تأملات – كُنْ مخلصا

فوزي بن يونس بن حديد -

abuadam-ajim4135@hotmail.com -

الإخلاص صناعة قلبية، يزيّن القلب وما حواه، ويفرش عوامل النجاح، ويبسطها لصاحبه دنيا وأخرى، يقود صاحبه للفلاح والنجاح، ويمنحه لذة التواصل مع خالقه في أوقات الشدة والرخاء، يعلّمه الاتصال كيف يكون، ومتى يكون ، وكيف يكون، ومن أخلص لله في عبادته وعمله نالته الرعاية الإلهية وكان أحقَّ بها، ومن جافى حبيبَه، جافاه حبيبُه وابتعد عنه، ومن هنا نستطيع أن نفسّر الحديث القدسي الذي يدعو فيه الله عز وجل عبده إلى أن يتقرّب إليه ويقترب منه أكثر ليحوز رضاه ويصل مبتغاه، من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه، ومن جاءني يمشي جئته مهرولا، وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعاني فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون، لا يكلفك الله إلا بما تستطيع ولا يطلب منك المستحيل، لأنه عالم بقدراتك وقدرتك على الفعل، ويعلم كذلك تقصيرك وتقاعسك وتخاذلك إن فكرت في الركون للكسل والراحة.

الإخلاص منبع النجاح، ولا ينجح عمل خال من الإخلاص، وهو أن تعقد النية على أن يكون عملك سواء دنيويا أو أخرويا لله وحده لا شريك له، لا تبغي به أحدا من الناس ولا تنتظر من أحد جزاء ولا شكورا، بل قد تجد من بعضهم صدودا، ولكن المسلم هو من يثبت على الحق ولا يلوم نفسه إذا وجد من الناس نفورا أو انتقادا ربما حسدا من عند أنفسهم، وربما لتثبيطك عن عملك، أو توجيه الاتهام إليك، كل ذلك لا يستغربُ، والناجح فعلا هو من يرمي كل ذلك وراء ظهره ويستمع فقط للذي يرشده إلى طريق الهدى ولا ينصت إلا للذي يريد الخير له ولغيره، هدفه ليس إرضاء الناس بل إرضاء رب الناس، ويصعب على الإنسان أن يعمل في صمت ومن وراء حجاب لأن الشيطان سيكون له بالمرصاد، يزيّن له عمله ويوسوس له بأن يرائي ما يقوم به حتى يشكره الناس وحتى ينال مرتبة مرموقة عند الخلق، وإذا فعل كان كمن جمع رمادا في يوم عاصف اشتدّت به الريح فنثرته في كل جهة ولا يبقى له أثر كذلك هو الرياء لا يُبقي للخير أثرا ويمسح ما سعى من أجل أن يحققه.

رأيت بأم عيني وقائع تدل على إخلاص المرء وأخرى على ريائه وقارنت بينهما فوجدت البون شاسعا والفرق كبيرا، فحينما يعمل الإنسان بصمت لا يظهر أمام الناس، والناس يعرفونه جيدا أنه مقبل على الطاعات لأن شرطه أن لا يخبر أحدا بمعروفه فهو يقوم بمساعدة من يحتاج لمساعدة، دون أن تراه الأعين أو تتحدث به الألسن، يبتغي مرضاة الله تبارك وتعالى ويسعى بثبات نحو الأمل رغم الألم النفسي الذي يراوده حينما يشاكسه أحد من الناس، في حين أن الآخر يمجّه الخلق لثرثرته الدائمة ومنّه على الذين ساعدهم، وهم يحلفون بالله لولا الحاجة ما لجأوا إليه،يبتغي رضاء الناس وغفل عن إرضاء رب الناس، وأراد الله سبحانه وتعالى أن يبين له أن عمله ذاك ذهب هباء منثورا لا يستفيد منه في الدنيا ولا في الآخرة لأنه بني على جرف هار. فالإخلاص خلق عظيم، ومن لبسه وارتداه دوما شعر بلذّته، ومن جعله قناعا ابتغاء هدف دنيوي سقط من أول عثرة له وبان عوره وانكشف غطاؤه، وشتّان من يعمل في الليل والنهار سرّا لوجه الله ومن يريد أن يشكره الناس دوما لأنّه فعل كذا وكذا دون وجه حق، وأحيانا يسرق من الناس أفكارهم ويتبناها ويحسب أنها من صنعه وتدبيره.