الأمور التي تؤثر على قراراتنا الاستثمارية وكيفية التخفيف منها

لؤي بطاينة –


كنت قد قرأت مقالة للكاتبة كيت أشفورد والكاتبة هي من أشهر من يكتب في مجلة المال وتكتب في أكثر من 20 مجلة مالية متخصصة.

والمقالة تدور عن سيطرة الدماغ على العملية الاستثمارية وكيفية التغلب عليه بطريقة مهنية.

قد يعتاد الدماغ على أمور تم التعود عليها أو العمل عليها نتيجة تكرارها و/أو العمل بها لأكثر من مرة و/أو جرى العُرف والعادة في العمل بها، وفي الأسواق المالية نجد أن التأثيرات النفسية والاجتماعية والمالية تقوم بأثر كبير وواضح بالقرارات المالية والاستثمارية للمُستثمرين ومديري الاستثمار نتيجة تلك الأمور كمثال تأثر المُستثمرين بالفترات الزمنية للإفصاحات المالية و/أو التأخر بالإفصاح عن الموعد المُحدد، مما يؤدي إلى قيام المُستثمر نتيجة برمجة زمنية ونفسية بقيامه باتخاذ قرارات مالية واستثمارية نتيجة ذلك وبدون أي استشارات أو نصائح من الآخرين.

أو أن يقوم المُستثمر بنهاية الربع الثالث من كل عام بالبدء بإغلاق دفاترة المالية وتحقيق المطلوب منه قبل الانتهاء من الربع الرابع للسنة المالية.

وكطريقة لمُساعدة المُستثمرين في التغلب على طريقة عمل وتفكير وسيطرة الدماغ في القرارات الاستثمارية.

وهذه الأمور التي بالغالب يجب الأخذ بها والمحاولة في التغلب عليها هي:

1.فقدان الذاكرة للأمور التي جرت قبل مدة كبيرة والميل لتذكر فقط الأمور التي جرت في الفترة القصيرة الماضية وهي بما يُعرف بسيطرة الذاكرة القصيرة على الذاكرة الطويلة، وهي بالخلاصة يعتقد الدماغ بأن ما جرى في الأيام والأشهر القليلة الماضية هو بالضرورة أن يحدث ويستمر حدوثه بالمُستقبل ومنها على سبيل المثال وهنا عند قيامنا بالعملية الاستثمارية يجب أن نقوم بإعادة دراسة الواقع والماضي والمُستقبل ومنها على سبيل المثال أن نقوم بالاستثمار بأفضل الشركات أداءً بآخر 10 سنوات وليس بالشركات الأفضل أداءً بآخر 3 أشهر.

2. إن أكثر المُستثمرين يقومون بالعادة بالدفاع عن استثماراتهم وذلك بسبب قيامهم بالاستثمار بها والخوف من خسارتهم وذلك بقيامهم إما بشراء المزيد منها عند انخفاض أسعارها و/أو ترددهم وعدم قيامهم بالتخلص منها على خسارة على الرغم من استمرار انخفاض أسعارها وبالتالي ارتفاع قيمة الخسارة المُطلقة من خلال عدم قناعتهم بالتخلص من ذلك الاستثمار وتسجيل الخسارة، وهذا ما يُعرف بالاستمرار بتوجيه الوقت والطاقة والمال في استثمار أصلاً خاسر وسيحقق المزيد من الخسائر فيما لم يتم التخلص منه والاستمرار بالاحتفاظ به.

وهنالك مثل ومقولة في الاستثمار هي عدم وضع أموال جيدة بعد أموال سيئة مما يعني اختلاط الجيد بالسيئ وبالتالي خسارتهم.

والطريقة للتخلص من هذا الإجراء هو من خلال التأكيد على أن أي استثمار غير عامل ومنتج يجب التخلص منه لتحقيق العائد الاستثماري المرغوب والمطلوب وأصلاً تم الاتفاق على تحقيقه والوصول إليه والاستمرار بالقول بأنه سيتم إعادة ما بقي من أمول في استثمار آخر ليس بالضرورة أن يكون الأحسن ولكن بكل تأكيد سيكون أفضل من الاستثمار الذي تم التخلص منه.

