تفكير رغائبي في الخطط الأمريكية لمواجهة داعش

لقد نفذت إلى السطح في الأيام الماضية نفثة من القلق الذي يتخلل العالم العربي. حدث ذلك حين شكت امرأة عربية أثناء حوار غير رسمي في مركز كولومبيا الدولي للشرق الأوسط بالعاصمة الأردنية عمان من أن عنوان حديثي حول «الأزمة» في المنطقة ليس دقيقا. فالكلمة الصحيحة في نظرها هي «التفكك».

وهتف الحضور بصوت عالٍ استحسانا لذلك. إن العالم يعاني من إحساس بالدوار هذه الأيام. فالمتطرفون من جماعة الدولة الإسلامية ـ داعش – الذين ظهروا من «حيث لا مكان»، كما يبدو، اقتحموا بوابات النفوذ. أما النخب السياسية فمشوشة وخائفة. وهي غاضبة من الولايات المتحدة (كما هو الحال دائما.) ولكنها في الوقت نفسه تريد من الولايات المتحدة بيان استراتيجية لمكافحة الجماعة التي تهدد كل بنية من بنى الاستقرار بما في ذلك الحدود السياسية.

وقد فاقمت من هذا القلق البداية البطيئة للرئيس أوباما في الكشف عن خطته « للنيل من قدرات داعش ثم تدميرها» لقد كان من المؤلم أن أنصت في الأيام الماضية لجلال القعود، الزعيم القبلي من عشيرة آل بونمر بالفرات، وهو يخبرني كيف أن بلدته تم اكتساحها لأن الولايات المتحدة لم تضع خطة لإعادة تزويد الحلفاء القبليين بالإمدادات المطلوبة.

ومنذ عودتي إلى بلادي ظللت أسمع المسؤولين الأمريكيين وهم يشرحون خططهم بتفصيل أكثر. إن استراتيجيتهم تكتظ بأدوات الشرط والاحتمال من شاكلة (إذا.. ولو.. وربما.. وقد..) ونحو ذلك. ومن المؤكد أنها (أي الاستراتيجية) لم تكتمل بعد، كما أقر بذلك أحد المسؤولين الأمريكيين في صراحة.

ومن بين العيوب الأخرى للاستراتيجية أنها تتطلب الصبر. وهذه صفة عزيزة المنال في أمريكا والشرق الأوسط. وأوضح ما يكون ذلك في العراق منه في سوريا. ولكن خطط الحملة العسكرية تقدم حقا المزيد من الوضوح وتسمح ببعض النقاش العام المطلوب. فأولا، يصر القادة العسكريون الأمريكيون على اتخاذ خطوات قليلة قبل الخطوات الكبيرة. لقد أحرزت الولايات المتحدة سلسلة من النجاحات البسيطة بالدعم الجوي الأمريكي والقوات الكردية والعراقية التي استعادت سدي الموصل والحديثة وحررت اليزيديين المحاصرين في جبل سنجار ودافعت بنجاح عن إربيل وآمرلي.

إن تنفيذ العمليات الكبيرة والخطرة مثل استعادة مدينة الموصل لن يحدث إلا بعد عدة شهور من الآن. ولكن الزخم العملياتي ازداد بقدر متواضع في أواخر أكتوبر مع تحرك القوات الأمنية العراقية لاستعادة السيطرة على مصفاة بيجي الاستراتيجية ومهاجمة القوات الكردية لمسلحي داعش في زمار شمالي العراق.

ويعتقد القادة العسكريون أن المتطرفين سيواجهون خيارات قاسية مع شروع القوات المدعومة من الولايات المتحدة في الهجوم. فهؤلاء المسلحون يمكنهم القتال والمخاطرة بخسائر ثقيلة أو التقهقر أو البقاء في مواقعهم. وكل هذه الخيارات الثلاثة تبطئ من زخم تحركهم. ويعلم القادة الأمريكيون أنه يجب عليهم التصرف بسرعة لاكتساب الصدقية من جانب السنيين، خصوصا بعد سقوط معاقل آل بونمر وعشائر أخرى في محافظة الأنبار مؤخرا.

لقد تمت التضحية بهذه المناطق لأن القادة العسكريين الأمريكيين اعتقدوا بعدم وجود حكمة في تنفيذ عمليات مرتجلة لتحرير جيوب صغيرة عالقة. وكان من الممكن استخدام القوة الجوية الأمريكية. ولكن كانت النظرة إلى ارتفاع مخاطر وقوع خسائر مصاحبة غير مقصودة. إن واسطة عقد النفوذ السنية تتمثل في قوة من خمسة آلاف من مقاتلي «الحرس الوطني» المجندين من مختلف القبائل.

ويعتبر تطوير هذه القوة مطلبا شديد الإلحاح. ويأمل القادة البدء في تجنيد ودفع رواتب وتدريب المقاتلين السنيين خلال أسبوعين. ومن المفترض أن يتواجد المئات من المدربين الأمريكيين والأجانب في العراق بنهاية هذا العام. وللمساهمة في اجتذاب السنيين يفترض أن يلتقي أحد كبار أعضاء الحكومة التي يقودها الشيعة بحوالي سبعين زعيما قبليا. ويعتقد المسؤولون الأمريكيون أن نصف هذه القبائل على استعداد للتخلي عن جماعة الدولة الإسلامية. ويرغب المسؤولون الأمريكيون أيضا في ضم جبرالجبوري، وهو زعيم قبلي مرموق، إلى الحكومة ربما كرئيس للحرس الوطني أو كمستشار أمن قومي. وقد أخبرني شقيقه مؤخرا في العاصمة الأردنية أن مثل هذا التحرك قد يدفع بعض المقاتلين القبائليين إلى الابتعاد عن داعش.

إن القادة العسكريين يبحثون دائما عن علامات تشير إلى إحراز تقدم. وهم يزعمون أنهم يرصدون بروزا لبعض جوانب الضعف في العدو، حتى مع مواصلة المتطرفين بسط نفوذهم. فالتقارير الاستخبارية تتحدث عن توترات داخل جماعة داعش بين المحاربين العراقيين والأجانب. وفي الموصل قادت هذه الخلافات إلى فصلهم في مبانٍ مختلفة. وقد أُجبِرت الجماعة على تغيير تكتيكاتها باللجوء إلى المناطق الحضرية وتجنب التحركات الكبيرة أو الاستعراضات المكشوفة مثل المواكب التي ترفع الأعلام.

وحين يقاتل الجهاديون، كما فعلوا في بلدة كوباني في شمال سوريا، يتم ضربهم. ويقدر المسؤولون الأمريكيون أن الجهاديين خسروا 400 مقاتل في تلك المعركة. كما قصفت الضربات الجوية الأمريكية أيضا بنياتهم الأساسية في العراق وسوريا بما في ذلك آبار النفط ومستودعات الإمداد. نعم يوجد بعض التخطيط العسكري المتين في الاستراتيجية الأمريكية. ولكنها أيضا تحتوي على بعض التفكير الرغائبي (الحالم.) وأشد الافتراضات التباسا لهذه الاستراتيجية أن المجندين العراقيين والسوريين يمكنهم كسب هذا القتال ضد المتطرفين بدون تواجد المستشارين الأمريكيين إلى جانبهم في المعركة.