شاطئ القرم.. متنفس العائلات والسائحين

10 (2)زائرون طيلة أيام الأسبوع، وطيلة اليوم، وفي مختلف أوقات السنة، بِحرِّها وبردها وعواصفها وأمطارها وسكونها وصخبها، شاطئ القرم، ملاذ رحب لكل الأذواق، ولكل الفئات المجتمعية، للعائلات والشباب، المقيم والسائح، الصغير والكبير، الباحث عن رياضة لعب الكرة، والجري والسباحة، والباحثين عن الشاعرية والهدوء والسكينة، والباحث عن الصمت ليملأه بعزف آلته الموسيقية وشجو صوته.

يستقبلك الشاطئ الزاهي برحابة أرضه وبحره وسمائه المتلونة، يهف عليك حانيا بنسماته الباردة، بمرجانه الفريد وأصدافه المتنوعة وقواقعه المختلفة.


أول الفجر

بداية من الفجر، لا يخلو الشاطئ من الزائرين، فتجد شريحة من الرياضيين اعتادوا الجري أول الفجر، فقد أصبح هذا الشاطئ ضمن جدول نشاطاتهم، فكم من محبي الرياضة يجدون في أول الفجر فرصة سانحة لممارسة بعض التمارين من الجري والسباحة وغيرها، فيبدأون يومهم بنشاط وحيوية يستمدوها من نسمات البحر بعيدا عن ضجة المدن ودخان السيارات وزحمتها، ولا يقتصر هذا الوقت على الرياضيين، بل قد تجد بعض المتأملين وقد انعزلوا عن العالم الخارجي يسبحون بخيالاتهم وهم ينظرون إلى البحر وامتداده، يلقون ما في خاطرهم ونفوسهم من آهات ومواجع، يجدون في البحر قلبا كبيرا يسمعهم ويشاركهم ما في خلجاتهم.

طيور متنوعة

يستقطب الشاطئ طيورا مختلفة، وأكثرها انتشارا طيور النورس بمختلف احجامها التي تشكل لوحة فنية حينما تطير أسرابا باتجاه واحد وتستقر على الشاطئ، وكذلك طيور مالك الحزين، والعصافير المتنوعة، تجد الطيور في الشاطئ رزقها من الأسماك، فصورة الطيور وهي تغطس مستخرجة سمكة صغيرة لا تغيب عن أي مرتاد لهذا الشاطئ.

خارج الذروة

باستثناء فصل الشتاء، يعتبر الوقت المحصور ما بين الساعة 9 صباحا إلى أول العصر وقت الذروة لمرتادي وزائري الشواطئ العمانية بشكل عام، وهذا ما يلاحظه المتجول بسيارته في شاطئ القرم مرورا بالشارع الذي اشتهر باسم “شارع الحب”، ولكن يجد بعض السواح الأجانب بغيتهم في هذا الوقت مستمتعين بأشعة الشمس للتشمس واكتساب اللون البرونزي المرغوب لديهم، فلا يخلو هذا الوقت من زائري شاطئ القرم بشكل خاص، لأنه في قلب العاصمة مسقط العامرة التي تستقطب السائحين حول العالم.

بينما في فصل الشتاء، فالشاطئ في هذا الوقت مقصد كثير من العائلات التي تشد الهمم وتربط أمتعتها ومعدات الشواء والطبخ باحثة عن نقطة الاستقرار المناسبة، تنصب الخيام الحديثة ذات الحجم الصغير والمظلات والكراسي، استعدادا للتعاون في إعداد وجبة الغداء، ولا يقتصر هذا الجو المفعم بالألفة والتعاون على العائلات فحسب، بل الشباب أيضا لهم موقعهم.

صخب وانتعاش

وتأتي ساعات العصر، ويبدأ العالم بالقدوم، يمتلئ شاطئ القرم من أقصاه إلى أقصاه بمختلف محبي الشاطئ من الرياضيين، وبالباحثين عن مساحة لتسلية أبنائهم وعائلتهم، النساء والرجال، الأطفال والكبار، ضجيج ولعب ولهو يملأ المكان، ملاعب لكرة القدم على امتداد الشاطئ، أطفال وبراعم يتسلون لعبا بالرمال البيضاء الناصعة، حاملين “سطلهم” البلاستيكي مع “شيولهم” وأدواتهم ذات الألوان الزاهية، يصنعون قصورا رملية كل حسب مهارته، وآخرون يجمعون كنوزهم من المرجان والأصداف والقواقع المختلفة والفائز بينهم من يتفرد بجوهرة نادرة، وطفل آخر يجمع السرطانات الصغيرة يجمعهم في حفرة يملؤها بماء البحر، ورجل يعلم أطفاله السباحة محتاطا من الأمواج والحفر والتيارات، صور كثيرة وسيناريوهات تبقى في الذاكرة، تجد الابتسامة مرتسمة على محيا الجميع.

محمية خور أشجار القرم المتوازية مع الشاطئ

كل شجرة من أشجار القرم هي بمثابة مصنع لإنتاج الأكسجين، فهي تعمل كجهاز تكييف يرطب أجواء المناطق التي تحيط بها، والتي عادة تكون في أشد الحاجة إلى هذه المكيفات الطبيعية، نظرا لارتفاع درجة الحرارة، كما تقف هذه النباتات التي تنمو على السواحل البحرية في المياه المالحة على الحد الفاصل بين اليابسة والماء مقاومة انجراف التربة وتآكلها، لأنها بكثافتها تعمل كمصدات للأمواج التي تتكسر عليها، فتعود ثانية إلى جوف البحر دون أن تضر بالتربة القريبة من الساحل .

