مادلين أولبرايت وجيم أوبريان -
ترجمة قاسم مكي -
واشنطن بوست -
يمكن للرئيس أوباما والحلفاء الأوروبيين حين يلتقوا في الأسبوع القادم (تاريخ المقال 22 مارس) البدء بصياغة رد له معنى على مغامرات فلاديمير بوتين. وينبغي على هذه الاستراتيجية الجديدة الانتباه الى أن رؤية بوتين للعالم تتجذر في اختلاقات خطرة. لقد قال تشرشل يوما أن روسيا أحجية ملفوفة في سر داخل لغز. وتحت حكم بوتين يمكن وصف لغة خطاب روسيا بأنها خيال جامح في جوف وهم ملفوف بنسيج من الأكاذيب. يمكن لبوتين الاعتقاد بأن الأوكرانيين فاشيست ينوون الهجوم على الروس. ولكن ذلك غير صحيح.
فالحكومة المؤقتة في أوكرانيا تمثل الأوكرانيين تمثيلا عريضا. ولم يجد أي مراقب خارجي دليلا واحدا على وجود حملة عنف ضد الروس. ان أعظم كارثة في القرن العشرين لم تكن هي، كما ذكر بوتين، حلُ الاتحاد السوفييتي. لقد كانت أعظم كوارث ذلك القرن حربين عالميتين نشأت احداهما عن قيادة متقلبة وأولويات غير واضحة وبدأت الأخرى حين تم استخدام الأحقاد العرقية كذريعة للهيمنة بجانب اضطهاد ظلت تمارسه قوة شمولية على شعبها وجيرانها لنصف قرن من الزمان.
لقد نتجت أولي هذه الكوارث عن سوء تفاهمات والثانية عن أكاذيب صريحة والثالثة عن قوة وحشية للامبراطورية السوفييتية. كان الأمل هو أن تتحرر أوروبا كلها وأن تكون روسيا جزءا من القارة. ولكن بوتين، الناكص الأعظم على عقبيه، يرى أن روسيا قضت 20 عاما وهي تتعرض للاساءة وبدون قدرة على استعراض قوتها واقناع الآخرين أو منعهم من استعراض قوتهم. لقد تحدث للروس ليس حول امكانية انضمامهم للعالم ولكن عن أنهم ضحايا ولهم أعداء.
وفي الحقيقة فان روسيا أكثر ازدهارا اليوم من الحقبة السوفييتية. ويستفيد مواطنوها بقدر أكبر من الاندماج في العالم. وبالنظر الى أن عدوان بوتين قد خرق القانون الدولي فمن المثير أنه يحاول تبرير تصرفاته بسوابق هي أيضا لا ترتكز على حقائق.
يقول بوتين انه يفعل ما كانت قد فعلته دول أخرى في كوسوفو. ولكن ذلك ببساطة غير صحيح. ففي أعوام التسعينات، كانت أعداد كبيرة من الدول قد ساهمت في التدخلات الدولية في البلقان وصادقت عليها وتحكمت بها من خلال العديد من المؤسسات والترتيبات غير الرسمية بما في ذلك مجلس الأمن الدولي. وقد نفذت الخطوات المتعلقة بتلك التدخلات على مدى عدة أعوام. وأستخدمت القوة فقط حين استنفذت الدبلوماسية طاقتها. لجأ بوتين وهو يستعين بهذه الحزمة من الاختلاقات الى القوة العسكرية والدعاية( وهما الأداتان المتاحتان له). وتحرك في مكان أغلبية سكانه من الروس حيث يعتقد أن التلاعب بالتوترات العرقية قد ينجح.
ليس ممكنا السماح لأكاذيبه بالجواز. واذا تم قبول مبدئه الذي يقرر « مساعدة» الأقليات التي لا تواجه خطرا، فان العالم سيكون مكانا أكثر خطورة. ولا مجال للحيلولة دون تكرار مثل هذا السيناريو الا بالرد الحازم. وقد لاينصت بوتين. ولكن الدول حول العالم تنتظر الآن كي ترى كيف سترد الولايات المتحدة وحلفاؤها. لقد بدأنا بداية جيدة نحو تلك الغاية (أي الرد على تحرك بوتين في القرم). فقد وقَع الاتحاد الأوروبي اتفاق ارتباط مع أوكرانيا. وساندت الولايات المتحدة ودول أخرى المراقبين الدوليين وعززت من قوة حلفائنا في وسط وشرق أوروبا والتزمت بتقديم دعم مالي وأمني للحكومة الأوكرانية المؤقتة. وتم الآن تطبيق عقوبات ضد أولئك الذين انتهكوا القانون الدولي.
