قصص إسلامية: الجار يكرم جاره

أن الإسلام لم يقف عند حد العدل فقط في معاملة الناس بعضهم البعض، ولا فى الحكم بينهم.وإنما طلب بعد العدل الأحسان, والإحسان يسمو فوق العدل في المعاملة؛ لأنه إذا كان العدل توازناً بين الأخذ والعطاء، فإن الإحسان عطاء أكثر من مقابل أخذ، أو في غير مقابل أصلاً.والمحسن هو من فاض بإنسانيته على غيره دون انتظار جزاء منه، وعلى أساس مبدأ الإحسان وليس على أساس العدل – يجب على الجار أن يكرم جاره، وأن للجار الحق في معاملة كريمة من جاره.

يقول الله تعالى:« وأعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب.(أي وأوصيكم إحساناً بهؤلاء الذين ذكروا بعد الوالدين، ومن بينهم الجار القريب والجار الآخر البعيد عنه). والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم، إن الله لا يحب من كان مختالأ فخوراً «.

وإن الجار له الحق في المساعدة وعن ذلك يقول ابن جميل جاءت امرأة إلى الحسن تشكو الحاجة فقالت:إني جارتك . قال : كم بيني وبينك ؟ قالت: سبع دور، أو قالت عشر .

فنظر تحت الفراش فإذا ستة دراهم أو سبعة فأعطاها إياها وقال :كدنا نهلك«أي إن عدم الشعور بمدى حاجة الجار قد يؤدي للهلاك، وعن عائشة – رضي الله عنها – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها:إذا دخل عليك صبي جارك فضعي فى يده شيئاً فإن ذلك يجر مودة.

كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ثلاث يعمرن الديار ويزدن فى الأعمار: حُسن الجوار وصلة الأرحام وحسن الخلق ، لذلك نجد أن الجار الصالح من نعم الله تعالى على الأسرة، فتجده نجدة وأسرع إنقاذاً يحفظ عورة جاره، ويغض الطرف عن محارمه ويصون عرضه ويشاركها الأفراح والأحزان، لذا أوجب التشريع الإحسان إلى الجار .. حيث جاء رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو إليه أذى جاره .

فقال : أطرح متاعك فى الطريق ففعل، وجعل الناس يمرون به ويسألونه.فإذا علموا بأذى جاره له، لعنوا هذا الجار.

فجاء الجار السيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يشكو أن الناس يلعنونه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فقد لعنك الله قبل الناس ) . . وعن أبي بكر محمد بن عمرو بن حزم أن عمرة حدثته أنها سمعت عائشة رضي الله عنها تقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه .. وعن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر رضي الله عنه قال:إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصاني إذا طبخت مرقاً أن أكثر ماءه ثم أنظر أهل بيت من جيراني فأصبهم بمعروف .. فهكذا اهتم رسول الله صلى الله وسلم بالجار فكاد يجعل له في كل شيء مما يصيبه جاره نصيباً .. وذكر العلماء أن الجار هو الذي بينك وبينه أربعون داراً من أي جانب كان من جوانب الدار، مسلماً كان أو كافراً، قريباً كان أو أجنبياً .

وأخرج الطبراني عن معاوية بن حيدة رضي الله عنه فيما يروى عن حقوق الجار :إن استقرضك أقرضته، وإن استعانك أعنته، وإن مرض عدته، وإن احتاج أعطيته، وإن أصابه خير هنأته، وإن أصابته مصيبة عزيته، وإن مات اتبعت جنازته، ولا تستطل عليه بالبناء فتحجب عنه الريح إلا بإذنه، ولا تؤذه بقتار قدرك( أي رائحة اللحم التي تفوح منه) إلا أن تغرف له منها، وإن اشتريت فاكهة فأهد له منها، وإن لم تفعل فأدخلها سراً ولا يخرج بها ولدك ليغيظ ولده .

وحذر بعض الفقهاء تحذيراً شديداً من جار السوء، لأنه إذا انقلب الجار إلى جار سوء كان شؤماً على نفسه وعلى جيرانه، وتعست الحياة وشقيت الأسرة وتنازع الناس ووقعوا في مشاكل لا حصر لها .. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه :أعوذ بك من جار السوء في دار الإقامة فإن جار البادي يتحول، فإن جار السوء فى الإقامة الدائمة مصيبة كبرى.

وخرج الإمام أحمد والحاكم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : « يا رسول الله إن فلانة تصلي بالليل وتصوم النهار وفي لسانها شيء تؤذي جيرانها، سليطة. فقال: لاخيرفيها هي في النار، وقيل له إن فلانة تصلي المكتوبة وتصوم رمضان وتتصدق بالأثوار “نوع من الجبن” وليس لها شيء غيره ولا تؤذي أحداً، قال : هي في الجنة.

ويقول الدكتور محمد سيد أحمد المسير فيما ذكره عن أخلاق الأسرة المسلمة بحوث وفتاوى:إن الجارة حين تدخل بيت جارتها لتؤانسها وتجالسها وتفضي إليها أسرارها، يجب أن يتم ذلك في ضوابط تجعلها في إطار الأخلاق الكريمة، بلا خداع أو مداهنة أو مكر أو رذيلة. . بعد التأكد من كونها من ذوي الإيمان والعمل الصالح؛ لأنها إن كانت من الصالحات حسن خلقها وصلح حالها، وإن كانت من الفاسقات ستدفعها إلى مالا يحمد عقباه, ويقول الرسول الكريم : إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد ريحاً طيبا، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحاً منتنة .