تقرير – تحذير من مغبة المساعي الإسرائيلية لتشريع التغذية القسرية

غزة – معا: حذّر المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان من التبعات الخطيرة للمساعي الإسرائيلية لإقرار مشروع قانون يعطي سلطات السجون الإسرائيلية صلاحية التغذية القسرية ضد المعتقلين الفلسطينيين، والذي من المقرر عرضه للقراءة الثانية، أمام الكنيست الإسرائيلي، اليوم الاثنين. وأكد المركز في بيان له أن هذا المشروع انتهاك صارخ لاتفاقية مناهضة التعذيب، وللعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وتجاوز خطير أريد به التنكر للمطالبات الحقوقية والدولية بوقف سياسة الاعتقال الإداري التعسفية التي تنتهجها إسرائيل كعقاب ضد الفلسطينيين، والتي تصاعدت بعد إعلان المعتقلين الفلسطينيين إضرابهم عن الطعام، والتي كان منها مطالبة السكرتير العام للأمم المتحدة لإسرائيل بإطلاق سراح المعتقلين الإداريين الفلسطينيين. وشَرَعَت السلطات الإسرائيلية في مساعي سن هذا القانون في أعقاب بدء المعتقلين الإداريين في السجون الإسرائيلية إضراباً مفتوحاً عن الطعام، في أبريل الماضي، احتجاجاً على اعتقالهم دون تهمة أو محاكمة. وقد اقُتُرِح القانون المذكور من قبل وزارة الأمن الداخلي الإسرائيلي، وتم تمريره بالقراءة الأولى في الكنيست الإسرائيلي بتاريخ 9 يونيو 2014. ويؤكد المركز أن التغذية القسرية أو التهديد بها يعتبر أحد أنواع المعاملة القاسية والحاطة بالكرامة التي حظرتها اتفاقية مناهضة التعذيب، وجرمها القانون الجنائي الدولي، كما تمثل انتهاكاً لا يمكن تبريره لحرية المعتقلين الشخصية، وحقهم في سلامة جسدهم، وحقهم في الإضراب والاحتجاج.

وقد ذهب إلى الخلاصة نفسها كل من مقرر الأمم المتحدة الخاص بمناهضة التعذيب، ومقرر الأمم المتحدة الخاص بالحق في الصحة واللجنة الدولية للصليب الأحمر، مطالبين إسرائيل بعدم سن قانون التغذية القسرية.

وتشكل التغذية القسرية خطراً صحيا يتهدد حياة المضربين عن الطعام، حيث تتم من خلال الإيلاج الجبري لأنبوب في الأنف أو الفم لصب الأكل من خلاله في المعدة مباشرة، وهو ما ينطوي على آلام شديدة. وعادة ما يرتبط باستخدام عنف شديد ضد الضحية لإخضاعه وشل قدرته على المقاومة.

ومن الجدير بالذكر أنه سبق وأن تسببت قوات الاحتلال في مقتل ثلاثة معتقلين فلسطينيين أثناء عملية التغذية القسرية في العامين 1980-1983 وهم: راسم حلاوة وعلي الجعفري وإسحاق مراوغة. وتعتبر التغذية القسرية تجاوزاً خطيراً للمعايير الدنيا لأخلاقيات المهنة الطبية، وتمثل انتهاكاً للحق في الامتناع عن تلقي العلاج. وقد أكدت كل من الجمعية الطبية العالمية واتحاد المستشفيات الإسرائيلية ونقابة الأطباء الإسرائيليين ذلك، حيث قاموا بإيصال رسائل (بشكل منفصل) لرئيس الوزراء الإسرائيلي، ليؤكدوا رفضهم القاطع لأي قانون يتضمن إجبار الأطباء على إجراء التغذية القسرية للمعتقلين، مشددين على ما ينطوي عليه من عنف وإكراه وألم قد يصل به إلى حد التعذيب. وحذّرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر الأطباء الإسرائيليين من أنهم قد يتعرضون لملاحقة جنائية أمام الآليات الدولية في حال اشتراكهم في التغذية القسرية.

ومن الجدير بالذكر أن إعلان مالطا الخاص بالإضراب عن الطعام والصادر عن الجمعية الطبية العالمية في نوفمبر 1991 والموقع من (43) جمعية طبية عالمية، أكد على ضرورة أن يكون التدخل الطبي لصالح المُضرب وبموافقته الصريحة أو الضمنية، ودون تدخل طرف ثالث، كما نص الإعلان في مبادئه على: «التغذية القسرية لا يمكن قبولها أخلاقياً، والإكراه على الأكل بالتهديد أو بالإجبار بالقوة هو نوع من انعدام الإنسانية والانحطاط الطبي، حتى لو قصد به إنقاذ حياة المضرب أو تحقيق فائدة له، ويتضمن ذلك أيضاً التغذية القسرية لبعض المعتقلين لترهيب الباقين ودفعهم إلى وقف إضرابهم»، «وإنه لمن الأخلاقي السماح للمعتقل بالإضراب حتى الموت طالما كانت هذه إرادته، بدلاً من إخضاعه رغم إرادته لتدخلات علاجية لا يقبل بها».

