علم الإحصاءات واقتصاد نيجيريا

لؤي بطاينة -

Lbb_65@yahoo.com -
أظهرت البيانات الإحصائية الصادرة من مكتب الإحصاءات النيجيري في الأسبوع الماضي، بأن اقتصاد دولة نيجيريا تخطت اقتصاد دولة جنوب إفريقيا لتصبح أكبر اقتصاد في قارة إفريقيا، وذلك بعد تغيير سنة الأساس المُستخدمة في تقدير حجم الناتج النيجيري الإجمالي.


وقال مكتب الإحصاءات النيجيري: إن الناتج النيجيري الإجمالي لأكبر بلد مُنتج للنفط في إفريقيا بلغ 510 مليارات دولار مُرتفعاً من 270 مليار دولار أمريكي قبل تعديل سنة الأساس وبنسبة ارتفاع بلغت 89%.

تفاجأ العالم والاقتصاديون في الأسبوع الماضي بتصدر الاقتصاد النيجيري كأكبر اقتصاد إفريقي ويحل محل اقتصاد دولة جنوب إفريقيا وبحجم أكبر من أي توقعات وتخمينات وذلك بسبب إعادة ترميز وتصنيف وقراءة بعض الأرقام والإحصائيات وإضافة وضم الحكومة لموارد قطاعات لم تكن مُضافة من قبل للناتج القومي مثل قطاعات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والموسيقى و/أو زيادة أوزانها الترجيحية.

نعم وبدون أية مُقدمات وتطورات مالية واقتصادية وسياسية واجتماعية تم الإعلان بأن نيجيريا أصبحت الاقتصاد الأزل من حيث الحجم في قارة إفريقيا، وهنا جاء بما يُسمى بعلم الإحصاءات والأرقام وطريقة الاحتساب لبعض من المؤشرات والأرقام والنسب المالية والاقتصادية وبطريقة شبه سحرية تمت إضافة بحدود 90% إلى ناتجها النيجيري الإجمالي ليصل إلى 510 مليارات من الدولارات (مرتفعة من 270 مليار دولار أمريكي) وبذلك يتجاوز الاقتصاد النيجيري الاقتصاد الجنوب الإفريقي والتي يبلغ ناتجها النيجيري الإجمالي الآن بحدود 370 مليار دولار.

وفي البداية يجب أن نقول إنه لم يكن هنالك أي تغيير حقيقي وهيكلي وغير طبيعي في الاقتصاد النيجيري بالنسبة للمراقبين والمهتمين والمُحللين سوى طريقة قياسه (للاقتصاد النيجيري).

كل الذي تم عمله هو مراجعة طريقة الاحتساب من خلال إعطاء ما يستحقه الاقتصاد من أوزان لبعض القطاعات مثل الاتصالات والمصارف وصناعة الأفلام (نوليوود) التي شهدت نمواً سريعاً في السنوات الأخيرة.

وقال الرئيس التنفيذي لمكتب الإحصاءات النيجيري (يمي كولي): إن قطاع الاتصالات شكل ما نسبته 8.7% من الناتج النيجيري الإجمالي، مقابل 1.2% فقط في عام 1990. وأضاف: إن صناعة السينما تُساهم حاليا بنحو 6 مليارات من الدولارات أو ما نسبته 1.2% من الناتج النيجيري الإجمالي، وهي الصناعة التي لم يكن لها أي مُساهمات في الناتج النيجيري لنيجيريا في عام 1990.

ويعتمد الاقتصاد النيجيري بشكل رئيسي على النفط والغاز والمعادن والزراعة والصناعات التحويلية والتعدين. ويبلغ عدد سكان نيجيريا أكثر من 173 مليون نسمة ويُشكل الدين الإسلامي أكثر من 50% والمسيحية بحدود 26%. وتُعتبر نيجيريا الدولة الأكثر سكاناً في قارة إفريقيا وتأتي في المرتبة الـ11 بالنسبة لبقية دول العالم من حيث عدد السكان. وتبلغ مساحة نيجيريا في حدود 924 ألف كم مربع.

وتُشكل عائدات النفط أكثر من 60% من الناتج النيجيري الإجمالي، وعلى الرغم من ذلك إلا أنها ما زالت تُعتبر بلادًا فقيرة، لا بل تحتل نيجيريا المركز الـ153 من أصل 187 دولة على مؤشر التنمية البشرية للأمم المتحدة. وعلى الرغم من النمو السريع الذي تحقق لاقتصادها (بفعل الارتفاع المُستمر لأسعار البترول) في السنوات الأخيرة، إلا أنه تظل معدلات البطالة بمستويات مرتفعة وأعداد الفقراء في ازدياد مُستمر نتيجة العديد من الأسباب ومنها الصراعات الطائفية والعسكرية طيلة السنوات العشر الماضية.

