إيهاب الملاح -
يمثل الكاتب والروائي المصري الشاب أحمد مراد (مواليد 1978) حالة خاصة في المشهد الأدبي المعاصر، إذ يبدو النجاح الكبير والجماهيرية الواسعة التي نالتها أعماله خلال الأعوام الست الأخيرة (ظاهرة فريدة) تلفت الانتباه وتستحق الدراسة وتغري الباحثين في علم الاجتماع الأدب بدراسة حالة حقيقية ومثمرة. «فرتيجو» كانت أولى أعماله الروائية (صدرت في عام 2007)، وتحولت لاحقا إلى مسلسل تلفزيوني، وحققت نجاحا مبهرا ولفتت إليه أنظار الكثيرين، خاصة بعد أن توالت طبعاتها خلال مدة لا تتجاوز أشهر معدودة.. (فوجئت باتصال هاتفي من الروائي الكبير صنع الله إبراهيم يثني على الرواية ويمتدحها وقال كلاما أخجلني بقدر ما أرعبني، وجعلني أتساءل: هل أكون قدها؟) هكذا أخبرني مراد عما اعتبره شهادة ميلاده الحقيقية في دنيا الأدب والكتابة، التي كان يخطو خطواته الأولى فيها على وجل واستحياء، مضيفا إنه لم يكن يتوقع هذه الحفاوة التي قوبل بها عمله الأول ولا التشجيع الكبير الذي ناله من أسماء بحجم صنع الله إبراهيم وبهاء طاهر وإبراهيم عبد المجيد.
في عام 2010 أصدر أحمد مراد روايته الثانية «تراب الماس» عن دار الشروق، ولم تمر أيام قليلة على صدورها حتى احتلت قائمة الكتب الأكثر مبيعا، وتصدرت قوائم الكتب الأوسع انتشارا وتوزيعا، وصدر منها ما يزيد على ست طبعات في ثلاثة أشهر. وتمت ترجمتها هي وسابقتها (فرتيجو) إلى الإنجليزية والفرنسية والإيطالية، وحصد الترجمة الإيطالية لفرتيجو جائزة البحر المتوسط للأدب 2012، وهي من أهم الجوائز الأدبية وأرفعها في إيطاليا. وبرز اسم مراد ككاتب روائي شاب يصنف دائما على أنه (نجم البيست سيللر)، الذي حقق المعادلة الصعبة والغاية المستحيلة في تحقيق مبيعات فائقة لعمل أدبي في الوقت الذي نجح في اجتذاب شرائح وقطاعات واسعة من القراء في مصر والعالم العربي لقراءة أعماله وبإقبال منقطع النظير..
أما روايته الثالثة «الفيل الأزرق» التي صدرت منتصف عام 2013، فكانت (هي دي)، الرواية التي وصلت إلى القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية (بوكر 2014)، لتتخطاها سريعا إلى القائمة القصيرة، وتكون في بؤرة الضوء انتظارا لإعلان الفائز بالجائزة في 29 أبريل الجاري.
أحمد مراد، إضافة إلى كونه كاتبا روائيا، فهو متخصص في التصوير السينمائي، ويعمل أيضا بالتصوير الفوتوغرافي، وتصميم الأغلفة، حيث تخرج أحمد في المعهد العالي للسينما، قسم التصوير السينمائي عام 2001، وكان الأول على دفعته، ونالت أفلام تخرجه «الهائمون» «الثلاث ورقات» «وفي اليوم السابع» جوائز للأفلام القصيرة في مهرجانات ببريطانيا وفرنسا وأوكرانيا.
(يتساءل الكثيرون، حبا أو بغضا، عن السبب وراء هذا النجاح المتواصل والكبير بالرغم من قصر عمر التجربة، فبالتأكيد لم يأت هذا النجاح من فراغ ولا بد أن تكون وراءه أسباب وعوامل أتاحت هذا؟) سألته.. يقول مجيبا: بعيدا عن فكرة الانتشار أو النجاح أو التحقق، في ظني أن الكاتب، أي كاتب، يقدم عمله وينتهي دوره حد صدوره، أما مسألة النجاح أو عدمه، الانتشار أو غيره، فهذه مسألة تخص القارئ وحده ولا يمكنني أبدا إبداء أي رأي فيها ولا التعليق عليها، فقط كل ما يمكنني قوله هو أنني أحمد الله على هذا النجاح وأرجو أن أكون عند ظن قارئي ومن يحسن الظن في ما أكتب). ويتابع مراد: أما عني أنا في ما وراء كتابة أعمالي، فكل ما أستطيع قوله، هو أنني أشتغل على الفكرة وأدرسها جيدا، وأحاول التحضر لها بكل تركيز واحتشاد، وأسعى قدر ما أستطيع إلى قراءة كل ما يتصل بمادة موضوع الرواية، تاريخا كان أو أدبا أو أساطير وفلكلور أو مادة علمية، على أن أضفر هذه المادة في بنية العمل دون أن تكون هدفا لذاتها، لكن في خدمة النص واتساقا مع الرؤية الكلية له، وأجتهد في أن أحافظ على إيقاع العمل، إن جاز التعبير، والإفادة من دراستي للسينما في توظيف عنصر التشويق والجذب لمتابعة القراءة منذ الجملة الأولى في العمل وحتى السطر الأخير.
