زكريا فكري -
الحق في العمل والسكن والحياة الكريمة مبادئ عامة متفق عليها في كافة الاتفاقيات والعهود الصادرة عن الأمم المتحدة والتي وقعت عليها معظم الدول الأعضاء ولعل أول اتفاقية نصت على ذلك هي اتفاقية إنشاء منظمة العمل الدولية نفسها عام 1919 والتي تؤكد على الحق في العمل. وحق العمل هو حق من حقوق الإنسان، يستند إلى الشرعية والمواثيق الدولية، كونه لا يلبي فقط حاجة من حاجات الإنسان في الحياة، بل يوفر أيضا ضمانات حماية الإنسان وهو يكد لكسب رزقه ولضمان الرفاهية والاستمرار والعدالة في المجتمع الدولي ولكل أعضائه.
والعنصر الأساسي في حق العمل هو (إتاحة الفرصة لكسب الدخل) طبقا لنص المادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ورغم أن حق الإنسان في مستوى معيشة كافٍ بدون أية شروط حق من الحقوق الأساسية، كما تنص المادة 11 من العهد نفسه، إلا أن ربط المعيشة الكريمة بكسب الدخل والحق في العمل هو إعلاء لقيمة العمل والموظف، باعتبار أن العمل ليس مصدر دخل ومعيشة للعمال فحسب، بل هو مصدر توفير المستوى اللائق من المعيشة لكل البشر، فمن ناتج العمل تأتي الثروات والخير.
والموظفون وهم يسعون لكسب دخولهم يحصلون فقط على جزء من ناتج عملهم ويتركون بقيته أو فائض قيمته للمجتمع ورفاهيته، ومن حقهم أن يروا توزيع ذلك في إطار من العدل الذي يضمن كفاية ما يحصل عليه كل إنسان للتمتع بحياة كريمة.
وهناك فرق بالطبع عندما يتحول الحق في العمل إلى حق في التطلع والحلم بالرفاهية دون النظر إلى المؤهلات والإمكانيات التي تميز وظيفة دون أخرى وترفع صاحبها من درجة إلى أخرى أعلى.
فأنت لا تستطيع أن تتقدم إلى وظيفة طبيب أو مهندس أو معلم ما لم تكن مستوفيا شروط شغل هذه الوظيفة.. وإذا افترضنا وتقدمت لشغل هذه الوظائف فسوف يرفض طلبك… هنا لا يمكنك أن تشكو أو تتظلم من إجهاض حق من حقوق الإنسان.. أو تقول إن ذلك مخالف لمواثيق حقوق الإنسان وعهوده.
كذلك يجب أن تكون متيقنا أن حق العمل هو حق جماعي ينظم وفق أطر ولوائح وليس وفق رغبة شخصية فردية.
فهناك العديد من دول أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية تمنح الذين لا يجدون عملا أو تم تسريحهم من أعمالهم مبلغا من المال بصفة شهرية ثم تعرض عليهم فيما بعد ثلاث فرص للعمل.. فإذا رفضت هذه الوظائف على التوالي يسحب منك مبلغ الإعانة الشهري أو إذا عثرت على وظيفة تقوم بإبلاغ الجهات المعنية لوقف مبالغ الإعانة التي تحصل عليها. وتحولت مؤشرات إعانة البطالة بهذه الدول إلى موجه كبير لبوصلة الاقتصاد فيها ومدى قوته ونموه فإذا ارتفعت طلبات الإعانة كان ذلك مؤشرا غير جيد يلزم الانتباه إليه ومعالجة أسبابه، أما إذا تقلصت كان ذلك دليل على استقرار وظيفي واجتماعي وأن الأوضاع تسير في طريقها السليم.. مع العلم أن حجم المستفيدين من إعانة البطالة في الولايات المتحدة الأمريكية يتراوح ما بين 2 و2.8 مليون شخص والإعانة التي تقدم لهم فقط لإعانتهم على المأكل والمشرب وهي تتراوح ما بين 400 و600 دولار شهريا لحين الحصول على عمل لهم.
ووفقا لإحصائيات الاتحاد الأوروبي فإن عدد الباحثين عن العمل في الاتحاد الأوروبي ارتفع من 17 مليون باحث عن عمل في عام 2007 إلى 27 مليون في 2014.
وتعمل أوروبا أو بعض دولها حاليا بنظام الأيدي العاملة الزهيدة أي التي يمكن استخدامها في أعمال شاقة نظير أجور قليلة لا تتناسب مع حجم الجهد، وهي سياسة ما يسمى بالإغراق الاجتماعي، وتتسبب في تحويل الآلاف من المواطنين إلى باحثين عن عمل .. كأن يعمل مثلا عمال رومانيون في إصلاح الطرق ببلجيكا مقابل راتب هزيل لا يتجاوز مائتي يورو في الشهر كذلك يستخدم عمال بناء بلغاريون نظير 6 يورو الساعة بدلا من 15 يورو في حين أن الحد الأدنى للرواتب في بروكسل 1400 يورو.
ووفقا لإحصائيات منظمة العمل الدولية وأوراق عمل تم تقديمها في العديد من المؤتمرات المتخصصة، فإن معدلات البطالة في البلدان العربية تقترب من 17 مليون عاطل عن العمل وهي معدلات البطالة نفسها في البلدان العربية مع اختلاف القياس والأسباب والمسببات.. ففي العالم العربي نجد معدلات تقترب من 14% غير أنها تقل عن ذلك كثيرا في بعض الدول العربية منفردة، واعتبر التقرير العربي الأول للتشغيل والبطالة الصادر عن منظمة العمل العربية أن البطالة العربية هي الأسوأ عالمياً، وتعاني منها الدول الغنية والفقيرة على السواء. كذلك فإن معدلات البطالة في الدول العربية التي تعاني من مشاكل أهلية أو حروب مثل فلسطين والصومال والعراق أعلى بكثير من غيرها. وتتراوح نسبة البطالة بين أقل من 5% في دول الخليج الى 30% في موريتانيا.
أيضا تزايد نسبة التوظيف في القطاع الحكومي والعام حيث تتركز الأيدي العاملة الوطنية في العديد من البلدان العربية وخاصة دول الخليج العربية في القطاع الحكومي، بينما تتركز الأيدي العاملة الوافدة بالقطاع الخاص. ولا يخضع التعيين في القطاع العام لنفس معايير الكفاءة والإنتاجية السائدة في القطاع الخاص مما قد يشير إلى ارتفاع نسب الباحثين عن عمل بين فئات العاملين الوطنيين. وتتركز الأيدي العاملة الوافدة في قطاعات الصناعة وتجارة الجملة والتجزئة والبنوك والمستشفيات والمطاعم والفنادق.