واستمر الاقتصاد النيجيري في النمو السنوي وبمُعدل 7% خلال السنوات العشر الماضية مُعتمدة بشكل رئيسي على ارتفاع أسعار النفط والغاز والموارد الطبيعية، بالإضافة إلى وجود بعض الصناعات والأنشطة الاقتصادية الكبرى منها على سبيل المثال شركات عملاقة مثل شركات الأسمنت والتي تُخطط بعضاً منها (دانغوت) للإدراج في بورصة لندن كما كان في حالة شركة النفط الضخمة (سبلات) والتي بالتالي ستقوم تلك الإدراجات باستقطاب العديد من المُستثمرين والصناديق الاستثمارية الخاصة والسيادية للاستثمار بتلك الشركات وشركات واستثمارات أخرى وخصوصاً في قطاعات التعدين والمصارف. لا بل أصبحت نيجيريا إحدى أهم الدول والاستثمارات التي يستثمر بها ويراقبها عن كثب كبار الصناديق الاستثمارية الإقليمية والعالمية بسبب كبر حجم الاقتصاد النيجيري واستمرار تحقيقه مُعدلات نمو غير مسبوقة ومألوفة سابقاً.

وتُعتبر بورصة لاجوس (في نيجيريا) ثاني أكبر الأسواق في قارة إفريقيا وأكثرها سيولة ونشاطاً بعد بورصة جوهانسبرج في دولة جنوب إفريقيا. وعلى الرغم من الأرقام والمُعدلات الجديدة التي جاءت بها إعادة احتساب بعضا من القطاعات والتي تُعتبر قطاعات رئيسية في الاقتصاد النيجيري وكانت مُعدل نسبة مُساهمتها كوزن في الناتج النيجيري الإجمالي (في السابق) قليلة وتمت إعادة توزينها لتكشف وتوضح نسبتها وأهميتها ومعاملها الاقتصادي في الناتج النيجيري الإجمالي، إلا إنه ما زال مُعدل الدخل لكل فرد بمستويات مُتدنية إذا ما تمت مُقارنته بدول أصغر وأقل حضوراً ونشاطاً، حيث بلغ مُعدل الدخل لكل مواطن نيجيري في حدود 2,900 دولار أمريكي (حتى ما بعد تعديل القراءات والمُعدلات الجديدة للناتج النيجيري الإجمالي) وذلك بسبب استمرار ارتفاع نسب المواليد والنمو السكاني والتي من المتوقع أن يصل عدد السكان في دولة مثل نيجيريا في عام 2050 في حدود 440 مليون نسمة، وعلى العكس تماماً يصل مُعدل الدخل في دولة مثل جنوب إفريقيا إلى أكثر من الضعف وفي الوقت نفسه ببنية أساسية متقدمة بشكل يصعب مُقارنته بنيجيريا والتي تُعاني من العديد من المشاكل وخصوصاً في محدودية الإنتاج للطاقة الكهربائية والصراعات الطائفية والإثنية والتي تحد من تطوير العديد من المناطق والاستثمار بها وخصوصاً في مجال البنية الأساسية.

ولا يزال الاقتصاديون يقولون إنه وعلى الرغم من تربع الاقتصاد النيجيري كأبرع اقتصاد في القارة الإفريقية إلا أنه لن يفيد نيجيريا كثيرا حيث يبلغ عدد سكانها في حدود 173 مليون نسمة وهو 3 أضعاف عدد سكان جنوب إفريقيا. ويقولوا أيضاً بأن هذا الإعلان لا يُضيف شيئا للاقتصاد الوطني النيجيري في المستقبل ولا يضع طعاما على مائدة المواطنين ولا يوفر أموالا في حساباتهم البنكية.

ولم تعلن نيجيريا عن إحصاءات الدخل القومي لديها منذ عام 1990 رغم أن أغلب الدول تقدم على ذلك كل 3 سنوات على أقل تقدير.

تاريخياً، بكل تأكيد أن السياسة المالية لوزارة المالية والنقدية للبنك المركزي التي انتهجتها الحكومة النيجيرية خلال الأعوام الخمسة عشر الماضية أتت أُكلها من ناحية قدرة تلك السياسات والخطط والبرامج بكبح جماح التضخم من ما نسبته 70% (في عام 1996) إلى حدود 10% (في عام 1998).

بلا شك، تُعتبر نيجيريا من أهم الدول الإفريقية بالنسبة للاتحاد الأوروبي كشريك تجاري وسياسي وخصوصاً في مجال التجارة والسياسة الخارجية. كما نعلم أن نيجيريا تقوم بتصدير جزء مهم من منتجاتها الزراعية والنفطية إلى دول الاتحاد الأوروبي وفي الوقت نفسه تقوم باستيراد غالبية مستورداتها من دول الاتحاد الأوروبي، علاوة على أهمية الموقع الجغرافي في منطقة غرب إفريقيا وبالقوة البشرية للدولة والتي تُعتبر بمثابة القوة المُحفزة اقتصادياً لأي نمو اقتصادي مُستقبلي. وبالتالي إن دراسة ومتابعة الاقتصاد النيجيري يعطينا العديد من الدلائل والمؤشرات والطرق والبرامج التي من المُفيد دراستها وتعلمها ومحاولة الاستفادة منها، لا بل تطبيقها بطريقة تتناسب وطبيعة وظروف ومكانة الاقتصاد العربي بشكل عام والخليجي بشكل خاص.


تم الرجوع والاستعانة بعدد كبير من الأبحاث والدراسات والمقالات والآراء بهذا الخصوص في هذه المقالة بتصرف.