البخور.. سلعة اقتصادية هامة وصناعة عمانية خالصة تفوح برائحة الأصالة


صلالة – العمانية -


يعد البخور من أهم الصناعات العطرية التقليدية التي برعت فيها المرأة العمانية واهتمت بصناعتها وتطويرها على مر العصور حيث يستخدم في الحياة اليومية وفي المناسبات الدينية والاجتماعية ومجالس الضيافة وتطييب الملبوسات .


وتميزت المرأة في السلطنة عموما وفي محافظة ظفار على وجه الخصوص بصناعة أنواع مختلفة من البخور وذلك بمزج عدة أصناف من العطور والمسك والهيل وحطب ودهن العود وبعض أنواع التوابل.


ومع تطور الحياة وإيقاعها تطورت كذلك أنواع البخور وتعددت أصنافه ففي الوقت الذي كانت فيه المرأة تحضر حاجتها من البخور أصبح هناك اليوم من تتخصص في تجميعه وتحضيره من خلطات عديدة تحمل كل واحدة منها اسماً خاصًا تعرف به كما أدخلت أساليب ومواد جديدة لم تكن موجودة من قبل وهي ذات جودة عالية وبعضها باهظ الثمن .


وأصبح البخور العماني سلعة اقتصادية هامة وصناعة عمانية خالصة حيث تم إدراج صناعة البخور ضمن صناعات الإجادة الحرفية وذلك لأهمية هذه الصناعة والحفاظ عليها حيث تدر هذه الصناعة عائدا وافرًا على من يمارسون هذه الحرفة .


واستقطبت صناعة البخور قطاعًا كبيرًا من النسوة اللاتي أصبحن يمتلكن أماكن خاصة ببيع البخور في الأسواق التقليدية والمجمعات التجارية المنتشرة في السلطنة كما تقوم بعض النسوة بتسويق بضاعتهن من البخور عن طريق البيع المنزلي ويتخذن من بيوتهن مكانًا لبيع إنتاجهن من البخور والذي غالباً ما يكون على مستوى عال من الجودة .ويوجد العديد من المتخصصات في تصنيع البخور الذي تتراوح قيمته حسب كميته ومكوناته ونوعية المواد العطرية المستخدمة في صناعته وتعد بعض الوصفات المستخدمة في صناعة البخور وصفات سرية لا يمكن الإفصاح عنها حيث تتفنن بعض النساء في صناعة البخور ويعرفن جيداً مكوناتها ونسب كل منها ويتم تحضيره من عجينة مكونة من حطب العود والمسك والعنبر وقد يضاف إليها دهن العود وعدة أنواع من العطور المميزة تخلط معاً إلى جانب أنواع يمكن تحضيرها على شكل أقراص مستديرة تستخدم جافة وأنواع أخرى تكون سائلة بالإضافة إلى الأنواع العادية من البخور التي تعتمد جودتها على كمية وجودة العطور المستخدمة فيها .


ويعتبر البخور أحد المستلزمات الأساسية في مناسبات الأفراح كالأعراس والأعياد والمناسبات الأخرى كما تحرص النساء أيضًا على حرق بخور العود واللبان كل مسـاء حتى أصبحت الرائحة الزكية شيئاً مميزًا للبيت العماني ومظهراً من مظاهر الترحيب بالضيوف.


وإذا كانت الإمكانات في السابق لا تسمح بأنواع متعددة من البخور فيمكن الآن أن نحصل على أصناف كثيرة بعضها كان معروفا والبعض الآخر ابتكر حديثا ولكن بنفس الأسلوب والطريقة التقليدية للصناعة .


والبخور أو الدخون كما يطلق عليه في محافظة ظفار نوعان منه ما هو سائل ويتركز في إعداده على خشب العود الذي يتم نقعه في مجموعة مختارة من العطور غالية الثمن لمدة معينة حسب رغبة صانعة البخور ويعد أفضل أنواع البخور حيث يدخل في إعداده أغلى أنواع العطور وأثمنها.