ومن الجدير بالملاحظة أن الأطباء العاملين في السجون الإسرائيلية لا يتبعون نقابة الأطباء الإسرائيليين، ولكن يتبعون فقط وزارة الصحة الإسرائيلية، والتي تعتبر أحد أبرز الداعمين لقانون التغذية القسرية.

وبالتالي، فإن ما أعلنته نقابة الأطباء لا يمثل موقف أطباء السجون الإسرائيلية، بل أن متابعة المركز لأحوال المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، ترجح تورط أطباء السجون في الكثير من الجرائم والمخالفات.

وعبر المركز عن بالغ قلقه من إمكانية استغلال هذا القانون من قبل أطباء السجون الإسرائيلية للتغطية على ارتكاب مزيد من الجرائم والمخالفات بحق المعتقلين الفلسطينيين.

وقد قرر الكنيست الإسرائيلي بتاريخ 23 يونيو 2014 تأجيل التصويت على مشروع القانون بالقراءة الثانية والثالثة الى اليوم الاثنين الموافق 30 يونيو 2014، وذلك لرغبة القيادة الإسرائيلية في تهيئة الأجواء السياسية لضمان تمرير القانون، في أعقاب وجود بعض الاعتراضات في الداخل الإسرائيلي.

وقد عمل أصحاب المشروع على إدخال بعض التعديلات على القانون كمحاولة منهم لحصد تصويت كافي لتمرير القانون.

واكد المركز أن التعديلات المقترحة أو غيرها لن تغير بأي حال التعذيب والاعتداء على الكرامة والحرية الشخصية الذي تمثله التغذية القسرية.

وطالب المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية والمحلية ذات العلاقة بإعلان رفضها القاطع لأي قانون للتغذية القسرية، وعدم الانخداع بالضمانات الواهية التي عملت إسرائيل على إدخالها في المشروع لتمريره في الكنيست الإسرائيلي.

وقد شرع 130 معتقل إداري فلسطيني في إضراب مفتوح عن الطعام، بتاريخ 24 إبريل 2014، سبقهم المعتقل أيمن طبيش والذي دخل في إضراب من 28 فبراير2014، وذلك من أصل (191) معتقلاً إدارياً محتجزين في السجون الإسرائيلية، بعضهم معتقلاً منذ سنين بلا تهمة أو محاكمة.

وقد أعلن المضربون بأن خطوتهم جاءت احتجاجاً على احتجازهم من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي دون تهمة أو محاكمة، ولمطالبة المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل لإلغاء سياسة الاعتقال الإداري.

وقد علق المعتقلون إضرابهم عن الطعام، بتاريخ 25 يونيو 2014، أي بعد (62) يوماً من الامتناع الكامل عن الطعام، والاكتفاء بالماء والملح، أدت إلى نقل أكثر من (90) معتقلاً منهم للمستشفيات، دون أن تتضح أسباب تعليق الإضراب حتى الآن.

ومن الجدير بالذكر أن (2000) معتقل فلسطيني قد خاضوا إضرابا بتاريخ 17 إبريل 2012، استمر (28) يوماً، للمطالبة بوقف سياسة الاعتقال الإداري التي تستخدمها إسرائيل بلا أي ضوابط لعقاب النشطاء الفلسطينيين، حيث كان يرزح أكثر من (300) معتقلاً إدارياً في السجون الإسرائيلية، بعضهم قضى مدد وصلت لسنوات دون تهمة أو محاكمة.

وقد علق المعتقلون إضرابهم بعد تعهد من قبل سلطة السجون الإسرائيلية والجهات الأمنية بالإفراج عن بعض المعتقلين الإداريين ومراجعة ملفات الباقين، وقد طرأ انخفاض على إعداد المعتقلين الإداريين بعدها، حيث وصل في يوليو 2013، إلى (134) معتقلاً، إلا أن هذا العدد ما لبث أن تضاعف خلال الفترة السابقة إلى أكثر (331) معتقلاّ، (140) منهم تم اعتقالهم إدارياً خلال الأسبوعين الماضيين فقط.

وأكد المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان رفضه المطلق لمشروع قانون التغذية القسرية، ويطالب المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية بالضغط على إسرائيل لمنع إقرار مثل هذا القانون.

وأكد المركز إنه سيلاحق دولياً كل من سيثبت تورطه في استخدام التغذية القسرية ضد المعتقلين الفلسطينيين.