3. في غالب الأحيان يقوم مديرو الاستثمار بالشعور بالثقة المُفرطة والزائدة مما سيؤدي إلى تدمير أي أداء تم تحقيقه سابقاً لا بل سيؤثر علي أي قرار سيتم اتخاذه في المُستقبل وذلك بسبب الجرعات الزائدة من الثقة والتي هي أصلاً مطلوبة ولكن يجب أن لا تزيد عن حدها المطلوب ويجب دائما إعادة تقييم أي قرار وموقف مالي واستثماري بغض النظر عن الخبرات والتجارب التي تم اكتسابها في الفترات السابقة مما سيساعد أي قرار واستراتيجية مالية واستثمارية بنجاحها واستمراريتها.

والبعض يقول بأن خبرات المدير و/أو الرئيس هي كافية لاتخاذ وتطبيق أية قرارات يتم اتخاذها من قبله ولكن يجب الأخذ بعين الاعتبار الخبرات والعلوم التي تم اكتسابها ومعرفتها والاستفادة منها لدى بقية الفريق.

وإحصائياً وعالمياً لا يوجد إلا فقط 25% من مديري الاستثمار الذين حققوا أداءً أفضل من المؤشر خلال العشر سنوات الماضية.

4. يوجد لدى العديد من المديرين (هذا مُتعارف عليه لدى النفس البشرية) التفكير بأنهم على صواب، وكانت هنالك دراسة في جامعة أوهايو وجدت بأن أكثر من 36% من القراء يقرأون مقالات صحفية سياسية فقط إذا كانت تُساند آراءهم وأفكارهم السياسية، وهذه المُشكلة سوف تؤدي بعد معرفة الرأي الآخر والرأي المُعارض مما يؤدي إلى غياب الوجه الآخر وقد يكون الأهم لأية عملية وقرار لاحقاً.

وللتغلب على تلك المُشكلة وعلى الرغم من أنها مُشكلة موضوعية، يجب على الدوام أن نأخذ رأيا آخر من أشخاص وزملاء نثق بهم وبأفكارهم.

5. يوجد أيضاً تحيز من نوع آخر وهو التحيز في المعرفة بما يعرفه الشخص وما هو لديه وعدم رغبته بمعرفة أشياء جديدة وتعلم خبرات جديدة من خلال التغيير إما للعمل و/أو المنطقة و/أو التخصص، مما يعني هنالك فرصة لخسارة أداء وأموال وعروض وتجارب ووظائف أفضل وقد تكون مالياً أفضل وأحسن اجتماعياً واقتصادياً.

فمثلاً يقوم مديرو الاستثمار بالاستثمار في الشركات والصناديق التي تم التعود عليها وعلى أدائها ومدعومة بمعرفتهم بها جغرافياً ومالياً وبنتائجها الحالية والتاريخية وتوزيعاتها النقدية والسهمية ومعرفتهم بإداراتها وموظفيها وعدم رغبتهم بسبر والخوض بدراسة فُرص لاستثمارات جديدة.

وللتخلص من ذلك يجب التأكد من فهم خاصية التنويع في مجالات وأدوات الاستثمار وهذا التنويع يجب أن يكون جغرافياً وقطاعياً ومالياً للتخفيف من أية مخاطر تنشأ عن التركيز في قطاعات ودول ومراكز وعملات مُعينة مما يؤدي إلى تفاقم الخسائر المالية في حال تعرض تلك المناطق و/أو القطاعات و/أو العملات لضغوط مالية وتضخمية وتشغيلية لا يُمكن التخفيف منها إلا من خلال التنويع الاستثماري والجغرافي.

