نوافـذ – «راشن»

كتبت: هدى حمد -

لم أعثر على عربة واحدة لأتسوق «راشن» الأسبوع المعتاد في اليوم السابق لرمضان. السبب غالبا يرجع لأني أسأتُ اختيار يوم التسوق. كان هنالك جنون تسوق.. هوس.. هستيريا عجيبة كأن الأشياء ستطير أو ستختفي بعد قليل بضربة عصا من يد ساحر. تطلب الأمر مني الانتظار لثلث ساعة ريثما توفرت عربات فارغة.

شاهدتُ أكثر من عائلة تجر عربتين أو ثلاث. الزوج يمسكُ بعربة والزوجة بعربة أخرى والابن بعربة ثالثة.. المشكلة أن هذا المشهد بات مشهدا رمضانيا بامتياز، ويتكرر كل عام.

ونحن نتساءل: إذا كانت الوجبات تتقلص من ثلاث وجبات إلى وجبتيّ الإفطار والسحور، فلماذا تتضاعف رغبات الشراء؟ لماذا تتضاعف الموازنة التي ترصدها العائلة؟ البعض يستلف ليُمضي شهر رمضان على خير. ما أعرفه جيدا أن القطط تصبح أكثر حظا وتمتلئ بطونها فوق الشبع بسبب فائض الطعام. كلنا في لحظات الضعف تلك نتمنى أن نأكل كل شيء على وجه البسيطة، ولكن ما أن نفطر ونأكل قليلا حتى نفقد رغبتنا بصورة لا نتوقعها.

قليل من الأسر العمانية لديها استعداد لأن تدخر الفائض من طعامها لليوم التالي. للأسف لم نتربى على هذه الثقافة المهمة، أن نغرف في أطباقنا قدر حاجتنا ونترك ما يزيد. هنالك عدد كبير من الأسر يصنعون لك مائدة ضخمة ليعطوك درسا في الكرم، وأخلاق العرب التي تجري في عروقهم. ولا بأس أن تفعل ذلك الأسر المقتدرة، ولكن هنالك أسر لا تدخر شيئا لغدها، تنفق كل ما في يدها لليلة رمضانية يحضر فيها عدد من الضيوف.

أذكر العاملة المسلمة السريلانكية السابقة في بيتي. انهمر دمعها في احدى «العزومات» وعندما سألتها: لماذا؟ قالت: كنتُ أفكر ماذا أكل أولادي اليوم وماذا عساهم يأكلون غدا، بينما صديقتك ستلقي بكل الطعام في النفايات. شعرتُ بغصتها ولم أملك ردا مناسبا أقوله لها.

بالتأكيد.. هذه ليست دعوة للبخل ولكن لماذا لا يكون الكرم في مكان آخر وبطريقة أخرى. كأن تتبرع للمشاريع الخيرية المنتشرة الآن في كل مكان. هنالك أفكار رائعة أتمنى أن تنتشر من قبيل الثلاجات التي يُودع فيها الطعام الزائد بطريقة مرتبة تفتح شهية من لا يملك المال لشراء الأطعمة. تصور أن تكون هنالك ثلاجة توضع في مكان عام يودع فيها ما يزيد عن حاجتك ليستفيد منه من يسد به جوعه. كم سيكون ذلك رائعا.. شريطة أن لا يتحول هذا المشروع الراقي المطبق في بعض الدول إلى مشروع همجي. فبعض الأفكار الجميلة النبيلة تتحول إلى شيء آخر تماما، وسأضرب مثالا على ذلك.. مشروع صناديق الملابس المستعملة الذي دشنته جمعية العطاء. كانت فكرة مُدهشة، سهلت على الأهالي كثيرا، فالصناديق إلى جوار البيوت، ولكن هذه الفكرة تحولت إلى صورة مشوهة للأسف، عندما نجد أكياس الزبالة السوداء تصطف إلى جوار الصندوق لا في داخله. عندما نجد القطط تمزق الأكياس ليلا ظنا منها أنها فضلات وجبة مخبأة، أو ربما تمتد يد البعض لتفتش في هذه الأغراض بحثا عن شيء يمكن أن تستعمله أو تبيعه.. فكرة رائعة تستحق التصفيق تحولت منظر غير حضاري أبدا، ولا أدري إن كان السبب يرجع لأن هذه الصناديق غير عملية أم لأن الناس لم تجد التعامل مع فكرتها!

لنرجع قليلا لموضوع الطبخ والطعام الكثير. لنجد أسرا لا تقدر عاملة المنزل، كأنها آلة تعمل بالريموت كنترول، فهي تصحو في موعدها المعتاد باكرا لتبقى مع الأطفال ومن ثم يُطلب منها إعداد الإفطار، ولاحقا السحور. تسهر الأسرة إلى ساعات متأخرة، وعليها أن تتكيف مع ساعات عمل إضافية، بينما كلنا نفرح بساعات عملنا المخفضة في رمضان. فلماذا لا نرحم من في الأرض ليرحمنا من في السماء. نعم عليهن عيوب وعلينا عيوب، وتحصل بيننا الكثير من الخلافات اليومية ونتشاجر، ولكن لنتذكر دائما أنهن تركن بيوتهن وأولادهن وحياتهن ليخدمننا. ولنتذكر أيضا أن الدين هو المعاملة قبل كل شيء.