براعم الإيمان: «فارس».. الكذاب

“فارس” ولد يبلغ من العمر 8 سنوات، وهو ظريف وذكي ذو وجه جميل وكاريزما عالية، صفات تتمناها كل أم في ابنها ويرغبها كل أب في نجله، ولكن يا خسارة كذاب.. كذاب.

كعادة كل يوم دخلت أم “فارس” عليه في غرفته وهو نائم أيقظته وقالت له قم يا حبيبي لتصلى الصبح، فتقلب في فراشه يمينا ويسارا وقال لأمه حاضر. وبعد قليل استيقظ ودخل دورة المياه ثم خرج ولم يتوضـأ ولم يصل وأخذ يعاكس أخته الصغيرة. وبعد انتهاء أمه من بعض أعمال البيت وتحضير الإفطار صاحت عليه مرة أخرى وقالت له صليت يا فارس؟ قال لأمه، نعم، صليت يا أمي صليت وهو يكذب ولم يصل بعد ولم تكن هذه أول مرة فهو يكذب كثيرا كل يوم تقريبا وفى كل الأشياء.

وفي الساعة الثامنة تماما وصل “فارس” إلى المدرسة، ودخل الفصل وبدأت الحصة الأولى وسألته المعلمة عن زميله “هاني” الذي يجلس بجانبه وقالت: هل تعرف يا فارس لماذا لم يأت هاني اليوم؟ فرد عليها.. نعم أعرف فهو قد ذهب في رحلة ترفيهية مع أسرته، وكانت هذه الكذبة الثانية في اليوم نفسه. ثم رجع إلى البيت وتناول طعام الغداء وجلس أمام كتبه ليذاكر وأخذ يتظاهر بأنه يدرس ويقوم بعمل واجباته ولم يفعل شيئا.

وعندما دخلت أمه عليه وقالت له: يا “فارس” قم وأدخل الحمام لكي تغتسل وتتناول طعام العشاء وتخلد إلى النوم. فقام واستحم وتناول العشاء ونام وكأنه لم يفعل شيئا. وفي اليوم التالي ذهب إلى المدرسة، وأثناء وجوده داخل الفصل دخل والد “هاني” على المعلمة مستأذنا منها فسمحت له بالدخول، فأخبرها بمرض ابنه وعدم قدرته على الذهاب إلى المدرسة، فقالت المعلمة للوالد ألم تكونوا في رحلة ما، فرد عليها، كيف نقوم بعمل رحلة وابني مريض في الفراش. قالت له المعلمة: زميله “فارس” هو الذي قال لي ذلك عندما سألته عن ابنك. فقال والد “هاني” للمعلمة هذا الولد كذاب.. كذاب.نظرت المعلمة إلى “فارس” في غضب وقالت له لماذا تكذب يا بني ألم تعرف أن الكذب صفة ذميمة وحرام، وطلبت منه الاطلاع على واجباته فاعتذر لها على أنه قد نسيها في المنزل، وفي الحقيقة أنه لم يقم بعملها بعد.. وبعد انتهاء اليوم الدراسي وقبل وصول “فارس” إلى البيت اتصلت المعلمة بأمه وأبيه وأخبرتهم عما فعله.

عندما وصل إلى البيت استقبلته أمه في غضب شديد وقالت له، يا بني لماذا تكذب؟ لماذا دائما تقول لي إنك صليت وأنت لم تصل؟ وعندما أعيد عليك نفس السؤال تؤكد لي نفس الإجابة. فقال، وهو يحاول أن ينفي عن نفسه هذه العادة السيئة- يا أمي أنا صليت. أنا لا أكذب عليك. قالت الأم وهي حزينة وغاضبة: لا أنت لم تصل. ولم تتوضأ. ولم يمس الماء بشرتك. وكل يوم أرى آثار النوم في عينيك وعلى وجهك. هذا خطأ كبير وقبيح أن تكذب ثم تركته.

أطرق الولد بنظراته إلى الأرض. وهو يحاول أن يخفي خطيئته، وبعد لحظات دخل عليه أبوه وقال له: يا “فارس”، فرد عليه. نعم يا والدي.. بالأمس عندما سألتك هل ذاكرت دروسك وكتبت واجباتك. قلت لي: نعم ذاكرت وكتبت. والحقيقة أنك لم تذاكر ولم تكتب. ثم سأله، لماذا تكذب على المعلمة وتلقي عليها بمعلومات خاطئة عن زميلك، وغضب أبوه كثيرا وخرج من غرفته. ثم قالت له أمه: أيعجبك أن يتركك أبوك هكذا. لا يكلمك. هل رأيت واحدا منا يكذب؟ فالكذب يا بني صفة قبيحة لا يحبها الله ولا يحبها رسوله صلى الله عليه وسلم وليست من أخلاق الإسلام.. إلى متى ستظل هكذا وتركته وهي تقول له: أنا لن أكلمك حتى تترك الكذب.

وقف فارس حزينا يعاتب نفسه ويحدث نفسه. لابد أن أكون صادقا. لا أكذب أبدا. وجرى نحو أبيه يعتذر له. فنظر إليه نظرة تدل على غضبه عليه، فحزن “فارس” لذلك كثيرا. واقترب من أبيه يقبل يديه قائلا: أنا آسف يا أبي. أنا لن أكذب مرة ثانية. فقال والده: يا بني الكذب حرام. فكم مرة حذرتك وتحدثت معك في ذلك، فأنت ولد ذكي ونبيه جدا وتتمتع بخصال جميلة فلماذا تضيعها بالكذب. وأنا وأمك الحمد لله لم يكذب أحد منا. فمن أين هذه الخصلة السيئة. فالمسلم لا يتصف بهذه الصفة بل يكره الكذب والكذابين. يا بني قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(إن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا) رواه البخاري ومسلم. فجرى “فارس” نحو أمه يقبل يديها، قائلا لها: سوف أكون إن شاء الله صادقا. ولن أكذب أبدا أنا آسف يا أمي. وعندما أذهب إن شاء الله غدا إلى المدرسة سأعتذر للمعلمة وزملائي. فقالت أمه: يا بني الكذاب يبغضه الله ويكرهه أبوه وأمه وإخوته ويصير منبوذا وحيدا. يمشي وحده ويأكل وحده وينام وحده. ويعرف بين زملائه بأنه الكذاب؟.