سالم بن سيف العبدلي -
كاتب ومحلل اقتصادي -
samadshaan@yahoo.com
تبذل العديد من دول العالم جهودا كبيرة من اجل البحث العلمي والابتكار، فالمنتجات والسلع والخدمات التي نستهلكها يوميا لم تأت من فراغ ولا بمحض الصدفة ولم تنزل من السماء جاهزة فابتداء من الابرة مرورا بالمصباح الكهربائي وانتهاء بالطائرة والهاتف الجوال وغيرها من الاختراعات التي نستخدمها ونستهلكها حاليا ماهي الا نتيجة عشرات السنين من البحث والدراسة والتجربة وتخصص بعض الدول الغربية موازنات ضخمة من أجل إجراء البحوث والدراسات والمسوحات العلمية تصل أحيانا الى 10% من ناتجها القومي وتتربع الولايات المتحدة الامريكية على عرش الدول الداعمة للبحث تليها الصين فاليابان ثم المانيا بعد ذلك تأتي كوريا الجنوبية ثم فرنسا وبريطانيا ثم الهند فكندا اما الدول العربية فإنها توجد على ذيل القائمة.
بدأت السلطنة الاهتمام بالبحث العلمي وان كنا لا نعلم حتى الآن كم تشكل المبالغ المخصصة لهذا البرنامج من الناتج المحلي بسبب عدم توفر مصدر يبين ذلك تحديدا ومنذ انشاء مجلس البحث العلمي والذي يتمتع باستقلال اداري ومالي فإن البحث العلمي بدأ في التوسع كما ان جامعة السلطان قابوس بكلياتها المختلفة تقوم بإجراء بحوث سنوية ناهيك عن ان بعض المؤسسات والوزارات لديها برامج بحثية متخصصة مثل وزارة الزراعة والثروة السمكية وصندوق التنمية الزراعية والسمكية فيما يخص البحوث المتعلقة بالجوانب النباتية والحيوانية والسمكية إضافة الى الكليات التطبيقية وكليات ومعاهد التمريض والجامعات والكليات الخاصة والتي تقوم بإجراء بحوث كل فيما يخصه من خلال المشاريع والأنشطة الطلابية.
تظهر نتائج البحوث العلمية والتجارب من خلال المعارض والمؤتمرات والمهرجانات التي تنظم داخل وخارج السلطنة، لاحظنا على سبيل المثال في المهرجان العلمي الثالث عشر والذي نظمته كلية العلوم بجامعة السلطان قابوس خلال الأسبوع الماضي والذي صاحبه معرض متخصص أن هناك اكثر من خمسين مشروعا ابتكاريا لطلاب الكلية تم عرضها إضافة الى ان طلبة كلية الهندسة يقدمون عددا من البحوث والمشاريع ضمن متطلبات الدراسة في السنة الأخيرة وفي مختلف المجالات كما ان شباب السلطنة يشاركون في اللقاءات والفعاليات العلمية على المستوى الخليجي ودائما يحصدون جوائز في مجال الابتكارات ناهيك عن ان عددا من الشباب يقومون بجهود فردية ونسمع عن اختراع سيارة تعمل بالطاقة الشمسية وجهاز ضد السرقات وآخر ضد الحريق ومؤخرا شاهدنا الصندوق الأبيض الذي اخترعه شاب عماني بعد حادثة الطائرة الماليزية وغيرها الكثير والكثير من المشاريع القابلة للتطبيق على ارض الواقع الا ان اغلب تلك البحوث للأسف يكون مصيرها الحفظ في الارفف والمخازن فهي تنتهي بانتهاء الطالب من تجريبها وحصوله على درجة عليها او بسبب عدم وجود من يتبناها.
في أحد المعارض البحثية لطلبة الجامعة سألنا الطلبة عن نتيجة تجربة معينة وشرح لنا طريقة استخدامها ونتائجها المحققة الا انه توقف عند هذا الحد وأشار الى ان التطبيق على ارض الواقع ليس من مهمتنا وانما هي مهمة أطراف أخرى واكد على انه يتمنى ان يرى تجربته تطبق وتتبناها جهة ما ليستفيد منها الجميع.
في أواخر شهر مارس المنصرم عقد المؤتمر الوطني الأول للبحوث الزراعية والسمكية والذي نظمته وزارة الزراعة والثروة السمكية بالتعاون مع جامعة السلطان قابوس ومجلس البحث العلمي واستمر لمدة يومين شارك فيه عدد كبير من الباحثين يمثلون مختلف القطاعات ذات العلاقة بالإنتاج الزراعي والسمكي وشرفنا بالمشاركة فيه حيث تم طرح عدد من البحوث والتجارب الناجحة في مختلف المجالات والتي اجازتها لجنة علمية مخصصة لهذا الغرض بلغ عددها 75 بحثا منها 35 ملصقا علميا تظهر نتائج بحثية مهمة و40 ورقة علمية كل منها يتحدث عن مشروع بحثي مستقل في مجالات الإنتاج النباتي ووقاية المزروعات وعلوم الحيوان والبيطرة والاسماك وعلوم البحار والاستزراع السمكي والبيئات الزراعية وكلها موضوعات مهمة وعلى هامش هذا المؤتمر تم افتتاح معرض الملصقات العلمية والمعرض الطلابي.
من أهم البحوث والدراسات التي تم استعرض نتائجها في هذا المؤتمر بحث خاص بتطوير نظام منخفض التكلفة لمعالجة المياه الرمادية لاستخدامها في الزراعة وهناك نتائج جيدة حول هذا المشروع وبحث آخر حول تأثير الري بمياه الصرف الصحي المعالجة على الإنتاجية والجودة لمحصول قمح الخبز وبحث آخر حول تشخيص مرض موت الشمام في عمان وبحوث حول بعض امراض محاصيل النارجيل والليمون والطماطم وبحث مهم حول استخدام المبيدات في عمان : المخاطر والسلوك البشري وبحوث حول الاستزراع السمكي والاستزراع السمكي التكاملي و تسويق الإنتاج من اسماك البلطي من المزارع التكاملية وتحسين نظم التغذية للحيوانات المجترة الصغيرة والتركيبة الوراثية للماعز في عمان والمقدرة الوراثية لسلالات الابقار والمجترات الصغيرة في عمان وغيرها من البحوث المهمة.
لقد حان الوقت ان تكون لدينا بحوث تطبيقية تجرى على أرض الواقع حسب طبيعة ونوع البحث خاصة بالنسبة للبحوث الزراعية فينبغي اجراؤها في مزارع مختارة بحيث يتم تطبيقها مباشرة وتعميمها بعد ثبات نجاحها في تلك الحقول وبهذه الطريقة نستطيع ان نسرع من تنفيذ هذه النتائج ونضمن اقناع المزارع بها ونكسر الحلقة المفقودة بين البحوث والإرشاد.
اما بالنسبة للبحوث والابتكارات ذات الجدوى الصناعية والتجارية فينبغي تبنيها من قبل الجهات المختصة وإصدار براءة اختراع لها وتعمميها ليستفيد منها الوطن والبشرية جمعاء ومجلس البحث العلمي هو الجهة المعنية بهذا الموضع ولحين اكتمال مجمع الابتكار الجاري تنفيذه حاليا والذي قد يستغرق بعض الوقت فلا بد من إيجاد طريقة للتطبيق خاصة وأن بعض البحوث والتجارب قد تتقادم بمرور الوقت فالبحوث والدراسات التي تجرى سنويا وتكلف ملايين الريالات تصبح غير ذات جدوى مالم يتم تطبيقها على ارض الواقع.