وهنالك المزيد منها في الطريق.
ولكن يجب ان تكون هذه الخطوات والتي تليها في خدمة الرؤية الاستراتيجية الأعرض. وأفضل المبادئ التي يمكن الاستمداد منها هي تلك التي قادت الغرب منذ الحرب العالمية الثانية. انها المبادئ التي ترى أن كل بلد له أن يقرر علاقاته الخاصة به وأن أوروبا يجب أن تكون دموقراطية وحرة وغير مقسمة. ويجب أن تتشكل الاستراتيجية من ثلاثة أجزاء. أولا يجب أن تظل وضعية الأراضي التي يدعيها بوتين موضعا للنزاع.
ويجب ألا يتدفق أيُ عون الى القرم وألا يحظى مسؤولوها بمكانة دولية. ويجب أن يساعد الأوروبيون والأمريكان وصندوق النقد الدولي أوكرانيا بالأموال وبخطة ومستشارين. ثانيا، على الرئيس وحلفاء الولايات المتحدة احاطة قادة وشعب روسيا علما بأن روسيا سيرحَب بها اذا اختارت أن تكون عضوا مسؤولا في النظام الدولي.
اننا نرحب بأولئك الذين يقيسون عظمة بلدهم بثروتها وانخراطها في العالم واستقرار علاقاتها مع جيرانها وليس فقط بقوتها العسكرية على حدودها. ثالثا، وهو الأهم، يجب أن تثمر رحلة الرئيس أوباما الى أوروبا لمجموعة السبع واجتماع القمة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عن استراتيجية للدول التي تجاور روسيا. ويجب أن يكون جوهر أية استراتيجية ايجاد روابط اقتصادية واجتماعية متينة لأوكرانيا والغرب. وهنا يمكننا استمداد درس من البلقان. فمع نهاية حرب كوسوفو في عام 1999 استنتج الرئيس بيل كلنتون أن الدول الضعيفة في المنطقة التي تمزقها الانقسامات العرقية لا يمكنها أن تزدهر. لذلك التزم على الفور في قمة انعقدت في سيراييفو بضم هذه الدول بكاملها (ديمقراطية وحرة) الى أوروبا.
ويمكن لأوباما وحلفائنا أن يقدموا التزاما شبيها في الأسبوع القادم وأن يتخذوا على الفور خطوات لدعم استقرار الاقتصاد الكلي لأوكرانيا والبلدان الرئيسة في المنطقة ودمج شركاتها في علاقات تجارية واتاحة الفرصة لشعب المنطقة للحصول على التعليم والوظائف بطريقة سهلة. ويمكن لجماعة أقوى تضم طرفي الأطلنطي وتجد تجسيدها في اتفاقية عبر الأطلنطي التجارية المقترحة أن تشكل نقطة جذب للبلدان التي تفكر في رفض الاتحاد الأوراسي.
ولكن علينا أن ندرك أنه ينبغي على الأوكرانيين أن يكونوا قادرين على الدفاع عن أنفسهم.
وفي حين أننا بدأنا في تقديم بعض المساعدات غير العسكرية فان الرئيس أوباما يلزمه التخلي عن مقترح سابق بخفض تمويل برنامج لتحديث الجيش الأوكراني.
وتحتاج الحكومة الأوكرانية أيضا الى المساعدة لمواجهة الهجمات الالكترونية وفي تنفيذ مهام الشرطة، خصوصا مكافحة الشغب. ومع استعداد الأوكرانيين للانتخابات الرئاسية في مايو فانهم سيبحثون عن قادة يمكنهم الايفاء بوعودهم الانتخابية ومساعدتهم على العيش بالطريقة التي يريدونها.
لقد أوضح الشعب الأوكراني منذ الثورة البرتقالية أنه يريد المشاركة في أوروبا. وحينها خذله قادته ولكن خذله أيضا المجتمع الدولي الذي لم يهتم به اهتماما كافيا. ولا يحدث كثيرا أن بلدا تتاح له فرصة ثانية. لقد توافرت هذه الفرصة للأوكرانيين وكذلك لقادة العالم. لقد تلت الحرب العالمية الأولى الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة. وسوف لن يغفر التاريخ لأولئك الذين سيكونون مسؤولين عن نشوب حرب باردة أخرى.
* أولبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية من 1997 وحتى 2001 وأوبريان المبعوث الرئاسي للبلقان في ادارة كلنتون.