حمدة بنت سعيد الشامسية -
hamdahus@yahoo.com -
المرة الأولى التي أسمع بها عن المذيعة نايلة بنت ناصر البلوشية كان عبّر مقال كتبه الزميل هلال الزيدي حول برنامجها (حديث الروح) أثار من خلاله فضولي لمتابعة البرنامج، إلا أنني حقيقة لم أبدأ في متابعته مباشرة حتى توالت على مسامعي التعليقات حول كفاءة وبراعة المذيعة الشابة في الحوار، فشعرت بأن ربما هذه إشارة لمتابعة البرنامج، الذي منذ الحلقة الأولى التي تابعتها فيه أسرني أسلوبها في الحوار الذي أول ما شدني إليه أنها لا تزاحم ضيوفها في الحوار، وتمنحهم متسعا من الوقت للبوح الجميل الذي أجاده معظم من استضافتهم، فلم تكن الحوارات مجرد نقاش، وإنما رحلات جميلة في حياة الضيوف الذين ألقوا الضوء أيضا على مراحل من تاريخ عمان الحديث والأحداث التي عايشوها ولم يتم توثيقها، والتي أتمنى أن يلتفت المسؤولون لها ويتم توثيقها على شكل كتب صوتية للأجيال القادمة، لأنها بالفعل أرشفة جميلة وصادقة لهذه المرحلة من عمر عمان، ممن عايشوها عن قرب، فالضيوف تم اختيارهم بدقة ليمثلوا كافة شرائح المجتمع واتجاهاته، لذا كانت سعادتي كبيرة وأنا أتلقى اتصالا من نايلة تدعوني فيه أن أكون احد ضيوف (حديث الروح) إذ أنني كنت متشوقة كثيرا للقائها شخصيا، فقد سمعت الكثير عنها ممن حولي، والكثيرون أيضا حذروني بأنها على درجة عالية جدا من الاطلاع والثقافة، طلبت المذيعة الجميلة موعدا للقائي قبل البرنامج ليتسنى لها التحضير للحلقة، وعلى الفور أخرجت أحد أحكامي المسبقة حول نوعية التحضير، فقد توقعت أن يكون كما حدث في برامج سابقة دعيت لها، أن يكون لقاءً عابراً تطلب فيه نسخا من إصداراتي، أو ربما تفاجئني في اليوم السابق للمقابلة تعتذر فيها عن اللقاء وتكتفي برسالة عبر البريد الإلكتروني يحمل سيرة ذاتية مختصرة عني ستستخدمها في إعداد الأسئلة، لذا بادرت على الفور بقبول الدعوة للقاء، فاجأتني بإصرارها على اللقاء في منزلي لتطلع عن قرب على حياتي في محيط أسرتي، جاءت في الموعد المحدد متتبعة الوصف الذي أرسلته لها عبر الواتساب، ولدهشتي الشديدة وجدتها تخرج رزمة ضخمة من الأوراق من حقيبتها، عبارة عن محتوى مدونتي كاملا، وكل ما نشر عني، مما أثار دهشتي حقا أنها قرأت كل تلك الأوراق، بل إنها جمعت كما هائلا من المعلومات عني من كل من يعرفني، ووجدتها تفاجئني أثناء الحديث بأن الكثير مما قلته لم يكن غريبا عليها، حتى قصائد والدي المغناة وجدتها قد بحثت عنها عبر اليوتيوب، لقاؤنا العابر استمر من بعد صلاة المغرب مباشرة وحتى العاشرة والنصف مساء، وخرجت مصحوبة بقائمة هواتف لبعض أفراد أسرتي ومعارفي ونسخه من ديوان الوالد ونسخة من إصداري الأخير (السعادة على بعد فكرة)، كان هذا قبل موعد بث الحلقة بيومين تقريبا، هاتفت نايلة في الخامسة مساء يوم بث الحلقة لتأكيد الموعد فتفاجئني بأنها في مبنى الإذاعة منذ الثانية ظهرا للتحضير، طلبت منها أن تصف لي مقر الإذاعة لأني غالبا ما أتوه في مدينة الإعلام فتفاجأت بها تعرض عليّ الالتقاء بي في مكان مألوف وأمام إصرارها لم أجد بداً من الانصياع للأمر، فهذه الشابة ليست من النوع الذي يتقبل كلمة (لا) بسهولة، مفاجأتي الأكبر هو في اكتشافي أنها خلال اليومين اللذين أعقبتا لقاءنا قرأت كتابي كاملا كما قرأت ديوان الوالد رحمة الله عليه، ووضعت علامات على القصائد التي استهوتها، كنت أتابع حديثها بدهشة كبيرة، فهذه الفتاة مليئة بالمفاجآت، لكن ما شدني لها أكثر من أي شيء آخر هو كم الصدق الذي تحمله بداخلها، والذي ينعكس على عملها، فهي شفافة بشكل مدهش، وتعشق عملها بشكل يثير الإعجاب، وتحترم مستمعيها بشكل مذهل، فهي تتعايش مع ضيفها بشكل كامل، وتدخل في أغوار شخصيته لتأتي أسئلتها عن معرفة شاملة ودقيقية عن ضيفها، شخصيتها قريبة من القلب تشعرك بأنك تعرفها معرفة شخصية، هناك نوع من الحميمية يفرضها حوارها معك، لم تستعن بمعدين للحلقة، فهي تتولى الإعداد من الألف للياء، شعرت معها بأنني مكشوفة تماما، فلم يحدث أن جمع عني شخص هذا الكم من المعلومات، ومن كل هذه المصادر، لكنني حتما أعجبت بمصداقيتها، إنها من ذلك النوع الفريد من الكفاءات التي تحترم عملها، وتحترم جمهورها بشكل كبير، شخصيا أغبط الأشخاص الذين يحبون مهنتهم بهذا الشكل، فالمهنة أصبحت حياة البعض منا، نقضي فيها وقتا أكبر مما نقضيه في بيوتنا، ومن كان سعيدا وراضيا وهو يؤدي عمله، لا شك بأنه سيكون راضيا في الجزء المتبقي من جوانب الحياة، أو الأدوار الأخرى التي يؤديها خارج عمله، وحب المهنة يمنحنا الرضا والسلام الداخلي النابع من العطاء الصادق للآخرين، أحيانا كثيرة قد لا نجد التقدير الذي نستحق من جهة عملنا، لكن الصدق في أداء العمل يجعل من صاحبه نجما يتعذر أن لا يلاحظ الآخرون بريقه، فالإبداع المقرون بالصدق بريق لامع لا تخطئه العيون.