السنة والتشريع – اتفاق على مصدريتها

محمد إسماعيل -

إن علماء الشريعة جميعهم متفقون على أن السنة مصدر للدين عقيدة وشريعة وأخلاقا وآدابا وفضائل وعلوما ومعارف، وأنها يستمد منها الأحكام التكليفية الخمسة، فهي تأمر بالواجب، وتحض على المندوب، وترشد إلى المباح، وتحذر من المكروه، وتنهي عن الحرام، وهذا واضح في مصنفاتهم وتقريرهم لعلومهم المتنوعة التي استنبطوها من السنة وأسسوا أحكامهم عليها، وبنوا فقههم استنادا إليها.

ويروي صديق عبد العظيم في كتاب “دراسات في السنة النبوية” أن مكحول قال: السنة سنتان: سنة الأخذ بها فريضة وتركها كفر، وسنة الأخذ بها فضيلة وتركها إلى غيرها حرج.

وقال ابن تيمية: إن السنة التي يجب اتباعها ويحمد أهلها ويذم من خالفها هي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمور الاعتقادات وأمورالعبادات وسائر أمور الديانات، وذلك إنما يعرف بمعرفة أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الثابتة عنه في أقواله وأفعاله، وما تركه من قول وعمل.

ويستند هذا الاصطلاح العامة إلى الأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة الدالة على أن السنة وحي يجب اتباعه، وأنها شقيقة القرآن ومثيلته في الحجية والاعتبار، وأنها مصدر للدين مع القرآن الكريم تبعا له واستقلالا.

وبعد هذا المعنى العام الذي أجمع عليه أهل العلم بخصوص السنة، نجد لها جملة من الاصطلاحات بحسب تنوع أغراض علوم الشريعة وتعدد مقاصدها التي تتكامل وتصب في إطار واحد هو خدمة هذا الدين خدمة شاملة، ولهذا فإن الاختلاف في اصطلاحاتهم حول السنة هو اختلاف تنوع وتكامل وليس اختلاف تضاد وتعارض، وهذا واضح من اتفاقهم على القاعدة والأساس واللباب، ثم انطلاق كل منهم للبناء على ذلك الأصل وخدمة دينه من خلال تخصصه والوقوف على تلك الثغرة حرصا على ألا يؤتى الإسلام من قبله ولئلا يكون قصور أو تقصير من جهته، وبفضل الله ثم بجهود هؤلاء الجهابذة نمت علوم الشريعة وازدهرت بما لا يعرف لغير أمة الإسلام، ولله الحمد والمنة.

ويشير الدكتور الحسين بن محمد شواط في كتابه “حجية السنة وتاريخها إلى أن السنة عند علماء العقيدة تطلق على هدي النبي صلى الله عليه وسلم في أصول الدين، وما كان عليه من العلم والهدى، وما شرعه أو أقر، مقابل البدع والمحدثات في الدين، وما كان عليه الصدر الأول من المتابعة لذلك الهدي، ومن هنا يقال: “فلان على سنة” إذا كان متبعا لهدي النبي صلى الله عليه وسلم في أصول الاعتقاد ومنهج الفهم والتلقي والعمل،

وهذا المعنى واضح في نحو قوله صلى الله عليه وسلم: فمن رغب عن سنتي فليس مني، وقوله: إنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين عضوا عليها بالنواجذ، وقوله: وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة.

ولهذا فإن علماء القرن الثالث فما بعده قد ألفوا كتبا عنونوا لها بمصطلح “السنة” وضمنوها مسائل العقيدة وأصول الدين .

ومن إطلاقات السنة التي لها صلة بهذا المعنى أن يراد بها الدين كله، وقد نص على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية فقال: إن السنة هي الشريعة، وهي ما شرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من الدين، وقال الحسن البصري وسفيان الثوري في تفسير قوله تعالى: {ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها} قالا: “على السنة”.

والمراد بالسنة في هذا المقرر هو اصطلاح المحدثين لشموله جميع ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خلقية أو خلقية سواء كان ذلك قبل البعثة أم بعدها، وسواء أثبت ذلك حكم شرعي أو لم يثبت، وذلك يمثل كل مادة السنة المطهرة المنقولة عن النبي صلى الله عليه وسلم والتي عني المحدثون بخدمتها رواية ودراية وتصنيفا.

ومن أشهر تعريفات السنة الواردة للفقهاء ما يأتي:

ما دل عليه الشرع من غير افتراض ولا وجوب. وهذا التعريف استخدمه أكثر من مذهب.

“ما يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه”. أو “ما يحمد فاعله ولا يذم تاركه”، وهذا من تعريفات الحنابلة والمغاربة من المالكية.

“الفعل المطلوب طلبا غير جازم”، وهذا من تعريفات الشافعية، والمشارقة من المالكية. “ما واظب النبي صلى الله عليه وسلم على فعله مع ترك ما بلا عذر”، وهذا من تعريفات الحنفية.