(أحمد مراد علامة لكتابة شبابية مختلفة سترسخ جذورها وستكون علامة فارقة يتبعها جيلها).. هكذا قيّم البعض إنتاج أحمد مراد مشيدا به ومشجعا له على استكمال الطريق الذي اختاره في الكتابة، في مقابل وجهة نظر أخرى راوحت بين النقد أو الانتقاد الموضوعي وبين الهجوم العنيف الجارح الذي وصل إلى حد التطاول والإهانة، سألته: (دائما ما تتعرض لحملات شرسة من الهجوم والنقد اللاذع عقب صدور عمل من أعمالك، ووصلت هذه الحملات إلى الذروة بعد ترشح «الفيل الأزرق» إلى البوكر.. ما تعليقك على هذا؟)، ضحك أحمد، وأجاب قائلا: لا أخفيك أنني تعودت على هذا، وكل من كتب كلمة عني أو عن أعمالي أقول له (شكرا جزيلا) على عناء القراءة والقول، سواء كان قولا مُمتدحا ومستحسنا أو العكس.. في الحالتين أقدر من قال وما قال، أما من يهاجمني وهو لم يقرأ لي حرفا ولم يطالع أي عمل مما كتبت.. فقط أسأله: وهل يمكن أن نحكم على نص أو عمل أدبي دون أن نقرأه؟!
بدت فكرة رواية «الفيل الأزرق» غريبة بعض الشيء في العالم الذي تناولته، خاصة أنها ولجت إلى منطقة غرائبية، اعتبرها البعض أنها تكرس لفكرة السحر والقوى الغيبية التي تتحكم في مصائر البشر ومقدراتهم بعيدا عن المنطق العقلاني والمعالجة الموضوعية والعلمية للظواهر.. وهو ما اعتبره البعض مأخذا على الرواية وصاحبها.. ما رأيك في هذا الطرح؟ استهل مراد إجابته بالتأكيد على أنه لم يقصد هذا الطرح، نافيا التكريس لأي فكرة من الأساس، لكنه أوضح أنه سعى إلى معالجة مختلفة وجريئة لفكرة (الغفران) و(التسامح مع خطايا النفس) و(تعرية الذات في مواجهة نفسها)، يقول مراد: في داخل كل منا شخصيتان متناقضتان، إحداهما ظاهرة تواجه العالم والبشر وهي متقنعة بكل ما تستطيع من أقنعة وحواجز وجدران، تخفي وراءها الذات الأخرى، الباطنة، الخفية، التي تخشى مواجهتها والاندفاع في مصارحتها بكل ما تريد أو ترغب أو تفكر، وهذا ما سعيت إليه في رسم شخصية (يحيى) بطل الرواية. ولهذا جاء منطق تتابع الأحداث معكوسا، تحركها جريمة، لكنها ليست إلا محفزا ومحركا للأحداث، وفي منطقة البحث عن الدوافع والعوامل التي أدت إلى ارتكاب هذه الجريمة، ومن منطقة البحث النفسي ودراسة الظاهرة مرورا برحلة موازية داخل ذات البطل ستنقله إلى منطقة أخرى يواجه فيها ذاته ويراجع ماضيه كي يستقرئ حاضره ويواجه مستقبله.
تطرح أعمال أحمد مراد دائما إشكالية التصنيف والتجنيس.. فالبعض يرى أن رواياته تصنف ضمن أدب الإثارة البوليسية، ورواية الجريمة والكشف عن الدوافع، في ما يرى آخرون أنها ليست كذلك وأنها تعبير عصري عن ثقافة وواقع مجتمع بتحولاته وتطوراته وعلاقاته بالصورة والتقنية التكنولوجية الحديثة وطفرة الاتصالات. كاتبة وروائية وناقدة عربية معروفة أكدت أن (رواية الفيل الأزرق ستمثل ظاهرة لكتابة شبابية قادمة ستتمثل بها، وستأخذها كنموذج يحتذى به، ويتم تقليده واستنساخه على نطاق واسع، فهو يعكس شكلا روائيا مفصلا تماما على مقاس هذه الأجيال التي نشأت وتربت على أفلام الكارتون، وأفلام الفضاء والخيال العلمي المبهرة، وعوالم هاري بوتر السحرية وغيرها من أفلام خالقة لخيالات ومعجزات خارقة، كلها نمت طريقة تخيل وتفكير لدى الشباب مختلفة تماما عن الأجيال التي سبقتها ولم تنل مثل هذه الفرصة). لكن يبقى أن ثمة آراء أخرى لا تتحمس إلى هذا اللون من الكتابة وترى فيها (كتابة سريعة استهلاكية تخاطب الشباب المبتدئ المقبل على القراءة)، بل اشتط البعض في رفضه محذرا من هذه الكتابة وأثرها على الأجيال الجديدة، ويبقى دائما أن المعيار الوحيد والحكم العدل في عالم الفن والأدب هو (الزمن).. الزمن وحده كفيل بإثبات أي من الفريقين على صواب.. أما الثابت الآن، والواقع على الأرض، أن أحمد مراد كاتب جماهيري معروف له قراء على امتداد العالم العربي وفي أرجائه من الخليج إلى المحيط، وأنه أحد أبرز المرشحين بقوة للفوز بجائزة البوكر لهذا العام.