العوامل التي سهلت على «داعش» تحقيق المكاسب السريعة…

محمد تيمور – كاتب وإعلامي -

شكّلت السيطرة السريعة لتنظيم (داعش) على الموصل بالإضافة لمناطق واسعة مفاجأةً لم تكن متوقعة بالنسبة لكُثر من متابعي الشأن العراقي.


هذا التحرك الميداني الكبير غير المسبوق في المواجهة بين(داعش) والجيش العراقي، لا يعود فحسب إلى قوة (داعش) الذاتية، بل ثمة عوامل أخرى تتصل بالتركيبة السياسية والحزبية السائدة اليوم في العراق، والصراع بين أطراف هذه التركيبة على السلطة، فالصراع كانت له آثار وتداعيات لعبت دوراً كبيراً في خلق مناخ ملائم لـ(داعش) كي تشنّ هجمات واسعة وتحقق مكاسب كبيرة، والأهمّ من ذلك تجنيد ألوف المقاتلين.

وتعاطف واحتضان البيئة الحاضنة أولى هذه التداعيات، وأنّ عناصر الجيش والشرطة والحكومات المحلية، ممزقة الصفوف، حائرة الولاء، تفتقر إلى الدافع السياسي أو حتى الفكري والعقائدي لكي تضحّي بنفسها.

وهذا ما يفسّر الانهيارات الواسعة للقوات المدافعة عن الموصل ومناطق أخرى في محافظات نينوى وصلاح الدين وكركوك، إضافةً إلى سيطرتها على غالبية أنحاء محافظة الأنبار، وفشل الجيش العراقي في استعادة السيطرة الكاملة على هذه المناطق.

ثاني هذه التداعيات، الصراع على تشكيل الحكومة الجديدة بعد الانتخابات الأخيرة، فمن المعروف أنّ رئيس الحكومة الحالية نوري المالكي هو القائد الأعلى للجيش، وثلاث فرق من هذا الجيش ترابط في الموصل لكنها لم تقاتل دفاعاً عنها.

ولكن يتردد أن المالكي لم يصدر الأوامر لهذه الفرق بالتصدي لهجوم (داعش) رغم التحذيرات الاستخباراتية التي أكّدت قرب شنّ هذا الهجوم، على نينوى وكركوك وصلاح الدين إلى ثلاثة أطراف تعارض ترأسه الحكومة العراقية الجديدة.

الطرف الأول، هو أسامة النجيفي رئيس البرلمان الذي يشغل شقيقه أثيل النجيفي منصب محافظ الموصل، فأسامة النجيفي يعارض عودة المالكي إلى رئاسة الحكومة، ولكن المالكي يرد على ذلك برسالة قوية تفيد بأنّ النجيفي لا يملك القوة والقدرة على المعارضة، فهو لا يمثل أحداً، وهو مدين بوجوده للحكومة العراقية وليس لتمثيله الشعبي.

الطرف الثاني، الأحزاب الكردية التي تعارض أيضاً عودة المالكي، وعدم الدفاع عن كركوك وانسحاب القوات العراقية من مناطق واسعة من هذه المحافظة يهدف إلى إرسال رسالة قوية إلى الأحزاب الكردية، ويضع أمامها تحديات ترغمها على مراجعة سياستها الحالية، تداركاً لخطر (داعش) وشقيقتها الكردية المتطرفة.

الطرف الثالث مكوّن من حزبي الحكيم والصدر اللذين يعارضان عودة المالكي، وهذين الحزبين الكبيرين اللذين من دون تعاونهما تصعب على المالكي العودة إلى رئاسة الحكومة وتنفيذ شعار حملته الانتخابية الداعي إلى تشكيل حكومة أغلبية لبناء دولة قوية قادرة على مواجهة التحديات.

هذه هي العوامل التي سهّلت على (داعش) تحقيق هذه المكاسب السريعة في ثلاث محافظات عراقية مهمة، إضافةً إلى سيطرتها شبه الكاملة على محافظة الأنبار التي تشكل ثلث مساحة العراق.

