تربية إيمانية – منبع الإرشاد والتوجيه «2»

هلال اللواتيا -

نكمل في هذه الحلقة ما تقدم ذكره حول المقدمات الأساسية للدخول إلى الموضوع، وبقيت فقرة آخيرة من تلكم المقدمات، وهي:

ثامنا: ويمكننا أن نصنف الكثير من العناوين في اساليب التعامل في القرآن الكريم، وإذا قمنا بعدها فإنها كثيرة جداً، ويمكننا أن نلخصها في عبارة واحدة، وهي: أنها تشمل كل جوانب الحياة بلا إستثناء، سواء المتعلقة بالحياة الفردية، أو المتعلقة بالحياة الإجتماعية التي تبدأ من التكوين الزوجي، وتنتهي إلى التكوين الجمعي للبشر، وأضف إلى هذا التعامل مع «الخالق»، بل وحتى سائر الكائنات المحيطة بالإنسان، فهي أيضاً قد حازت في معارف القرآن بنصيب جيد وجميل في التعامل.

وهكذا نلاحظ تنوع الأساليب وإختلافها، ونحن بإذن الله تعالى سوف نحاول أن نتناول معظمها، فإلى أول عنوان مهم في إسلوب التعامل في القرآن الكريم، وهو: إسلوب تعامل الباري سبحانه وتعالى مع العباد.

إن معرفة إسلوب تعامل الباري سبحانه وتعالى مع مخلوقاته لأمر مهم جداً، لأنه بمنزلة معرفة المبنى الأساسي الذي عليه جميع تعاملات الباري سبحانه وتعالى مع العباد، حيث يمكن الإصطلاح عليه ب»الأصل الأولي» في تعامل الباري مع العباد، وهذا يشكل البعد النظري في ذلك.. وبعد تأسيس هذه المسألة نظرياً سوف نقف على البعد العملي لها، ونضرب بعد ذلك الأمثلة القرآنية التي فيها تجل لإسلوب تعامل الباري سبحانه وتعالى مع العباد، ولنبدأ أول ما نبدأ به في سلسلة هذه الحلقات، بالأصل الأولي الذي عليه يتعامل الباري سبحانه وتعالى مع العباد.

قال تعالى: « وكتب ربكم على نفسه الرحمة».

إن الله تبارك وتعالى يبين في هذه الآية المباركة أنه قد كتب على نفسه الرحمة، أي أنه تعهد على نفسه الرحمة، بمعنى أن الأصل الأولي في التعامل مع جميع الكائنات والمخلوقات هو «الرحمة»، وليس أي نحو من أنحاء التعامل، لأن هناك تعامل بالحدية، وبالتشنج، وبالغضب، والعذاب، والنقمة، إلا أن الله سبحانه وتعالى يبين لعباده أن تعامله معهم هو على أساس الرحمة.

ولكن يرد هنا سؤال مهم: ما معنى أن الأصل الأولي في تعامل الباري سبحانه وتعالى مع العباد على أساس الرحمة؟

الجواب: أن لا يظن العبد أن إذا صدرت منه أخطاء ومخالفات لأوامر الله تعالى ونواهيه أن الباري سبحانه وتعالى سيعاقبه، فهذا الأمر غير صحيح، فإن الله تبارك وتعالى بين في آياته المباركة بان رحمته سبقت غضبه قال تعالى:» وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ «{الأعراف/156}.

وقال تعالى:» الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ {غافر/7}.

فشمول الرحمة الإلهية لسائر الكائنات بكافة أنشطتهم وفعالياتهم يدل أن الله تبارك وتعالى لا يتعامل مع العباد الا من منطلق الرحمة.

وقد وردت رواية في الصحيحين عن أبي هريرة قال:» إن رحمتي سبقت غضبي»، وهذه الرواية النبوية المباركة تدل على أن رحمة الله تبارك وتعالى هي الأصل الأولي، وذلك بتقدم الرحمة على الغضب، والتقدم لا يكون إلا عن علة وسبب وهذه العلة وهذا السبب ليس إلا لان الله تبارك وتعالى قد تعهد ذلك على نفسه. ومع المزيد من معرفة الموضوع.. فإلى الحلقة المقبلة إن شاء الله تعالى.