تحفة معمارية ناطقة بحضارة الإنسان العماني -
بلغ عدد السياح الذين زاروا حصن النعمان بولاية بركاء في عام 2013م اكثر من ثلاثة آلاف سائح، وذلك في إطار الجهود التي تبذلها وزارة السياحة للاستفادة من المقومات السياحية الحضارية التي تزخر بها السلطنة وتحويل الحصون والقلاع إلى مزارات تاريخية يرتادها الزوار والسياح.
وتحظى القلاع والحصون والمواقع الأثرية باهتمامٍ خاص من قبل السياح القادمين إلى السلطنة والمواطنين والمقيمين، حيث إنها تمثل قيمة سياحية تشهد على جمال الماضي وزهو الحاضر، يتعرف الزائر من خلالها على أدق التفاصيل التاريخية برائحة الأمجاد العمانية والتوثيق الممتع لمراحل مختلفة من مراحل عُمان ورموزها وأبرز الشخصيات المؤثرة التي مرت عليها.
حصن النعمان بولاية بركاء، لا يزال علامة سياحية بارزة يقصدها السياح من كل مكان، للوقوف على تفاصيل حقبةٍ مضيئةٍ في التاريخ العماني، ويسجل موقفاً بارزاً من براعة الإنسان العماني في الهندسة والعمران وصناعة التاريخ والأمجاد، وهو من الحصون العمانية التي شيّدت بعناية وفق ضوابط معمارية متجذرة في عمق الهوية العمانية بتفاصيلها الاجتماعية والمدنية، كما أنه يحكي لكل زائر ما حدث في الماضي البعيد، وكيف عاش أهله، وكيف نمت فيهم الإرادة، وكبر الأمل والطموح، وكيف تصارعت أمنيات الإنسان بتحديات الواقع فغلبها، فالتراث الإنساني هو سلسلة حلقات متصلة لقصة الإنسان على الأرض فلا تاريخ بلا وثائق فآثارنا هي ذاكرة عمان.
ما يشد الزائر لحصن النعمان أنه معلم معماري تاريخي يحكي قصة شعب أثبت أنه ذو شخصية مستقلة تماما، وله بصمته التاريخية الخاصة به والتي عاشت في مخيلة ساكنيها، فهو قصر عماني صغير يحفل بعبقرية الإنسان العماني وإبداع عمارته فما أن تفتح بابه حتى يبدأ التاريخ يتكلم.
تجديد
يبعد الحصن عن العاصمة مسقط مسافة نصف ساعة تقريبا، شيد الحصن في أواخر القرن السابع عشر الميلادي، وذلك في عهد الإمام بلعرب بن سلطان اليعربي، ويحكى أن البناء تم بمبادرة من شقيق الإمام بلعرب وهو سيف بن سلطان الملقب (بقيد الأرض) ليكون محطة استراحة في منتصف الطريق بين مسقط والرستاق حيث كانت الرحلة شاقة على ظهور الجياد والإبل، والذي استخدم فيما بعد كقصر يقيم فيه الإمام ويستقبل فيه الزوار من المناطق القريبة ليقوم بعملية إدارة الشؤون الداخلية، وبعد حوالي القرن من بنائه تم تجديد حصن النعمان على يد مؤسس الدولة البوسعيدية الإمام أحمد بن سعيد (1769-1783م) الذي قام بتحصين المبنى بتعزيز الأسوار وإضافة برجين دفاعيين.
يقف حصن النعمان شامخا ثابتا بعمارته وبتفاصيل السنوات التي ظل بها شامخا، يرقب الأجيال كيف تتعاقب وتتغير، فما أن تدخل الحصن حتى تبدأ هيبة المكان تأسرك، وحكايات أهله تخرج من كل غرفة وزاوية، فأنت الآن في القرن السابع عشر الميلادي، وقد بني الحصن الرائع من دورين محميين بسور كبير له مدخل وحيد عبارة عن باب خشبي ثقيل يخفي بين نقوشه أسرارا لا أحد يعلم بها، وفي الداخل ستجد فناء واسعا تستقبلك فيه بحفاوة أشجار الغاف الكبيرة.