ويعرف النوع الآخر من البخور بالجاف ويتم إعداده بخلط مجموعة من العطور بطريقة معينة حسب اختيار صانعة البخور ويتم طحنه بعد ذلك بواسطة المكائن الكهربائية ليصبح كالمسحوق ومنه اصناف عدة منها دخون الهيل ودخون المخلطة ويمكن تمييز كل نوعية ومدى جودتها بواسطة حرق كمية قليلة في المبخرة أو المجمر .


وللبخور أو الدخون أسماء وأصناف كثيرة حسب نوعية العطور والمواد التي تتركز عليها الخلطة منها "دخون الأميرات والقطرة والمرينة والعود والمشحمة".


ويعتبر البخور أحد المستلزمات الأساسية في حالات الزواج في محافظة ظفار حيث يتم تجهيز العروس بأفضل أنواع البخور قبل الدخول إلى بيت الزوجية ونظرًا للإرث الكبير الذي تزخر به السلطنة وخاصة محافظة ظفار في مجال صناعة البخور فقد شهدت هذه الصناعة نشاطا متزايدا في عهد النهضة المباركة تحت ظل القيادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم – حفظه الله ورعاه - حيث حظيت الصناعات والحرف التقليدية وموروثات الآباء والأجداد باهتمام جلالته السامي. ونتيجة لذلك فقد انتشرت محلات بيع البخور في صلالة ومناطق مختلفة من السلطنة نظرًا لزيادة الطلب عليه خاصة خلال فصل الخريف الذي تشهد محافظة ظفار فيه إقبالا كبيرا من الزوار والسياح من مختلف مناطق السلطنة ودول مجلس التعاون الخليجي حيث توضع خلطات البخور في علب فاخرة وتعرض للبيع في الأسواق الشعبية والتجارية بالمدينة باعتباره أحد أهم الهدايا التي يحرص السياح على شرائها من الأسواق العمانية قبل مغادرتهم البلاد .


ويستخدم اللبان في تحضير بعض أنواع العطور والبخور المحلي وبسببه ازدهرت حرفة صناعة المباخر الفخارية الرائعة التي يتم إنتاجها بمختلف الأشكال والتصاميم والألوان في محافظة ظفار وغيرها من محافظات السلطنة وتشكل هذه الحرفة إحدى الصناعات الهامة في التراث العماني الزاخر .


وتهتم السلطنة بالصناعات الحرفية باعتبارها جزءا مهما من الثقافة الاقتصادية والاجتماعية والحضارية للمجتمع العماني وأحد أهم الروافد العمانية حيث تقوم الهيئة العامة للصناعات الحرفية بإصدار التراخيص للحرفيين العمانيين المتمثلة في تطوير الموروثات الحرفية العمانية وفق اللوائح والتشريعات المعتمدة.


وتشتهر السلطنة بالعديد من الصناعات الحرفية من بينها صناعة البخور وصناعة تقطير الزهور والأعشاب إضافة إلى صناعة الجلود وصناعة المشغولات الفضية والنحاسية والمنسوجات والتطريز اليدوي والصناعات الخشبية إلى جانب صناعة الفخار والخزف وصناعة السفن وحرفة السعفيات الخوصيات .


وقالت مريم بنت أحمد بالحاف إحدى الحاصلات على جائزة السلطان قابوس للإجادة الحرفية في مجال صناعة البخور: "عملت على تطوير حرفة صناعة البخور من حيث التركيز على الجودة أولاً واستغلال الموارد الطبيعية التي حبانا الله بها في محافظة ظفار وهي شجرة اللبان حيث قمت باستخدام اللبان ومشتقاته المتنوعة في صناعة أغلب المنتجات من البخور والعطور .وأشارت إلى الدور الذي تقوم به الهيئة العامة للصناعات الحرفية في دعم الصناعات الحرفية في السلطنة ومنها صناعة البخور إلى جانب توفير مراكز تدريب في مختلف محافظات السلطنة والمشاركة في المعارض المحلية والدولية لتسويق المنتجات وإيجاد مراكز ومنافذ بيع جديدة.