لماذا لا تثور الشعوب العربية علمياً وصناعياً..؟

المهندس أحمد الدرمكي –


إن المتأمل في أحوال الشعوب العربية وخاصة في الجانب الاقتصادي المتدهور إلى أبعد المقاييس والحدود والذي قد أصبح لا يرقى لطموحات أبناء هذه الشعوب كما يعتقدون هم، هو الذي كان السبب الرئيسي، أوعلى الأقل من أكثر الأسباب أهمية، لإشعال فتيل الاحتجاجات العربية التي خرجت منددة بالوضع الاقتصادي السيء في بلدانها والذي أطبق عليها بين القضبان الحديدية للفقر المدقع الذي خيم بظلاله السوداء على نمط الحياة بجميع أشكالها في تلك المجتمعات.


لذا هل كان ينبغي على هذه الشعوب أن تثور سياسياً في وجه الأنظمة والحكومات القائمة في بلدانها..؟! والتي قد حملتها المسؤولية الكاملة على ما آل إليه الوضع من فشل ذريع في بناء اقتصادياتها، هنا يجب أن يُحكَّم العقل، ومقتضى العقل يقول يجب على هذه الشعوب أن تؤمن إيماناً تامًا بأنها المسؤول الأول والركيزة العظمى في نمو وبناء الاقتصاد والرقي بالاوطان وعليها أن تحمل هذه المسؤولية بروح من الصدق والإخلاص في البناء من أجل الرقي والتطور، وإلقائه على مسؤولية الدولة. بدلاً من قذف الحمل بأكمله على عاتق الحكومات وحدها والتجرد من المسؤولية تماما، وعلى النقيض الآخر لا نستطيع أن نبرئ تلك الأنظمة والحكومات في ما يحدث على الساحة من أحداث وقضايا حرجة، ولكن يجب مساواة الطرفين تحت قيود الاتهام وتحمل المسؤولية تجاه الوطن.

يا ترى ماذا سيحدث من تغير في نمط الحياة ، وخاصة في الجانب الاقتصادي بعد هذه الثورات السياسية ؟! من منطلق العقل والمنطق أعتقد لا تغيير سيطرأ على حال هذه المجتمعات، وذلك أن السبب الرئيسي هو المورد البشري الصناعي القادرعلى دعم وبناء اقتصاده، والذي تفتقر إليه الشعوب العربية واقتصادياتها، لذلك ينبغي على هذه الشعوب أن تثور علمياً وصناعياً لا سياسياً من أجل أن تحقق طموحاتها وتطلعاتها وأن تساهم بشكل كبير في دعم وبناء اقتصاديات عملاقة تعود عليها بالاستقرار والازدهار وعلى أممها بالتطور والرقي وأن تبدأ هذه الشعوب بتحريك الطاقات الذاتية الكامنة فيها من أجل البناء والتطور الذاتي ومن ثم الإسهام في البناء الوطني بعيداً عن الأعذار الواهية والانشغال بالقصور الحكومي في هذا الجانب أو ذاك ، لتجعل منه سبباً مقنعا للتقاعس والتخاذل عن أداء الواجب تجاه الوطن، لذا يجب إظهار الولاء والانتماء والإخلاص في سبيل بنائه والرقي به، فالوطن أرض لا حكومة.

لذا على هذه الشعوب أن تكرس طاقاتها القصوى في النهل الدائم والمستمر من التعليم المعرفي القادرعلى صياغتها وتطوير قدراتها كمورد بشري متطور يستطيع أن يخوض في غمار التطور التقني والمعرفي المتسارع والتأثير فيه بشكل إيجابي وليس التأثر به فقط، وفتح أبواب الصناعة والمصانع والدعوة إليها من أجل بناء مورد بشري صناعي قادر على بناء اقتصاد يعتمد على الصناعة كرافد عملاق بعيدا كل البعد عن الموارد الطبيعية النابضة والتي هي بمثابة الرافد الأعلى للاقتصادات العربية في الوقت الراهن. لذا علينا أن ننظر بنظرة طويلة الأمد في البناء الاقتصادي وتنوع روافده تلك النظرة التي يجب أن تكون خالية من وجود المورد الطبيعي كرافد للاقتصاد بأي شكل من أشكالها، لكي نستطيع صياغة اقتصاد قادر على تلبية طموحاتنا ومواكبة التغيرات الاقتصادية وآثارها.

وليس هناك مثال أجمل من الأمثلة الغربية التي ضربت في هذا الجانب من الثورات العلمية والصناعية العديد من الأمثلة كدليل على أنها المحرك المحوري والجذري في البناء والتطور وتقدم الأمم اقتصاديا واجتماعيا، تلك المجتمعات التي شمرت عن سواعد التغيير من أجل البناء والتطور معلنة بذلك الثورات العلمية والصناعية في وجه الجهل ومرارة الفقر والحرمان متجاهلة في ذلك الثورات السياسية التي لا طائل منها ولا مردود، حتى نجحت نجاحاً مذهلاً في الجانب العلمي والصناعي الذي قادها إلى أعلى مستويات التقدم والتطور والازدهار على جميع أصعدة الحياة، ولم يأت هذا عبثاً وإنما جاء بعد تذوق مرارة الصبر والحرمان وتقديم التضحيات العظيمة في سبيل تحقيق الغاية المنشودة. تلك الثورات العلمية والصناعية التي قد سطرت فيها بريطانيا وألمانيا أجمل مثال يمكن أن يحتذى به في الجانب العلمي والصناعي الذي قاد البشرية وبالأخص القارة المتقدمة أوروبا إلى عالم آخر غير ذلك العالم الذي كان يئن تحت وطأة البربرية.

أخيراً هل الشعوب العربية قادرة على تقديم التضحيات من أجل بناء أوطانها وتكريس حياتها في سبيل ذلك..؟! في اعتقادي نعم انها قادرة ولكن يجب عليها أولا أن تؤمن بأهمية الوطن والتضحية في سبيله وإن كانت تحت تأثير بعض الظلم والتهميش السياسي فلا بد له أن يتلاشى في النهاية في يوم من الأيام المشرقة أمام عظمة التضحيات والإنجازات التي سوف تتحقق في الجانب العلمي والصناعي، وبذلك سوف تتحقق عملية ولادة ناجحة لمجتمعات تتمتع بأعلى مستويات الفكر والتقدم والتطور والازدهار في شتى جوانب الحياة. وهو ما سيعود بالخير في النهاية على الشعب والوطن فيها، حاضرا ومستقبلا.