عبقرية معمارية
يتكون الدور الأرضي من خمس غرف، فباب القصر سيقودك إلى قاعة واسعة بها غرفتان للغسل ومخزن للتمور وردهة بالإضافة إلى مخزن الأغذية، وفي هذا الطابق الأرضي أيضا يمر الفلج متبخترا من الجنوب إلى الشمال مارا بأحواض الوضوء وأماكن الاغتسال التي تبرز عبقرية معمارية متميزة.
وفي الطريق إلى الطابق العلوي يزداد الشغف والتعلق بالمكان لتعبر من خلال درج مرتفع وضيق إلى قاعة الاستقبال الفخمة التي تتسمر فيها العقول ويسرح الخيال بروعة المكان والتي تعكس المستوى الاقتصادي الذي وصلت إليه دولة اليعاربة في ذلك العصر، وتوجد غرفة واسعة تبدو كمجلس رئيسي كما كانت تستخدم كمسجد نظرا لوجود المحراب الصغير المزخرف برسم هندسي غاية في الإبداع، كما يحوي الطابق الأول على غرفة النوم الدافئة ومجلس النساء والمجلس الخاص بالإضافة إلى البرجين الشمالي والغربي.
أما سطح وأبراج القصر فالوصول إلى الأعلى يكون عبر درج له خصائص فنية خاصة حيث تتداخل الأضواء والظلال عبر فتحات النوافذ المصممة على شكل ماسات متكررة، يبدو سطح الحصن ساحة مفتوحة تمكن الحراس من مراقبة المحيط الخارجي من كل الجهات إلى جانب هبوب نسمات الهواء العليل بسبب قربه من البحر، كما كانت تحيط بالحصن مزارع النخيل حيث أمر الإمام سيف بن سلطان بزراعة قرابة 6000 نخلة غرب الحصن لإنتاج التمور في ذلك الوقت ، وتوجد في أعلى السور في أقصى ركن من السطح باتجاه البحر غرفة صغيرة لا يمكن الوصول إليها إلا عبر السلم وهي مخصصة للراحة والتأمل تطل على مساحات شاسعة من أشجار النخيل.
وسائد حريرية
يتمتع الحصن الفخم بالكثير من التفاصيل الجميلة والشيقة من المعروضات حيث يحتوي على صندوق خشبي كبير (المندوس) يبلغ عمره مائة سنة تقريبا، كما سيجد الزائر السجاد الفارسي والوسائد الحريرية ومندوس مطعم بأشكال هندسية من النحاس الأصفر بالإضافة إلى القطع الثمينة والنادرة من الحلي الفضية البدوية والخزفيات القديمة والأسلحة والكثير من القطع الرائعة ، إن هذا التصميم المتميز يجذب الزائر ويحيره بتصميمه العبقري حيث يحتوي على مساقط صغيرة تستخدم لصب الماء أو الدبس المغلي على المعتدين، بالإضافة إلى مسالك الهروب الخاصة بالسكان وطرق غير نافذة لتضليل الغزاة، علاوة على أن غرفة الإمام يوجد بها مخبأ ذو فتحة صغيرة في الأرض توجد تحتها غرفة مظلمة في البرج الجنوبي الشرقي تخفي هذه الغرفة معبرا آمنا نحو الارض إلى خارج الحصن.
تحسينات
ولقد قامت وزارة السياحة ممثلة بدائرة تطوير المواقع التاريخية بالعديد من الأعمال المختلفة للمحافظة على هذا المعلم التاريخي وإبراز ما يحتويه من مقتنيات نادرة لمختلف شرائح الزوار، حيث تمثلت في صيانة شاملة لمبنى الحصن، وتقوية الطاقة الكهربائية وإدخال الإضاءة الحديثة التي تتناسب مع المواقع التاريخية، كما عمدت أيضا إلى تنفيذ معرض تاريخي يحكي تاريخ الحصن والرموز الثقافية والتاريخية لولاية بركاء وذلك من أجل أبراز الموروثات التقليدية والصناعات الحرفية التي تشتهر بها الولاية، كما تم الانتهاء مؤخرا من استكمال المرافق الخدمية المتمثلة في تنفيذ مكتب المرشد ودورات المياه ومقهى للزوار ومحل لبيع الهدايا من المنتجات الحرفية العمانية إلى جانب توسعة مواقف السيارات وأعمال التجميل للساحات الداخلية والخارجية للحصن.