مصباح قطب -
«عندنا مشاكل في كل حته». أطلق هذه العبارة المهندس إبراهيم محلب رئيس الحكومة المصرية غداة توليه المسؤولية مباشرة، وقد تبدو هذه العبارة وكأنها مرتجلة أو وليدة لحظة أو ناجمة عن رغبة من رئيس الحكومة في إثارة حماس الجماهير لمواجهة التحديات الكبيرة التي تواجه مصر والمصريين في هذه اللحظة لكنها في تقديري تعكس واقعا ممتدا منذ أكثر من أربعة عقود وصلت معها المشاكل ليس فقط إلى أن تكون في كل «حته» ولكن أيضا أن يكون لها عمق كبير حيثما وجدت، ولذلك فإن أي حوار بين مجموعة من المصريين الآن لا يمكن التوصل فيه إلى أولويات بسبب كثرة وتنوع وضغط جميع المشاكل على الجميع في وقت واحد، وإذا قال أحدهم إن المرور والزحام الشديد في الطرقات وعدم ملاءمة الشوارع لحركة السير وتردي حالها بشكل كبير بالإضافة لحوادث الطرق والقطارات والتي تحدث بشكل يومي الآن هي أهم قضية في مصر، يرد الثاني لا بل النظافة وانتشار القمامة في الشوارع المصرية وما تنشره من أمراض فضلا عن منظرها غير الحضاري والذي يشوه الشوارع المصرية ويدمر صحة المصريين تلك هي أم المشاكل، وما أن ينتهي حتى يقول ثالث. لا هذه ولا تلك . إنها الكهرباء وانقطاعها المستمر والذي يؤثر بشكل كبير على حياة المصريين بالإضافة لزيادة سعرها وعدم قدرة الحكومة على حل مشكلة الانقطاع المتكرر، ويقول الرابع: بكل تأكيد فان أهم مشكلة في مصر هي التعليم وتردي حالته بشكل كبير وسوء حالة المدارس سواء فيما يختص بـ البنية الأساسية أو المستوى التعليمي إذ لم يعد في مصر تربية ولا تعليم زائد مشكلة الدروس الخصوصية والتي لم تستطع أي حكومة حتى الآن القضاء عليها بل إنها تستفحل بمضي الوقت والحكومات تلك هي المشكلة إذا أردتم نقاشا جادا لكن الخامس يقول: وماذا عن الفقر يا إخوتنا حيث إن نسبة كبيرة جدا من المصريين يعيشون تحت خط الفقر العالمي وكثير من المصريين لا يملكون قوت يومهم ولم يعد هناك معنى للقول «مفيش حد في مصر بينام من غير عشاء»….، فيلاحقه السادس قائلا: قبل الفقر يجب أن نتحدث عن البطالة فقد زادت بنسبة مخيفة في الثلاث سنوات الأخيرة مما يجعل العديد من الشباب المصري الذي لا يعمل يتملكه الشعور بالإحباط و يجعله صيدا سهلا للعديد من الراغبين في القضاء على مصر في الداخل والخارج، فيتنهد السابع قائلا: وأين نحن من الأمن المائي لمصر وسد النهضة فقد دخلت مصر فيما يبدو فترة العد التنازلي للجفاف والعطش وانهيار الحياة… الم يقل رب العرش العظيم «وجعلنا من الماء كل شيء حي»، وها هي حصة مصر من ماء النيل تحت تهديد خطير؟. يسكتهم الثامن بالقول إن التضخم أي غلاء الأسعار هو الفاجعة التي تصيب الجميع حاليا فهي مشكلة لا يعرفها الكثيرون عمليا ولكن آثارها مدمرة لأي بلد، فيفحمهم التاسع بقوله: هل بعد الصحة بعد؟ إن تردي الخدمة الصحية هو أهم مشكلة في هذا البلد فحالة المستشفيات لا تسر عدوا ولا حبيبا.. لا خدمة صحية ولا نظافة ولا اهتمام وزاد عليها إضراب الاطباء والصيادلة والفنيين في المستشفيات العامة مطالبين بزيادة الراتب على حساب المواطن المصري الذي لاحول له ولا قوة، وأخيرا ينتفض العاشر قائلا كيف يحدث هذا في ظل غياب الأمن إن أكثر مشكلة ملحة وضرورية في مصر هي غياب الأمن والأمان وكيفية القضاء على الإرهاب ووقف نزيف الدم في الشوارع .
