تونس ليست نموذجا .. ولكنها تجربة تستحق الدراسة

إذا كان لا بد من النظر إلى ما آلت إليه الثورات العربية التي دشنت مرحلة جديدة في الأمة «سلبا وإيجابا.. ألما وأملا» فإن تونس هي المرآة الأكثر صقلا والأكثر صفاء رغم أنها نقطة البدء ورصاصة الانطلاق.. وفي عادة الأشياء وطبيعتها تكون البداية مشوبة بشيء من الارتباك وبكثير من التجريب تتخطاه التجارب التي تأتي بعدها.

إلا أن تونس نجحت نجاحا كبيرا في أن تتفرد بالنتائج الإيجابية لحركة الثورات التي ما زالت تعصف ببعض بلدان العالم العربي.

وربما يعود النجاح الأكبر لتونس إلى أنها لم تتبنَ توجها إقصائيا ضد تيار على حساب تيار آخر، ولم يعمد التونسيون بالتالي إلى حمل السلاح لشعورهم أن ثمة من يقصيهم من بلادهم أو من أرضهم.

ورغم صعود الإسلاميين منذ البداية إلا أن الليبراليين ظلوا يتمتعون بمكانتهم وبمكتسباتهم حتى لو كانت الأحزاب الإسلامية لا تؤمن بتلك المكتسبات ولكنها بقيت تحترمها.

ولكن وحتى لا تظلم التجارب الأخرى لا بد من القول أن ما تهيأ لتونس لم يتهيأ لغيرها.. فتونس منذ البداية كانت قد حققت الكثير من القفزات في مجال التعليم وفي مجال الحريات والتعايش السلمي بين مختلف التيارات الفكرية.

وكانت هذه الأرضية التي ربما افتقدتها بعض دول الـربـيع العـربي ساعـدت التونسـيين إلى الخـروج بثورتهم إلى بر الأمان وها هم اليوم يجنون الكثير من المكتسبات.

وإذا كان الكثير من المراقبين يتوقعون فوز منصف المرزوقي برئاسة الجمهورية وهو من الإسلاميين فإن الليبراليين حققوا نصرا كبيرا عندما دخلوا البرلمان من أوسع أبوابه وهو نصر احترمه المرزوقي والغنوشي ورفاقهم من الأحزاب الإسلامية ووعدوا بالعمل جميعا تحت راية تونس وبهدف تجاوز كل التجارب المرة السابقة التي عاشت البلد تحت وطأتها وأوصلتها إلى ما وصلت إليه.

وجدير بالكثير من التجارب العربية أن تنظر إلى التجربة التونسية نظرة حقيقية ليس باعتبارها أنموذجا مثاليا ولكن بوصفها تجربة نجحت بين تجارب ما زالت تعاني وتقاسي الكثير من المرارات ومعطيات ذلك النجاح يمكن أن يُبنى عليه نجاح أكبر خاصة ما إذا عرفت دول الربيع العربي كيف تتخطى رغبة إقصاء الآخر الذي لا يتفق مع منهجها ومع توجهاتها وتعامل الجميع معاملة المواطن مهما كان قربه أو بعده منها.