المرأة في السنة: رفع قدرها

كلما رجعت إلى السيرة النبوية ازددت معرفة بما كان للمرأة من مكانة، وبما كفله الإسلام لها من حقوق، لقد كانت لها شخصية مقدورة وأثر يحسب!.

يقول الشيخ محمد الغزالي – رحمه الله – في دراسة له بعنوان “الإسلام رفع مكانة المرأة” ضمن كتاب “المرأة في الإسلام” أنه لما نزل قول الله لنبيه {وأنذر عشيرتك الأقربين} صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفا ونادى: (يا بني عبد المطلب اشتروا أنفسكم من الله، يا صفية عمة رسول الله ويا فاطمة بنت رسول الله: اشتريا أنفسكما من الله فإني لا أغني عنكما من الله شيئا، سلاني من مالي ما شئتما). إن نداء المرأة بهذا الصوت الجهير شيء مستنكر في عصرنا الأخير، كنا نعد اسمها كشخصها عورة لا يجوز أن يعرف! ونقول: ما للمرأة وهذه الشؤون؟ يكفي أن يحضر رجل من أسرتها ليبلغها، أما أن تنادي على رؤوس الأشهاد فذلك عيب!.

لكن المرأة في صدر الإسلام عرفت قدرها، ولما سمعت مناديا يدعو إلى الإيمان سارعت إلى تلبيته.

ويحكي المؤرخون أن أخت عمر بن الخطاب كانت أسبق منه إلى الإسلام، لقد أدمى وجهها عندما علم بإسلامها وهاجمها بقسوة فقالت له: يا عمر إن الحق في غير دينك، واني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله! ثم أسلم عمر بعد!!.

ودخل الرجال والنساء في دين الله، وأعطوا المواثيق على اعتناق الحق والعمل به والذود عنه، وانتظمت الصفوف في المسجد النبوي تستوعب الرجال والنساء على سواء.

روى مسلم عن أم هشام بنت حارثة بن النعمان قالت: ما حفظت {ق والقرآن المجيد} إلا من لسان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يوم الجمعة يقرأ بها على المنبر في كل جمعة.أي أنها حفظت السورة كلها عن ظهر قلب من شدة انتباهها وهي تسمع الخطبة!

وكانت سنة رسول الله في الخطابة أن يتلو القرآن الكريم وحسب! وهي سنة مهجورة الآن، كما أن من السنن المهجورة حضور النساء الجمع والجماعات.. ألا يثير ذلك شيئا من التساؤل والدهشة؟

ومن الطرائف أن امرأة كريمة موسرة كانت تصنع وليمة بعد الجمعة يحضرها من شاء، روى البخاري عن سهل بن سعد قال: (كانت منا امرأة تجعل في مزرعة لها “سلقا” فكانت إذا جاء يوم الجمعة تنزع أصول السلق فتجعله في قدر ثم تجعل عليه قبضة من شعير بعد أن تطحنه، فتكون أصول السلق عرقة – مرقة – قال سهل: كنا ننصرف إليها من صلاة الجمعة فنسلم عليها، فتقرب ذلك الطعام إلينا، فكنا نتمنى يوم الجمعة لطعامها ذلك، ولم يكن في الطعام لحم ولا دهن..). هذه امرأة مؤمنة سمحة تدخل السرور على الناس بما آتاها الله من فضله! ولو فعلت ذلك في عصرنا لأنكر المتزمتون عليها! ولقال كل جريئ على الفتوى: كيف يلقي عليها السلام؟ وكيف ترده؟ وكيف تلقى الضيوف؟ إلخ.إن تقاليد المسلمين في معاملة النساء لا تستند إلى كتاب أو سنة.. وقد نشأ عن ذلك أن المثقفات في العصر الحديث تجهمن للتراث الديني كله يحسبنه السبب في تجهيل المرأة، وهضم مكانتها، وإنكار حقوقها المادية والأدبية التي قررتها الفطرة وأكدها الوحي وبرزت أيام حضارتنا واستخفت مع انتشار القصور وغلبة الأهواء. ويذكر الدكتور محمد بلتاجي في كتابه “مكانة المرأة في القرآن الكريم والسنة الصحيحة” أن من فضل الإسلام على المرأة أن أعلى من مكانتها ودعم استقلال شخصيتها وبرأها، الإسلام (المرأة) من كونها هي المسؤولة الأصلية عن عصيان آدم (عليه السلام) لأمر الله تعالى، مما ورد نصا في (الكتاب المقدس) عند اليهود والنصارى معا، حيث ورد في (سفر التكوين) ما نصه: (وكانت الحية أحيل جميع حيوانات البرية التي عملها الرب الإله. فقالت للمرأة: أحقا قال الله: لا تأكلا من كل شجر الجنة؟ فقالت المرأة للحية: من ثمر شجر الجنة نأكل. وأما ثمر الشجرة التي في وسط الجنة فقال الله: لا تأكلا منه ولا تمساه لئلا تموتا. فقالت الحية للمرأة: لن تموتا بل الله عالم أنه يوم تأكلان منه تنفتح أعينكما وتكونا كالله عارفين الخير والشر. فرأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل وأنها بهيجة للعيون وأن الشجرة شهية للنظر. فأخذت من ثمرها وأكلت وأعطت رجلها أيضاً معها فأكل) ومن ثم فحين نادى الرب الإله آدم قائلا: هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك أن لا تأكل منها؟ (فقال آدم: المرأة التي جعلتها معي هي أعطتني من الشجرة فأكلت، فقال الرب الإله للمرأة: ما هذا الذي فعلت؟ فقالت المرأة: الحية غرتني فأكلت. فقال الرب الإله للحية: لأنك فعلت هذا ملعونة أنت من جميع البهائم ومن جميع وحوش البرية. على بطنك تسعين، وترابا تأكلين كل أيام حياتك. وأضع عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها. هو يسحق رأسك وأنت تسحقين عقبه. وقال للمرأة: تكثيرا أكثر أتعاب حبلك. بالوجع تلدين أولادا. وإلى رجلك يكون اشتياقك وهو يسود عليك. وقال لآدم: لأنك سمعت لقول امرأتك وأكلت من الشجرة التي أوصيتك قائلا (لا تأكل منها) ملعونة الأرض بسببك..) (سفر التكوين، الإصحاح الثالث).

فالمرأة هي المسؤولة الأصلية عن المعصية: بدأت هي بالأكل، وأعطت رجلها معها، فأكل، ومن ثم عاقبها الله تعالى بتكثير أتعاب الحبل والوجع، وعاقب بناتها بعدها بذلك.