وهكذا إذا. مشكلة في كل مكان مشكلة في كل ملف مشكلة عند كل مواطن من الأربعة والتسعين مليون نسمة. مشاكل في الداخل وأخرى مع الخارج والأهم ما الذي يعنيه ذلك؟ هل المقصود حين نعدد المشاكل أن نبرر سلفا سلبيتنا تجاهها أو عجزنا عن التصدي لها وهل لدينا أصلا ترف أن نكون سلبيين أو ترف الهروب من المواجهة؟. لم يعد في الوقت متسع فبكل الأبعاد لابد من مواجهة شاملة هنا والآن حتى تخرج مصر من كبوتها وتستعيد عافيتها الأخلاقية والاقتصادية والقومية. إن من يقرأ ما حدث للجيش المصري في يونيو المشؤوم سنة 1967 سيصاب بالدهشة البالغة من أن جيشا تشتت أفراده وفقد بوصلته وانهارت قيادته وتحطمت معداته وتردت روحه المعنوية وشلت مطاراته ألخ، قد اذهل العدو بعمليات شديدة الشجاعة بعد أسابيع قليلة أو أشهر من الهزيمة المروعة وبلغت هذه العمليات ذروتها في معركتي رأس العش ثم إغراق المدمرة إيلات قبل أن ينتهي العام نفسه عام 1967 وبكل تأكيد ورغم كل مشاكل اللحظة لا يمكن القول أن وضع مصر الآن يشبه وضع الجيش المصري بعد هزيمة 67. هناك أصول ضخمة تستطيع أن تتحول إلى الإنتاج الكامل في وقت صغير للغاية وهناك قدر من الموارد المادية ليس بالقليل رغم المأزق الاقتصادي الراهن والاهم هناك قدر من التوثب الوطني الجيد الذي يصلح مرتكزا لعملية انطلاقة كبري.. فلتكن المشاكل في كل موقع فالإرادة أيضا موجودة أو يجب أن تكون موجودة لدى كل فرد وفي كل موقع أيضا والمهم هنا هو بناء أولويات صحيحة للبدايات وتنسيق الحركة لان هناك الكثير مما يجب أن يتم بالتوازي والأهم أيضا أن نودع وإلى الأبد عقيدة انتظار المخلص.
إن أخطر ما يواجه مصر الآن هو انه يوجد ركون شديد على فكرة أن كل المطلوب من المواطنين هو أن يذهبوا لانتخابات الرئاسة وأن يحرصوا على أن تتم هذه العملية بسلام وبعدها ستنهمر عليهم الثمار وستتلاشى كل المشكلات . ظني إلى حد كبير أن تلك مشاعر عابرة وأن عقلانية ما هي التي ستقود الجميع إلى المسار الصحيح في النهاية.. مسار الجهد والعرق والدم والدموع كما قال «تشرشل» ذات مرة عند إعادة بناء انجلترا بعد الحرب العالمية الثانية. إن الجمهور العام مدعو إلى تفهم القضايا المحورية وفي مقدمتها الأمن المالي والأمن العام والأمن المائي وأمن الطاقة. حين تتحدث إلى مواطن عن تفاقم عجز الموازنة فلا يولي ذلك اهتماما ويقول لك في نفس الوقت إنه يكتوي بنار غلاء الأسعار ولا يريد أن يسمع أي شيء آخر. إنه لا يعرف أن هذه نتيجة لتلك وقس على ذلك موقف المواطنين من الملاءة المالية لبلادهم فعجز الموازنة وتآكل الاحتياطيات وانفجار الدين العام عوامل أساسية في التأثير السلبي على التصنيف الائتماني للبلد.
قد لا يضار المواطن لحظيا من ذلك لكنه يردد ثانية لك في نفس الوقت انه يكتوي بنار غلاء الأسعار ويعاني عجز الحال أي أنه لايعرف أيضا أن خفض التصنيف الائتماني يؤدي إلى إحجام الموردين الأجانب عن تقديم تسهيلات للمستوردين المصريين ويؤدي إلى إصرار الموردين على تقاضي الأثمان نقدا مما يرفع كلفة الاستيراد وبالتالي سعر السلعة كما أن انخفاض التصنيف يجعل البنوك ومؤسسات المال العالمية تحجم عن إقراض مصر أو تقرضها بأعلى سعر فائدة ممكن بحجة أن المخاطر في البلد مرتفعة وهذا واقع وبالتالي فإن كلفة السلعة التي تستوردها الحكومة أوتمولها من القروض تزيد وبالتبعية تزيد أسعارها على المواطن المستهلك في الأسواق وهكذا.
لابد من وجود الوعي المشترك بالمشاكل في إطارها الصحيح وفي علاقاتها ببعضها البعض. سنتحدى التحدي كما قلنا وسنعبر فوق المشاكل وفوق الأزمات إلى رحاب دولة الرفاه والقانون والعدل والكرامة الإنسانية ونحقق شعارنا الثوري «عيش حرية عدالة اجتماعية كرامة إنسانية» رغم كل شيء. يد الله مع الجماعة… المؤمنة العاقلة المجتهدة.