تحدٍ وإثارة

الشاطئ مكان ملائم جدا للعب كرة القدم، فعلى امتداده يفترش هواة اللعبة رمال الشاطئ للتحدي والإثارة، إما للتسلية والاستمتاع مع الأصدقاء أو الضيوف، فتجد الشباب يحملون روح هذا الشاطئ الفسيح مرحبين بكل من يحب اللعب، وكم وجدنا السائحين الأجانب يشاركون أبناء البلد هذه اللعبة، وإما تجد فريقين متواجهين تملؤهما الروح الرياضية، وقد يتخلل اللعب بعض المشادات الكلامية والصراخ، فهذه كرة القدم وما تحملها من إثارة وحماسة، ولكن ما أن تسدل الشمس أشرعتها ويرفع على المسامع أذان المغرب، تجد الجميع يصافح بعضه، ومن ارتفع صوته يعتذر، وتسود الألفة إيذانا بيوم كروي جديد.

فن التصوير

صور كثيرة تنال الإعجاب التقطت في هذا الشاطئ، فهواة التصوير يتوافدون إليه لالتقاط صور فنية متنوعة، إما للموج وهو يتلاطم بالصخور مشكلا لوحة فنية، وإما للطيور المتنوعة، وإما لمنظر الغروب الآسر، وانعكاس قرص الشمس على مسطح البحر، وخلفه السماء وقد اكتسبت اللون البرتقالي بينما تسدل الشمس أشرعتها مودعة زوار الشاطئ، على أمل لقائهم في يوم جديد، محبو التصوير لهم حكايات لا تنتهي مع هذا الشاطئ.

رؤية مشتركة

من الطبيعي أن الزائرين الكثر لم يجمعهم إلا حبهم لشاطئ القرم بشكل عام، وإلا فما قضوا الساعات الطوال في حضن الشاطئ رمله وبحره، فأحد الزائرين وهو محمد المقبالي من ولاية البريمي يجد في الشاطئ المكان الرائع لتنفس هواء عليل، يعمل محمد في العاصمة العامرة مسقط، وبعد يوم من العمل الشاق يجد استراحته مع نسمات البحر، وبرودة الماء، يستهويه الموقع المحاذي للكتل الصخرية الضخمة، يخلع نعليه ويمشي على المياه الضحلة إلى أن يحل وقت المغرب، تاركا الشاطئ ليستأنف القدوم في الليل، وربما في اليوم التالي، أما صديقه خليفة الغيثي من البريمي كذلك فوجدناه ضيفا جديدا على المكان، ولسان حاله يقول الآن بَطُل تعجبي من الساعات الطوال التي يقضيها محمد في هذا المكان، فقد أصاب بعدوى صديقه وإدمانه الحلال من أول زيارة.

أستاذ اللغة العربية علي الغيثي تأسره مياه البحر النقية التي تداعب الرمال الذهبية، والأشجار التي تزين الشاطئ، ويقول “رقي الناس هنا المتجلي في خلقهم الطيب، وتعاملهم مع المخلفات من أهم أسباب توافد الزائرين إلى هذا الشاطئ فشكرا لهم، وكل الشكر كذلك للجهات الحكومية المعنية التي تبذل جهودا كبيرة في المحافظة على رونق الشاطئ ونظافته”.

وللشعراء ترجمات أخرى، ولهم فرشاتهم الخاصة يرسمون لوحاتهم من حروفها، يقول الشاعر يوسف الكمالي في شاطئ القرم:

على شاطئ القرم سرحت نعلي

ومدَّ ذراعيَّ رفعت القماش

أحط على الرمل ذنب خطاي

وذئب هواي ونبض ارتعاش

ليحضنها الموج.. مدا حنونا

فراش من الماء يا للفراش

فأي لقاء وأي عناق..

وأي نقاء وأي انتعاش

“مشاكيك” شهية

لا يخلو شاطئ القرم من أكشاش بيع المشاوي البسيطة، المعروفة محليا بـ “المشاكيك” والمنتشرة في مختلف ولايات السلطنة، بل وأصبحت أكشاش “المشاكيك” سمة من سمات السلطنة على المستوى الخليجي، يقدم مجموعة من الشباب العماني في شاطئ القرم أصنافا منوعة من “المشاكيك” منها اللحم والدجاج والحبار، ويقدمون أيضا لحم طيور الصفرد، ولا بد أن يرافق منتجهم النكهات التي أصبحت ضرورية مع المشكاك، منها صلصة الصبار الهندي الحامضة، والشطة الحارة.

يبدأ بائع “المشكاك” بإشعال “كورة” بعد أذان المغرب، وهذا هو الوقت الذي تعارف عليه زائرو الشاطئ، وكثير منهم من يقصد الشاطئ فقط لتناول وجبة خفيفة كـ “المشكاك”، ويستمر الجمر مشتعلا إلى منتصف الليل مالم تنفد الكمية، والتي غالبا ما تنفد أو ينفد جزء منها.

وتشهد “المشاكيك” إقبالا كبيرا، خصوصا من زائري السلطنة الذين غالبا ما تجدهم يسلطون عدسات كاميراتهم نحو البائع الذي يتفنن بتقليب الشواء وإضافة المنكهات، ليشاركوا أصحابهم في كثير من المواقع الاجتماعية صورا لهذه المهنة، وخصوصا موقع الـ “إنستجرام” الذي احتل فيه هاشتاق مشاكيك مساحة كبيرة وصورا متنوعة.