6. ويوجد هُنالك العديد من مديري الاستثمار وكبار المُستثمرين ينقادون ويتأثرون بقرارات وتوجهات وتطلعات عدد آخر من المُستثمرين أو بما يُسمى علمياً بنظرية القطيع وبدون الأخذ بعين الاعتبار أية قراءات ودراسات للموقف المالي والاستثماري للصندوق و/أو المحفظة الاستثماري(ة) نتيجة عدم التركيز وفقدان الحس الاستثماري آنذاك مما يؤدي إلى اتخاذ قرارات مالية واستثمارية قد يندمون عليها لاحقاً.

وأفضل مثال عندما قام غالبية الـمستثمرين بالاستثمار بشركات (في فترة الطرح الأولي) فقط بسبب اسمها الكبير واتجاه غالبية المُستثمرين بالاستثمار بها وأفضل مثال على ذلك كان الاستثمار بالطرح الأولي لأسهم الفيس بوك Facebook وأسهم شركة علي بابا Alibaba وللتغلب على ذلك يجب عدم الانصياع والاستماع لأية ضجة إعلامية لأي استثمار من خلال اتباع حشود المُستثمرين والجمهور مما يُساعد ويُساهم في غالبية الأحيان في اتخاذ قرارات مالية واستثمارية قد نندم عليها ولا يُمكن تجنبها أو التقليل من مخاطرها، ويجب علينا أن نتوقف قليلاً ونحاول التفكير جلياً وبطريقة علمية وفنية مُستندة إلى الدراسات والأبحاث والتوقعات المالية والاقتصادية والفنية لأداء الاستثمارات التي استثمرنا بها و/أو نرغب في الاستثمار بها بناء على المخاطر المالية والاستثمارية والعائد المالي والاستثماري الذي نرغب به لاتخاذ القرار الصائب والواضح والأفضل للمُستثمرين والصناديق التي نقوم بإداراتها.

وهنالك العديد من المُحللين يرجعون بجزء كبير من انهيار أسواق المال العالمية في العام 2008 نتيجة الهرولة وراء الجموع واتخاذ قرارات غير مدروسة ومُنظمة وبالتالي أدت إلى تحقيق المزيد من الخسائر المالية.

7. في العديد من الحالات وعلى الرغم من عدم الرغبة في الاستماع للأخبار السيئة على اختلاف مصداقيتها وتأكيداتها والتي قد تؤثر سلباً نوعا ما على استثماراتنا، إلا انه قد يرغب أعداد كبيرة من مديري الاستثمار للاستماع لها وإعطائها المصداقية أكثر من أية أخبار جيدة، وهذا بما يُعرف بالسلبية لدى بعض من المُستثمرين أو السلبية في التفكير وسيطرة الدماغ علينا، مما يؤدي إلى تعاطي الأخبار وبشكل سريع وحتى ولو تبعتها أخبار جيدة إلا أن تأثيرها لن يكون بنفس الوتيرة والقوة كما هي الأخبار السيئة.

وللتغلب على تلك الطريقة في التفكير أو بما يُسمى بالسلبية هو التفكير دائما بأنه في حال قيامنا بالتخلص من استثماراتنا وأسهمنا وبيعها على خسارة عند كل خبر سيئ وغير جيد سيؤدي ذلك إلى عدم تحقيق أي عائد مالي واستثماري و/أو ستتأثر استثمارتنا والعوائد عليها بطريقة سيئة. وفي النهاية، يجب أن نتذكر بأنه يجب التركيز في قراراتنا وتوجهاتنا الاستثمارية على الأداء طويل الأجل للاستثمارات الخاصة بنا، والحد والتقليل من مدى الاهتمام بأية أخبار آنية وقد يكون تأثيرها غير الجيد قصير الأجل.

إن الاستمرار بالاستماع إلى تقارير وسائل الإعلام المختلفة ومن مصادر مختلفة ولعناوين ومواضع مختلفة سوف يؤدي إلى تشتت تفكيرنا وقراراتنا وخططنا، وبالتالي يجب علينا على الدوام أن نقوم بتذكير أنفسنا بأنه لا يوجد أحد يستطيع التنبؤ الكامل بأداء السوق، يقول جريشام عن السوق المالي «إنها معقدة للغاية وطبيعتها لا يمكن التنبؤ بها».


Lbb_65@yahoo.com