وهنا تبرز مع مرافقة الأحداث العراقية موجة صاخبة من التحليلات والتوقعات والمواقف.

ويرتفع للأسف منسوب الخطاب الطائفي والإثني إلى درجةٍ تهدد الكيان العراقي بحرب أهلية وشيكة الوقوع.

وتشتبك الأيادي الداخلية مع الأيادي الممتدة من الخارج، إقليمية كانت أم دولية، من أجل وحدة العراق ظاهرياً، وواقعياً لا يتعدى هذا التشابك استمرار التلاقي بين مصالح فئوية داخلية ومصالح قوى خارجية تثبت مواقعها في منطقة فقدت مشروعها الذاتي الوطني والقومي منذ أمد ليس بقليل.زفي هذه اللحظة التاريخية، التي تبدو حتى الآن وكأنها استكمال خطير لمعاهدة سايكس- بيكو بمسميّات أخرى، تعتمد الأدوات ذاتها في التفريق والتشتيت والشرذمة، في العمل الباطني والوعود المعسولة، في تزييف القيم واستخدام قيم بديلة تراعي مشاريعها ومصالحها بعيدة كل البعد عن آمال الشعب وأمانيه.

أولا: كيف تستطيع قوة كداعش أن تحتل ثلاث محافظات كبيرة على رغم تباين التكنولوجيا والمعدات والعديد. ألا يجب أن تذكرنا هذه الواقعة بعملية احتلال الكويت؟ مع فوارق البيئة الحاضنة لأسباب عدة ومتراكمة؟

ثانيا: لماذا جاءت هذه العملية بعد زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى تركيا مباشرة. وبعد إعلان مبدئي للقاء على مستوى وزراء الخارجية بين السعودية وإيران؟

ثالثا: لماذا جاءت هذه العملية بعد الانتخابات النيابية العراقية وتعثر تشكيل حكومة ائتلاف وطني؟ ولماذا فشل البرلمان العراقي في الاجتماع لدرس الأزمة على رغم فداحة النتائج المترتبة على هذا الوضع المصيري؟

رابعا: لماذا تتعمّد الإدارة الأميركية تأخير توريد صفقات الأسلحة المبرم عقدها مع الجيش العراقي منذ خمسة أعوام حتى الآن؟ ولماذا لا تتجه الإدارة السياسية والعسكرية في العراق إلى إيجاد مصادر بديلة تلبي طلبات وطموحات الجيش العراقي؟

خامسا: لماذا فشلت الاستخبارات العراقية في تقدير ورصد داعش وحلفائها، حتى إتمام تموضعها في المنطقة المستهدفة من دون أن تعرف أو تحرك ساكناً؟

سادسا: لماذا أعطى محافظ نينوى أمراً بإخلاء مراكز الشرطة وعدم التعرض للمسلحين وهو العارف بنواياهم وأهدافهم؟

هذه أسئلة على رغم بساطتها قد تعطي أجوبة ربما تكون كافية لإعادة تقويم المرحلة السابقة.

هذه المرحلة التي ترتبت عليها نتائج فورية ونتائج بعيدة المدى ربما تؤثر في وحدة كيان العراق.

بعد الذهاب باتجاه تجذير الحالة الطائفية والإتنية، وبالتالي خلق صراعات على مستوى المناطق تصل إلى حدود الحرب الأهلية.

وضع حدود نفسية للتقسيم كمقدمة لحدود جغرافية.

وتأكد ثبوت عدم جدوى التدريب الأميركي للجيش العراقي، على رغم الأموال الطائلة المدفوعة في هذا السياق.

في الختام! العراق على المحك، لذلك يعتبر قلقنا مشروعاً، لأن المشهد الذي حصل في العراق له دلالات وتداعيات وأثار سلبية على مجمل المنطقة.