فكّ كربة!

علي بن راشد المطاعني -

الرسول صلى الله عليه وسلم قال: « من فرّج عن مسلم كربة فرّج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة»، فالإسلام دين الرحمة والمودة والعمل الصالح، ودين تطبيق عملي لما يدعو إليه من قيم فاضلة وسمحة، والإسلام يقرن القول بالعمل في كل ما تضمنه القرآن الكريم وتدعو إليه السنة النبوية، وهذا ما حدا بجمعية المحامين إلى إطلاق حملة « فكّ كربة « لمساعدة 500 سجين حالت ظروفهم وأوضاعهم عن سداد مبالغ تراكمت عليهم لظروف عدة، ونماذج أخرى بعضها ليس للمساجين أي دخل إلا اللهم تدخّلهم في مساعدة أو الإسهام في تخفيف العقوبة أو الكفالة وغيرها من الأسباب التي قادتهم إلى الحبس دون ذنب، الأمر الذي يدعونا جميعا إلى الإسهام في إنجاح هذه الحملات مع مطلع هذا الشهر الفضيل الذي تكثر فيه الحسنات والأعمال الخيرية، فالإسهام بمبلغ مالي ولو بسيط في حدود 50 ريالا قد يفكّ سجينا وراء القضبان ظلّ بعيدا عن أولاده وأهله، ويفتح له آفاقا رحبة في هذه الدنيا ليبدأ رحلة عمل جديدة ويضيف للحياة معنى ويقدم خدمة جليلة لمجتمعه ولوطنه وأهله.

فبلا شك إن الأعمال الخيرية كثيرة ومتنوعة، كلٌّ منها له أجره وقيمته الدينية والدنيوية مهما صغر هذا أو ذاك العمل فله مفعول وهو إضفاء البهجة في نفوس المحتاجين وله أثر نفسي في التنفيس عن المكروبين وله دور في رسم البسمة على شفاه المعوزين، وله دور في إضفاء المودة والمحبة بين أفراد المجتمع وبث الوئام والسلم الاجتماعي بين الناس، فهذه هي قيم الدين التي حثنا عليها المولى عز وجل في الكثير من المواضع في كتابه العزيز وما دعت إليه السيرة النبوية في الكثير من الأحاديث الشريفة، وهذا ما يجب أن نترجمه عملا ليس قولا فقط، فعلينا أن نرفد مثل هذه الحملات بما يجعلها تكلّل بالنجاح وتثمر بما صممت لأجله، وتمنح الدافعية لمثل هذه الأعمال كي تتكرر لتحقيق أهدافها في تنفيس الكرب عن المعوزين والمحتاجين.

إن ما يحزّ في النفس عندما تطوف في معرض « فكّ كربة « أن ترى نماذج من المساجين سجنوا على مبالغ متبقية لا تزيد على 60 ريالا،وأحيانا يكون الفرد متقدما في السن،أوعن زوجة وقّعت شيكات لسداد إيجارات وفصلت من العمل بشركة وعجزت عن السداد وهي بعيدة عن أولادها، أو بنت دخلت السجن بالنيابة عن والدها المعتل صحيا، أوشاب كفل صديقه بحسن نية ولكن زميله هرب وتركه يدفع الديون، وتبقى ما يربو على ألف ريال، وهو بين الجدران الأربعة، ونماذج غيرها تقشعرّ لها الأبدان فأن ترى في المجتمع صور التسامح والعفو عن مبالغ زهيدة مازالت بعيدة المنال تحزن أن تضيق أنفس البشر في تعاملات لا يجب أن تكون بهذا المستوى، وهو ما يشير للجميع بأن الخير والشر موجودان في مجتمعنا، وأن هناك الكثير من الذين تقسو قلوبهم ولكن هناك في المقابل من يحب الخير للجميع، هذه هي الدنيا فيها كلا الأمرين وحالة التوازن بينهما هي الفيصل الذي ندعو إليه جميعا أن يعم.

فمما يثلج الصدر أن يأتي فريق الرحمة في صدارة المتبرعين لهذه الحملة بمبلغ خمسين ألف ريال عماني، وليقدم نموذجا لأعمال الخير فهي لا تقتصر على توزيع طرود مواد غذائية ولا على مبان فقط، وإنما أعمال الخير كثيرة وواسعة في مجتمعنا فطوبى لهذا الفريق وقيادته لهذه الأعمال الجليلة.

بالطبع « فكّ كربة» لا يمكن أن تغطي كل المساجين في مطالباتهم المالية فهي تستهدف 500 حالة فقط ولكن هناك من يستطيع أن يفكّ آخرين ممّا هم فيه، ولكن هذه الحملات وتلك ليست مدعاة للتسيّب وأخذ أموال الناس وعدم ردها أو السداد، وليس معناه أن هناك جهات سوف تسدد في نهاية المطاف، فلابد من تثقيف المجتمع أن الحقوق يجب أن تردّ لأهلها والدين أيضا أمانة في العمل والالتزام برد الديون والقروض والمستحقات كلها.

نأمل أن تكلل مثل هذه الحملات بالنجاح وأن تعمل على إرساء قيم الخير والمحبة والتفاعل بين أبناء المجتمع وتنشر قيم الفضيلة على عمل الخير، وتعكس الترابط والتعاون بين الناس، وتومئ للجميع بأنهم ملتزمون بما يحث عليه الدين قولا وعملا في فعل الخيرات والالتزام بالحقوق والواجبات.