارج الكرة الأرضية إلى الفضاء الخارجي ونظرنا إلى هذه الأرض؛ فإننا نراها تدور بحركة منتظمة وسريعة،ويدور معها كل شيء بما فيه الجبال والغلاف الجوي، والناس والماء وكل شيء،وهذا الفهم أيضاً صحيح لأن الآية تحتمل الكثير من المعاني،وهذه ميزة يتميز بها كتاب الله تبارك وتعالى عن أي كتاب آخر.
ما هو الهدف من ذكر هذه الحقيقة الكونية الرائعة في القرآن الكريم؟
كأن الله تبارك وتعالى ومن خلال هذه الآية يريد أن يعطينا إشارة أو رسالة:
كما أن الله تبارك وتعالى حرَّك هذه الجبال،وهو أعلم بحركتها وأعلم بكل شيء،كذلك فإن الله تبارك وتعالى أعلم بما تفعلون،يجب أن تعتقد أن أي فكرة تخطر ببالك أو كلمة تقولها أو أي حركة تفعلها يعلمها الله.
فكما أن الله يعلم بهذه الحركة الخفية للجبال وحدثكم عنها قبل أربعة عشر قرناً،فهو أعلم بأعمالكم؛ولذلك خُتمت الآية بقوله تعالى(إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ).
سفيانُ الثوريُّ مخدَّتُهُ الترابُ
توسَّد سفيانُ الثوريُّ كومْةً منْ الترابِ في مزدلفة وهو حاجٌّ،فقال له الناسُ:أفي مثلِ هذا الموطنِ تتوسَّدُ الترابَ،وأنت مُحدِّثُ الدنيا؟قال: لمخدَّتي هذهِ أعظمُ منْ مخدةِ أبي جعفرٍ المنصورِ الخليفةِ .
قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ .
طَعْمُ الحريَّةِ اللذيذُ
يقولُ الراشدُ في كتابِ (المسار): منْ عندَهُ ثلاثمائةٍ وستون رغيفاً وجرَّة زيتٍ،وألفٌ وستمائة تمرة،لم يستعبدْه أحدٌ .
وقال أحدُ السلفِ:منِ اكتفى بالخبزِ اليابسِ والماءِ،سلِم من الرِّقِّ خلا للهِ تعالى وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَ .
قال أحدُهم :
أطعتُ مطامعي فاستعبدتني
ولوْ أني قِنِعْتُ لكنتُ حراً
وقال آخرُ :
أرى أشقياء الناسِ لا يسأمونها
على أنَّهمْ فيها عُراةٌ وجُوَّع
أراها وإنْ كانتْ تسُرُّ فإنها
سحابةُ صيفٍ عنْ قليلٍ تقشَّعُ
إنَّ الذين يسعوْن إلى السعادةِ بجمع المالِ،أو المنصبِ أو الوظيفةِ،سوف يعلمون أنهمْ همُ الخاسرون حقّاً،وأنهمْ ماجلبواإلا الهموم والغموم،وَلَقَدْجِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ، بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا{16} وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَ .
لنْ يضرَّك السبُّ والشَّتْمُ
كان الرئيسُ الأمريكيُّ(إبراهام لينكولن)يقولُ: أنا لا أقرأُ رسائل الشتمِ التي تُوجَّه إليَّ،ولا أفتحُ مظروفها فضلاً عن الردِّ عليها؛لأنني لو اشتغلتُ بها لمَا قدَّمت شيئاً لشعبي فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ،فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ،فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ .
قال حسَّانُ :
ما أبالي أنبَّ بالحزْنِ تَيْسٌ
أو لحاني بظهرِ غَيْبٍ لئيمُ
المعنى: أنَّ كلماتِ اللؤماءِ والسخفاءِ والحقراءِ الشتّامين المتسلقين على أعراضِ الناسِ،لا تضرُّ ولا تُهُمُّ،ولا يمكنُ أنْ يتلفت لها مسلمٌ،أو أن يتحرك منها شجاعٌ .
كان قائدُ البحريةِ الأمريكيةِ في الحربِ العالميةِ الثانيةِ رجلاً لامعاً،يحرصُ على الشهرةِ، فتعاملَ مع مرؤوسيه الذين كالوا له الشتائم والسباب والإهاناتِ،حتى قال:أصبح اليوم عندي من النقدِ مناعةٌ،لقدْ عَجَمَ عودي،وكبرتْ سني، وعلمتُ أنَّ الكلام لايهدمُ،ولاينسِفُ سُوراً حصيناً.
وماذا تبتغي الشعراءُ منّي
وقدْ جاوزتُ حدَّ الأربعينا
يُذكرُ عن عيسى – عليه السلامُ – أنهُ قال: أحبوا أعداءكم.
والمعنى:أنْ تُصدروا في أعدائِكمْ عفواً عامّاً، حتى تسلموا من التشفِّي والانتقامِ،والحقدِ الذي ينهي حياتَكُمْ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ. (اذهبوا فأنتمُ الطلقاءُ)،لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ،عَفَا اللّهُ عَمَّا سَلَف.